لا كلوزا (فرنسا): أثّر الحرّ سلباً على قطعان الأبقار في جبال الألب وانعكس على الأجبان التقليدية الفرنسية الشهيرة، إذ أدى الجفاف إلى شحّ في الأعشاب و"اصبح كل شيء اصفر"، ما دفع أصحاب المواشي إلى النزول من المراعي الجبلية قبل شهر من الموعد المألوف".
وقال تيو بارجيتزي (28 عاماً) العضو منذ ست سنوات في المجموعة الزراعية المشتركة في لوريت بإقليم أوت سافوا (شرق فرنسا) الشهير بجبنة ريبلوشون "نخسر يومياً من إنتاج كل بقرة ما يوازي قالباً" من هذه الجبنة المصنوعة من حليب البقر الخام، أي نحو 5 في المئة من الإنتاج.
وتجاوزت الحرارة هذا الصيف الثلاثين درجة في نقاط تعلو 1600 متر عن سطح البحر، ما أدى إلى ذوبان حقول الثلج في سلسلة أرافيس، فبدت الصخور الرمادية عارية من معطفها الأبيض المألوف، واجتاح اليباس المروج. وبنتيجة ذلك، باتت الأبقار تدرّ من الحليب كميات أقلّ، ونوعية اقلّ دسماً.
وفي الوديان، عانت المزارع آثار موجة حرّ تاريخية، تخللتها في منتصف آب/أغسطس نوبة قصيرة من الأمطار، بالكاد تكفي لتخضير المروج.
وانخفض إنتاج الحليب عموماً بنسبة 15 في المئة عما كان عليه العام الفائت بحسب الإحصاءات الأسبوعية، وفق جمعية الأجبان التقليدية في جبال الألب سافويارد.
وقد بدأ عشرات المربين يخزّنون أعلافاً لفصل الشتاء لقطعانهم، بما يتيح لهم مواصلة إنتاج أجبان الحليب الخام على غرار ريبلوشون وتوم وبوفور وراكليت أو إيمانتال.
وقال رئيس المجموعة الزراعية ألمشتركة جان لوك دوكلو "لقد سبق أن عانينا ظواهر جفاف، لكنّه الآن ينتشر في كل مكان، في فرنسا وإيطاليا وأماكن أخرى في أوروبا".
واضاف أن كثراً من مربّي الماشية المتأثرين أصلاً "بالارتفاع الكبير في رسوم الغاز والكهرباء بسبب الأزمة في أوكرانيا"، يخشون نقصاً في التبن وتأثير المضاربة.
ويدير الرجل الخمسيني مع أسرته أكثر من 200 رأس من الماشية بهدف بيع اللحوم وإنتاج جبنة إيمنتال. بالقرب من بلدة فرانجي في أوت سافوا، باتت مزرعته الكبيرة المجهزة بنظام حلب آلي يمكن التحكم فيه عن طريق التطبيقات الرقمية بعيدة كل البعد عن المزرعة المتواضعة التي كان يديرها جده وكانت عبارة عن "أربع أبقار على أربعة هكتارات لإطعام 11 طفلاً".
وقال المدير الفني لتعاونية مزارع ريبلوشون في بلدة تون فيليكس غاليه (46 عاماً) "في الماضي، كانت تربية الماشية تُصنف ضمت اقتصاد الاكتفاء الذاتي، لكنها أصبحت أكثر احترافاً، وعدد المزارع الصغيرة يتناقص".
وتتمثل وظيفة غاليه في أن يراقب ظروف إنتاج الأجبان التقليدية في مختلف مراحله، من الحظيرة إلى المخزن. وتعتبر بعض البلدان هذه المنتجات "خطرة" بسبب ما تنطوي عليه من مخاطر بكتريولوجية مرتبطة بالحليب الخام.
في تون، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها سبعة آلاف وتعتبر نفسها عاصمة ريبلوشون، يكاد متجر التعاونية يكون ممتلئاً باستمرار.
في بعض الأيام، "يغادر السياح الذين يذهبون إلى مزرعة الرعي الجبلية فارغي الأيادي لأن الإنتاج لا يكفي لتلبية الطلب، وخصوصاً في سنة الجفاف هذه".
وبعد الحلب، يُخثر الحليب وهو ساخن بمخثر من معدة العجول، ويوزع في قوالب مبطنة بالقماش ثم يُضغط باليد. وتجفف قوالب ريبلوشون في القبو على ألواح خشبية حتى تتشكل قشرة برتقالية صفراء. وتستلزم كل قطعة ما لا يقل عن أربعة لترات من الحليب. ويبيع المزارع قالب ريبلوشون الذي يزن 450 غراماً لقاء ثماني يوروهات في المزرعة.
وسعياً إلى الحدّ من وقع الزيادة في التكاليف، سبق لمنتجي سافوا أن رفعوا أسعار أجبانهم بنسبة 5 إلى 10 في المئة منذ بداية عام 2022، وفقاً للجمعية. ورأى البعض أن هذا غير كافٍ لكنّ غاليه رأى ضرورة أن "تؤخذ في الاعتبار القوة الشرائية للمستهلكين".
وتضم منطقة سافوا وأوت سافوا الجبلية 220 ألف هكتار من المراعي الألبية، ويمثل إنتاجها من الألبان 1,5 في المئة من الإنتاج الوطني.
التعليقات