يأتي موسم حصاد الزيتون بكل ما يحمله من ثقل ودلالة تراثية وتاريخية في قطاع غزة مع بدء العام الثاني من عمر الحرب على القطاع.

وبحسب وزارة الزراعة في غزة فإن 50 ألف دونم (أي 50 ألف متر مربع) كانت مزروعة بمليوني شجرة زيتون قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية التي أتت بالتجريف والتدمير على مساحة 40 ألفاً و500 دونم، ومع ذلك حرص بعض المزارعين على قطف ثمار الزيتون مما تبقى لهم من أشجار وهم يرددون أغنيات وطنية من التراث الفلسطيني.

فريق برنامج "غزة اليوم" المذاع عبر راديو بي بي سي التقى إحدى عائلات مزارعي قطاع غزة، الذين كان لهم باع طويل في مهنة زراعة أشجار الزيتون التي توارثوها عن أجدادهم، ورافقهم في رحلة قطف ثمار الزيتون ليوم كامل، ولكن المفاجأة كانت في بقاء شجرة واحدة فقط من كل الأرض الزراعية التي دُمّرت قُصفت بالكامل.

وبالرغم من ذلك، وبصوت يختلط فيه الحزن والأمل أخذت العائلة تشدو الأغنية الفلسطينية التراثية الشهيرة: "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين.. شدوا بعضكم.. وأيدينا واحدة يا أما يا يُما أيدينا واحدة" قبل أن ينفجر"محمود" رب الأسرة، أو بالأحرى رب من تبقى من الأسرة باكياً وهو يقول: "هذه هي الشجرة الوحيدة الناجية من أصل 50 شجرة تم قصفها، كما كنت أنا وثلاثة فقط من أسرتي الناجين الوحيدين من العائلة بأكملها من القصف الإسرائيلي".

واستدرك قائلاً: لكنني مصر على أن أعلم ابني "عمار" ما علمني إياه والدي أبو عبد الله حينما قال لي أننا حتما سنعود، وسنعيد زراعة ما احترق من أشجار، وسنستكمل حياتنا في هذا الوطن.

قبل أن يغلبه البكاء مرة أخرى يقول: حتى الأحباب الذين فقدناهم بالقصف الإسرائيلي تذكرناهم اليوم ونحن نجني حبات الزيتون لأننا اعتدنا على أن نجنيه سوياً، تذكرتُ محمود الذي كان يصنع لنا الشاي ونحن نقطف المحصول، تذكرت أبو سوسو الذي كان يُنزل الأغصان من أعلى الشجر، تذكرت أبو وصفية الذي كنت أناديه كلما احتجت إلى مساعدة ولم يتخلف عن ندائي أبداً، تذكرتهم جميعاً.. رحلوا جميعاً.. الحمد لله".

أما أبو مازن فيرى أن ارتباط المواطن الفلسطيني بشجرة الزيتون ارتباطٌ وثيق، كون تاريخها يعود إلى آلاف السنين، وكونها ترمز إلى تجذره في أرضه، وإلى السلام والأمن، فضلاً عن أنها شجرة مباركة ومقدسة، مستشهداً في هذا الصدد بالمقولة الشهيرة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: "لا تُسقطوا أغصان الزيتون من يدي" مؤكداً على أن في هذا دليلاً كافياً على أن الشعب الفلسطيني شعب محبة وسلام، لكن "الاحتلال ما بدّوش" أي لا يريد ذلك، على حد تعبيره.

التقطت أطراف الحديث منه أم محمد لتقول: "موسم الزيتون هذا كان يشارك فيه كل أبنائنا وأحبابنا والجيران، لكن هذا العام رحلوا عنا جميعاً، خسرت ابني وأحفادي وزوج ابنتي، ومع ذلك ومهما استشهد منا ومهما حدث لنا ومهما حرقوا من شجر الزيتون سنظل صامدين، ولو اشتد علينا الحصار لأكثر من ذلك سنصمد، سنعيش ونموت على أرض هذا الوطن."

