فيينا: على الرغم من كل القيود التي اتخذتها الدول الأوروبية، وتشديد إجراءات المراقبة الحدودية للحد من تدفق المهاجرين على أراضيها، ومع كل المخاطر القاتلة التي تكتنف طرق الوصول والعبور إلى القارة، إلا أن التوقعات تشير إلى أن أوروبا وتحديدا دول الاتحاد الأوروبي، ستبقى هدفا رئيسيا للمهاجرين خلال عام 2024، وأن عدد طالبي اللجوء للقارة سيتجاوز المليون شخص هذا العام.

جاءت هذه التوقعات في تقرير حديث أصدره المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة (ICMPD)، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة النمساوية فيينا منذ عام 1993، عن آفاق الهجرة الأوروبية لعام 2024، الذي عدد الأسباب الرئيسية لموجات الهجرة واللجوء ذات التأثير العميق على القارة الأوروبية، ومن بينها حركة نزوح السكان داخليا، والانقلابات العسكرية، والصعوبات الاقتصادية، وانعدام الآفاق أمام الشباب، والأزمات الإنسانية، والكوارث الطبيعية، وتراجع الحريات المدنية.

الأسباب الرئيسية للجوء
يشير التقرير إلى أن "الانقلابات العسكرية في إفريقيا أدت خلال العام الماضي إلى زيادة في تدفقات الهجرة نحو أوروبا، حيث وقعت منذ عام 2019، تسعة انقلابات في سبع دول في غرب ووسط القارة، وتضاعف عدد النازحين الأفارقة أكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الماضي، كما ارتفعت نسبة مواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من إجمالي الوافدين عبر البحر الأبيض المتوسط من خمسة بالمئة عام 2022 إلى أربعين بالمئة عام 2023، ومن المرجح استمرار ارتفاعها خلال عام 2024".

وفي سياق متصل، ترى تقارير مختصة "أن الفرص الاقتصادية المحدودة، والصراعات السياسية، وتزايد أعداد الشباب، وتغير المناخ هي الدوافع الرئيسية وراء ما يقرب من مليون مهاجر إفريقي جديد خلال العام الماضي، وتقول إن هذا يضاف إلى ما يقدر بنحو ثلاثة وأربعين مليون مهاجر أغلبهم من الشباب والمهاجرين غير المتزوجين، الباحثين عن فرص عمل في المراكز الحضرية داخل دول القارة السمراء، بينما يسعى آخرون للحصول على وظائف خارج القارة، خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا."

ومن المتوقع أن يكون تغير المناخ هو المحرك لما يصل إلى عشرة بالمئة من إجمالي الهجرة الإفريقية عبر الحدود بحلول منتصف القرن، ويرجع ذلك إلى الفيضانات والجفاف والعواصف الأكثر حدة، كما أدى هذا العامل إلى انخفاض بنسبة أربعة وثلاثين بالمئة في نمو الإنتاجية الزراعية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 1961، وهو ما أسهم بشكل أكبر في انعدام الأمن الغذائي غير المسبوق في القارة في السنوات الأخيرة.

ورغم أن إفريقيا حققت نموا اقتصاديا قويا مستداما منذ عام 2000، إلا أن متوسط دخل الفرد فيها هو الأدنى على مستوى العالم، حيث يعيش ما يقدر بنحو خمسة وثلاثين بالمئة من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في فقر مدقع، وهو ما يخلق ضغوطا هائلة على أفراد الأسر ويدفعهم للنزوح من الريف إلى المناطق الحضرية في خطوة ربما تكون الأولى نحو الهجرة الدولية، بعد حصولهم على المزيد من الدخل والمعلومات حول فرص العمل بمناطق أخرى من العالم.

خطوط ومصادر ومحطات جديدة للهجرة
ويتحدث المركز عن "خطوط ومصادر ومحطات جديدة للهجرة نحو دول الاتحاد خاصة من الأميركيتين الجنوبية والوسطى عبر المحيط الأطلسي وصولا إلى إسبانيا، ويرى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، التي تتسم بنقاش حاد حول الهجرة وبإمكانية عودة دونالد ترامب إلى السلطة، يمكن أن تؤدي إلى تحويل طرق مهاجري القارتين نحو أوروبا بدلا من الولايات المتحدة.

