الرباط: يتجه نمو الاقتصاد المغربي هذا العام نحو التراجع مقارنة مع ما كان متوقعاً، بسبب انخفاض أداء القطاع الزراعي جراء جفاف هو الأسوأ منذ سنوات بالإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وكانت المملكة تأمل تحقيق نمو بمعدل 3,2 بالمئة هذا العام، لكن "الظروف الخارجية المفاجئة والتحولات المناخية غير المستقرة أربكت هذه الفرضية"، وفق ما أوضح رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان.

وباتت تقديرات النمو تراوح بين 1,5 و1,7 بالمئة بحسب الحكومة، و1,1 بالمئة وفق صندوق النقد الدولي.

رغم الجهود التي بذلها المغرب خلال السنوات الماضية لتطوير الصناعة واستقدام مصنعين عالميين في قطاع السيارات خصوصاً، إلا أن هذا التطور لا يزال غير قادر على "إحـداث تغيير فـي البنية الاقتصادية"، وفق تقرير رسمي حول النموذج التنموي للمملكة.

إذ لا يزال معدل النمو متأثراً بشكل كبير بنتائج الموسم الزراعي المرتبط بدوره بمستوى الأمطار الذي تراجع بنسبة 42 بالمئة مقارنة مع متوسط الثلاثين عاماً الأخيرة.

بعدما بنت الحكومة توقعاتها للنمو الخريف الماضي على محصول من الحبوب يناهز 80 مليون قنطار، تراجعت التوقعات إلى 32 مليون قنطار بفعل شح المياه، وفق ما أعلنت وزارة الزراعة.

وعلى الرغم من تحسن صادرات الخضروات والفواكه، أدى التراجع في محصول الحبوب إلى خفض توقعات نمو القطاع الزراعي بنسبة 14 بالمئة، ما سيؤثر على نمو الاقتصاد إجمالاً بـ1,7- نقطة، بحسب المصدر نفسه.

اقتصاد هش

ويوضح الخبير في القطاع الزراعي عبد الرحيم هندوف أنه سيكون لهذا التباطؤ "تأثير مباشر على التشغيل ومستوى الاستهلاك الذي سيتراجع خصوصا في البوادي"، مشيرا إلى أهمية القطاع "الذي لا يزال يمثل حوالى 14 بالمئة من الناتج الخام في الظروف المناخية العادية، ويشغّل نحو 35 بالمئة من السكان النشيطين".

ويضيف "هذا في حد ذاته مؤشر على أن اقتصادنا لا يزال هشاً".

بالإضافة إلى الجفاف، يتوقع أن يتأثر النمو الاقتصادي أيضا بتداعيات الحرب في أوكرانيا التي تضرّر منها المغرب نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وبعض المنتجات المستوردة. علما أن مراقبين يشيرون أيضاً إلى عوامل محلية، مثل المضاربات وشبهات هوامش أرباح كبيرة لشركات توزيع الوقود.

وبلغ معدل التضخم جراء تداعيات الأزمة 4,1 بالمئة إلى حدود نهاية نيسان/أبريل. ويتوقع استمرار ارتفاع الأسعار عموماً هذا العام بمعدلات تفوق المتوسط المسجل خلال العقد الأخير، بحسب تقديرات رسمية.

ويوضح الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات رشيد أوراز أن "التضخم في ظل نمو اقتصادي ضعيف يؤدي إلى تضرر القدرة الشرائية لكل الفئات، وإذكاء الغضب الاجتماعي". لكنه يرى أن "حدة الأزمة تبدو أقل مقارنة بفترات ماضية، بفضل تطور قطاعات الخدمات والصناعة".

ولمواجهة آثار هذه الأزمة، أُعلن في شباط/فبراير عن برنامج لدعم المزارعين قيمته حوالى مليار دولار.

كذلك أعلنت الحكومة مضاعفة مخصصات دعم الأسعار إلى نحو 3,2 مليارات دولار حتى نهاية نيسان/أبريل، من دون اللجوء إلى قروض. وتشمل فقط الغاز والدقيق، فضلاً عن دعم استثنائي لمهنيي النقل البري.

كذلك التزم رئيس الحكومة "رفع وتيرة الاستثمارات العمومية" لإنعاش التشغيل، واتخاذ إجراءات لصالح الشركات المحلية مثل منحها الأفضلية في الصفقات العمومية، منبها إلى "أننا نواجه أزمة اقتصادية وجيوستراتيجية ووبائية منقطعة النظير".

الفوارق الاجتماعية

لكن حتى قبل بروز هذه الأزمة، شهد المغرب تراجعاً في معدلات النمو خلال العشرة أعوام الماضية بمتوسط 3,5 بالمئة، مقارنة مع 4,8 بالمئة خلال العقد الذي سبق، وفق أرقام رسمية.

وأضعف ذلك قدرة المملكة على تشغيل الشباب ومواجهة الفوارق الاجتماعية والمناطقية العميقة. وبحسب تقديرات رسمية، يستحوذ 20 بالمئة من المغاربة الأكثر يسرا على ما يفوق نصف دخل الأسر.

وتطمح المملكة إلى تحقيق "نسبة نمو سنوية تفوق 6 بالمئة" بحلول 2035، من خلال إجراءات عدة أهمها تطوير التصنيع المحلي وإدماج الأنشطة غير المنظمة في القطاع المنظم، وفق ما جاء في تقرير لجنة رسمية لاقتراح نموذج تنموي جديد نشر العام الماضي.

بيد أن تحقيق هذه الطموحات يبقى رهنا برفع مستوى الاستثمارات الخاصة التي لا تزال ضعيفة، بالإضافة إلى إصلاحات هيكلية لتجاوز "اختلالات وعراقيل تقف فـي وجـه المنافسة الحرة وتحمي حـالات الريع أو مراكـز النفوذ".

ويوضح رجل الأعمال وعضو لجنة النموذج التنموي كريم التازي "تعاني قطاعات عدة احتكاراً يضمن أرباحاً مريحة، خارج المنافسة الحرة، فضلاً عن معضلة الجمع بين المال والسلطة. هذا كاف لتحطيم نمو أي اقتصاد في العالم".

ويضرب مثلا بقطاع "المحروقات الذي يتحدث عنه الجميع الآن، أو القطاع المصرفي الذي يسيطر عليه ثلاثة فاعلين كبار، من دون أن يقوم بمهمته في تمويل الاستثمار".