وعن مدى تأثر موسم حصاد الزيتون هذا العام بفعل الحرب قالت المسنة الفلسطينية: "ولو لم نجني منه سوى ما يملأ وعاءً واحداً لاكتفينا به وأكلنا منه، الشعب الفلسطيني لا يعرف اليأس ونحن لن نيأس، ليس أمامنا سوى أن نقوى ببعضنا البعض."

ليعود من حولها للغناء من جديد: "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين.. شدوا بعضكم فلسطين ما ودعتكم".

وأعلنت وزارة الزراعة أن موسم قطف ثمار الزيتون لهذا العام سيبدأ اعتباراً من العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في جميع المحافظات الفلسطينية، وأوضحت الوزارة في بيان صحفي، أنه يجوز لمديريات الزراعة في المحافظات تأخير الموعد المعلن حسب المصلحة العامة وخصوصية المنطقة.

وتمتد أشجار الزيتون على مساحة تزيد على 575 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، وتمثل ما نسبته 85% من أشجار البستنة، وتنتج في السنة الجيدة حوالي 33 ألف طن، وفي السنوات غير الجيدة سبعة آلاف طن من زيت الزيتون، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية وفا.

وتسببت الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في انعدام الأمن الغذائي بقطاع غزة، بعد تدمير القطاع الزراعي بالقصف الجوي المباشر للأراضي الزراعية أو بتجريفها أو تخريبها بالآليات الثقيلة والدبابات، ومنع المزارعين من الوصول لأراضيهم الممتدة على طول الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة، بحسب وفا كذلك.

من جانبه أكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مهند هادي، ضرورة تأمين الوصول الآمن للمزارعين الفلسطينيين إلى أراضيهم دون أي عوائق، في ظل تصاعد ما وصفه "بانتهاكات قوات الاحتلال والجيش والمستعمرين" بحق المواطنين بالتزامن مع موسم قطف الزيتون، جاء ذلك خلال الإيجاز الصحفي اليومي للأمم المتحدة، حيث عبّر هادي عن مخاوفه بشأن موسم قطف الزيتون المقبل وذلك في إطار زيارة دبلوماسية إلى بلدة كفل حارس شمال سلفيت، رافقه فيها شركاء إنسانيون وتنمويون.

وشدد هادي على أهمية موسم قطف الزيتون، الذي يُعتبر حدثاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً رئيسياً للفلسطينيين، مشيراً إلى أن نحو 10 آلاف هكتار من بساتين الزيتون لم يتم قطفها خلال العام الماضي، ما يعكس الوضع الصعب الذي يواجهه المزارعون.

ووفقاً لمركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد تراجعت صحة وكثافة الأراضي الصالحة للزراعة بسبب الحرب المستمرة في غزة.

وبرر الجيش الإسرائيلي قصف وتجريف بعض الأراضي بأنها تُستخدم من قِبل حماس لإطلاق الصواريخ.

وكشفت إحصاءات رسمية، أن خسائر القطاع الزراعي بعد عام من الحرب في قطاع غزة بلغت 1,050 مليار دولار أمريكي.

وبحسب تقرير، صادر عن وزارة الزراعة الفلسطينية، فإن قطاع غزة يعتمد اعتماداً رئيسياً على القطاع الزراعي في توفير الغذاء لأكثر من 2.4 مليون إنسان يعيشون في جميع المحافظات، إلا أنّ تعطل هذا القطاع أثر سلباً على الحركة الاقتصادية من بيع وشراء وتربية، لا سيما في القطاع الحيواني والأسماك.

وذكر التقرير أن "قوات الجيش الإسرائيلي تعمدت تدمير جميع الأراضي الزراعية في قطاع غزة، والبالغ مساحتها 180 ألف دونم مزروعة بالخضراوات والفواكه والمحاصيل الحقلية" بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية وفا.

ومع دخول موسم قطف الزيتون، أوضح التقرير أن قوات الجيش الإسرائيلي استهدفت أشجار الزيتون بشكل ممنهج والتي تشكّل نحو 60 في المئة من أشجار البستنة في القطاع، ولم يتم جني ما تبقى من ثماره للعام الثاني على التوالي.