ومن الممكن أن تؤثر الحرب في أوكرانيا أيضا على تدفقات الهجرة هذا العام نحو الدول الأوروبية، خاصة في هذه المرحلة، حيث لا يلوح في الأفق أي حل سياسي أو خطوات نحو وقف لإطلاق النار يسمح للاجئين الأوكرانيين بالعودة إلى ديارهم، علما بأن دول الاتحاد الأوروبي تستضيف حاليا أكثر من أربعة ملايين لاجئ أوكراني نتيجة الصراع الدائر على العتبة الأوروبية، الأمر الذي أوجد أكبر أزمة هجرة في القارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويقول مركز الأبحاث "إنه يجب على كل دولة في الاتحاد الأوروبي هذا العام تحقيق معدل توظيف رسمي للاجئين الأوكرانيين في أراضيها، لا يقل عن خمسين بالمائة، وتوظيف ثلثيهم في العام المقبل"، معتبرا أن "من الحلول المقترحة للتعامل مع أزمة الهجرة المستمرة بدول الاتحاد الأوروبي، تطوير سياسات الهجرة الدول الأعضاء في الاتحاد بتحسين سياسة التأشيرات الخاصة بها، وهي الأداة الرئيسية في مكافحة الهجرة غير الشرعية."

وفي مواجهة أزمة الهجرة التي طال أمدها بالفعل، أعلنت الحكومات الأوروبية عن المزيد من التدابير التقييدية وربطتها بالمواعيد النهائية الانتخابية المختلفة في جميع أنحاء القارة. كما توافقت دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي نهاية العام الماضي على إصلاح واسع لسياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد، وهناك حديث غير رسمي في بروكسل مفاده أن الوصول إلى اتفاق حول إصلاح سياسة اللجوء كان لسحب البساط من تحت أقدام اليمينيين الشعبويين.

ففي صيف هذا العام 2024 ستجرى انتخابات البرلمان الأوروبي، وقد كانت الهجرة موضوعا بارزا ولعبت دورا كبيرا في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها أوروبا، كما في هولندا، إلا أن دخول هذا التوافق السياسي الأوروبي حيز التنفيذ يحتاج أولا لإقراره من قبل دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي بشكل رسمي، وينتظر أن يتم هذا خلال النصف الأول من العام الجاري بعد توضيح التفاصيل التقنية.

التدابير والإصلاحات
يرى المراقبون "أن دخول الإصلاحات حيز التنفيذ والعمل بها يحتاج من عامين إلى ثلاثة أعوام. ومن المفارقات أن هذه التدابير والإصلاحات تدفع المهاجرين إلى القدوم إلى أوروبا بأسرع وقت ممكن من أجل الهروب من تشديد سياسات الهجرة الحكومية التي تم الإعلان عنها خلال الحملات الانتخابية، وذلك قبل أن تدخل حيز التنفيذ. ويتضمن الإصلاح الذي تم التوافق عليه بين دول الاتحاد الأوروبي تشديد الإجراءات، مثل بحث طلب اللجوء على الحدود بالنسبة للاجئين الذين تكون فرص حصولهم على حق اللجوء ضئيلة، وخلال ذلك سيتم إيواء هؤلاء في ظروف تشبه ظروف السجن بدون استثناء للعائلات التي لديها أطفال."

كما تم الاتفاق أيضا على تخفيف أعباء الدول التي تشكل حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، وتستقبل عددا كبيرا من طالبي اللجوء مثل إيطاليا واليونان، وذلك عبر آلية للتضامن الإلزامي بين الدول الأعضاء من خلال استقبال جزء من طالبي اللجوء، أما الدول التي ترفض ذلك فيجب عليها دفع تعويض مالي أو تقديم مساهمة أخرى بغية تخفيف العبء عن تلك الدول الحدودية، بيد أن العديد من المنظمات الحقوقية تنتقد هذه الإصلاحات بشدة، وتقول إنها تخشى من أن يتم إفراغ حق اللجوء من محتواه الهش أصلا.