سلوى اللوباني من القاهرة: نوستالجيا...حكايات خريفيةquot; هي مجموعة من النصوص الجديدة للمسرحي محمود أبو دومة، بدأها بنص quot;نوستالجياquot;، الذي جسد من خلاله حنينه الى الماضي، الى الذات، والى الذكريات، ويبدأ نصه قائلاً..نوستالجيا في الكتب يعني الحنين للماضي..لكن نوستالجيا في الواقع حاجة تانية خالص..نوستالجيا يعني ازاي تودع لماضي من غير ما الماضي يودعك..ولا تنزل من عينيك دمعة واحدة..عشان ما تفسدش جمال اللحظة..يعني تتألم في صمت وتحب الألم محبة خالصة...، وبعد السطور الاولى لنصوصه لا تملك الا أن تنغمس في حالة شعورية، حالة يمتزج بها الفرح والفكاهه مع الأسى والألم، نصوص عبر من خلالها عن الآم البشر ومعاناتهم، وجسد تجارب ومشاعر وعلاقات شخصية، وأدان الجهل والتعصب وسطوة التقاليد بلغة عامية أضفت على العمل مذاقاً خاصاً، نصوص معبرة ومؤثرة جداً تجمع بين الحكاية والمونولوج الغنائي والطرفة، يحكي من خلالها عن نفسه، عن ذكرياته، عن شخصيات وأماكن عرفها.
حكاية ودلالة:
واختار أبو دومة لكل نص حكاية، وكل حكاية لها دلالة، مجسداً الحكايات ببساطة شديدة وبايماءات ساخرة، في نص quot;جاملت بالروسي يعني هاملتquot; جسد المد الاشتراكي في مصر قبل عام 67، والحلم القومي، والجيش القوي ومحاربة الاستعمار، وتمصير الثقافة، والصواريخ الموجهة لاسرائيل، quot;نص البلد كان نفسهم يبقى ولادهم ظباط، كانت كلمة ظابط قبل 67 ليها قيمة كبيرة قويquot;، وانتهت الحكاية بتحول النادي الروسي في هليوبوليس الى مطعم quot;كنتاكي فرايد تشيكنquot; مجسداً بهذا المشهد هزيمة الحلم القومي، وتوقف المد الاشتراكي وبداية عهد الانفتاح، وفي نص quot;أشباح فرنساquot; أدان الجهل ولكنها ادانة تغلفها السماحة والتعاطف، حكى عن عادات وتقاليد الصعيد من خلال الحاجة quot;عواليquot; التي فقدت بصرها quot;عصروا لها بصلة في عينيهاquot; لعلاجها من الرمد، بالاضافة الى موت الطفلة فرنسا والحاجة عوالي تحت الانقاض، فأشقاء عوالي منعوا أهل القرية من مساعدتهم في رفع انقاض بيتهم المنهار خوفاً من أن تكون أختهم quot;ماتت متشلحةquot;.
من القدس لبغداد:
من أكثر النصوص تميزاً quot;من القدس لبغداد يا قلبي لا تحزنquot;، فقد برع أبو دومة بالتعبير عن مأساة فلسطين وسقوط بغداد بقصة قصيرة، وبنص ممزوج بالفكاهة والشجن والمرارة، فجحا يبيع ظل شجرة الجميز التي تتوسط فناء داره للرومي لينتهي به الامر الى بيع بيته أيضاً، بالرغم من إن ظل الشجرة كانت مكان أجداده، ولكن لسبب ما لم يلتفت جحا الى أهمية ظل الشجرة فاهتم بأمور أخرى، وبدأ نصه قائلاً.. بيقول عمنا نجيب محفوظ آفة حارتنا النسيان! الحارة هي الشارع والشارع هو الناس... والناس يعني الوطن... والوطن كله يا عم بينسى... عمره ما اتعلم حاجة من التاريخ...عمره ما افتكر حكاية،...زي حكاية جحا والرومي.
حكاية جحا والرومي:
والحكاية quot;بايجازquot; على لسان أبو دومة.....
هي ان حجا لديه بيت كبير وفي وسط البيت شجرة جميز عتيقة غرسها جده السابع جحا الأول، والشجرة عاملة تحتها ضلة قد البيت نفسه، جحا لقى الرومي واقف على بابه من بدري وقال له انا عاوز اشتري الضلة اللي تحت شجرة الجميز بتاعتك، حلوة دي باين عليه زبون اهبل، وكمان انا حاعمل ايه بالضلة، كتبوا العقد عند القاضي وجحا قبض الفلوس ونزل السوق واتشبرق، ولما صحي الصبح لقى الرومي قاعد تحت الشجرة وفي صحن البيت..بتعمل ايه عندك؟ قال له قاعد في ملكي ولما الشمس تروح أمشي على طول...وتاني يوم لقى الرومي قاعد على المصطبة قدام باب البيت..بتعمل ايه عندك؟ قال له الضلة جت على المصطبة ولما الضلة تروح أمشي على طول..وفي اليوم التالت لقى الرومي جايب مراته وولاده وبفطروا في البلكونة...ورابع يوم كتروا بقوا 50 وبعدين 100 وكلهم قاعدين في الضلة.. واول الضلة ما دخلت البيت دخل الاروام بيت جحا نفسه وقعدوا.. وكل يوم على ده الحال، لحد جحا ما زهق، وقال للرومي تشتري البيت نفسه انا عايز اسيب البلد وامشي.. كتبوا العقد عند القاضي وقبض جحا الفلوس.. لم حاجته وخد عياله وودع حيطان البيت، لما رحل جحا لبغداد لقى الاروام شاريين الضلة هناك..ولما رحل على القدس لقاهم برضه شاريين الضلة هناك.. ومش عارف جحا حيلاقيهم تاني فين، اصل الاروام في الاساس تجار ضلة.....بيقول عمنا نجيب محفوظ آفة حارتنا النسيان.
ومن القدس لبغداد يا قلبي احزن.......
أبو دومة:
quot;محمود أبو دومةquot; مخرج ومؤلف في قسم المسرح بكلية الآداب جامعة الاسكندرية، وحصل على الماجستير والدكتوراة من نفس الجامعة، تلقى تدريبه خلال فترة البحث والدراسة في ألمانيا والولايات المتحدة، وقد شغف بالعمل العام فأسس فرقة مسرحية مستقلة في مدينة الاسكندرية تحت اسم quot;جماعة المسرح البديلquot;، ويعمل الآن مبرمجاً للمسرح في مكتبة الاسكندرية، وعلى الرغم من تعدد دراسته المسرحية والدرامية فقد شغف بعالمه الذي جاء منه، عالم صعيد مصر quot;قرية أم دومةquot;، ويعد quot;محمودquot; موهبة مسرحية متفردة يمتزج فيها فن الكتابة بفن الاخراج، أبو دومة يكتب ويعد ويخرج ويمثل، نشر 3 نصوص هي quot;جاءوا الينا غرقىquot;، quot;البئرquot;، وquot;رقصة العقاربquot;، وأخرج quot;من يخاف فرجينيا وولفquot; لادوارد البي، وquot;مارا-صادquot; لبيتر فايس، ثم رقصة الموت عن نص quot;فلنمثل ستريندبرجquot; لفريدريش دورنيمات.
التعليقات