في معرضه العاشر

هناك
طفولة بسيطة وأشياء
نساء نقش الزمن
على وجوههن العناء والابتسامة
شيوخ...
وقساوة أيام ماضية وآتية
رجال...
كأني أسمع رفيفاً
لا أعلم
أزمن مؤجل؟
وطيور عائدة!!

صفاء ذياب مراسل إيلاف من بغداد: بهذه الكلمات يفتتح الفنان الفوتوغرافي علي طالب معرضه العاشر للصورة الفوتوغرافية على قاعة المصور العراقي في بغداد اليوم الاثنين 21/ أيار/2006 في الساعة العاشرة صباحاً. إذ عرض أكثر من خمسين لوحة فوتوغرافية اهتمت بالجنوب العراقي، وخصوصاً الأهوار وطبيعتها الساحرة من ماء وطيور مهاجرة وأكواخ قصب، وأطفال قدوا طفولتهم ونساء لا تفارقهن الضحكة وشيوخ يتعكزون على تاريخهم الطويل وسنواتهم التي أكلتها حروب التهجير والإبادة، لكنهم في الوقت نفسه لم ينسوا أن يتركوا ابتسامات عريضة وسط مياه الأهوار على الرغم من صرخاتهم التي أسكتت كل من أراد قتل هذه الطبيعة.
يقول الفنان الفوتوغرافي الكبير فؤاد شاكر: لدى علي طالب اهتمامات واسعة تتعدى عالم الأهوار الذي شغف به، وصوره على خلفية الافتتان بتفاصيله، ولربما اهتم قبل ذلك بالإنسان ومجده وكذلك بالأحياء والمعالم والطبيعة ونواحي الحياة قاطبة. وكان منحازاً لمفهوم السرد الواقعي والصورة المنتزعة من صميم المشهد الحي. وقد آمن هذا الفنان إيماناً راسخاً بضرورة أن يحيا المرء أكثر ليرى أكثر، ليضيف إلى المشهدية الفوتوغرافية العريضة كما إلى الإرث الفوتوغرافي الكبير الذي تركته الأجيال المتعاقبة، ما هو جدير في أن يجانبه من نتاج يستحق المراجعة والتأمل والإعجاب والإشادة معاً، ذلك لأن نتاج العقل الملتهب بالإبداع والمخيلة الفذة إن صح التعبير هنا، وهذا شاغل علي طالب بدوام الوقت إذ ليست القيمة أن تتحدث عن ركام من الصور بقدر ما كانت الجدوى والأهمية أن تترك وراءك نتاجاً ثرَّاً يعبر عن شخصيتك بكل فورانها وثرائها وتعاطفها الإنساني.
ومن أجل أن نكون قريبين من عالم علي طالب، ولمعرفة المزيد من خفايا الفن الفوتوغرافي ووضع هذا الفن في العراق، كان لنا حديث مع هذا الفنان بمناسبة معرضه الأخير:

* نرى أن أغلب معارضك تستمد بيئتها من الأهوار وجنوب العراق، ونشاهد الشيء نفسه في معرضك الأخير quot;رفيفquot;، حيث استلهمت أطفال وشيوخ ونساء الأهوار، والقصب والماء والطيور، ما الجديد الذي ترى أنك قدمته في هذا المعرض؟
- أكثر معارضي السابقة التي تناولت الطبيعة العراقية، التقطت عوالم الهور والجنوب، وذلك بسبب الظروف التي كانت مفروضة علينا، حيث لا نستطيع التحرك بحرية على طول الأراضي العراقية، لذا اكتفيت بالصورة الفوتوغرافية من البصرة إلى الموصل ولم استطع الدخول إلى عالم كردستان، حيث الطبيعة الساحرة والجبال والشلالات.
يختلف هذا المعرضة بعدم طرحه طبيعة quot;الطبيعةquot; الموجودة في الجنوب، بل تناولت الإنسان الموجود هناك، حيث التقطت الطفولة المستلبة والأطفال الذي لم يعيشوا الطفولة التي يريدونها، والنساء اللواتي يقمن بأعمال تتعدى قابلية أي إنسان، ولكن على الرغم من هذا ما زلن يعملن وبحيوية تفوق الخيال، هناك نوع من الابتسامة التي لا يحس بها إلا الفنان.. إضافة إلى الشيوخ الذين نرى تفوقهم على الحياة وعلى قواه التي من المفترض أنها تنهار في هذه المرحلة من عمره، لكنه ما زال يكابر ويعمل كما الشاب...

* هل رأيت هذا التمسك بالحياة في الأهوار حصراً؟
- نعم، رأيت كل هذا في الأهوار، صحيح هناك انعكاسات واضحة لهذه الأشياء في المدينة بسبب الظرف الاقتصادي والأمني الذي نمر به الآن، ولكن هناك في الأهوار تمسك بالحياة وبالعمل يفوق تمسك أي إنسان في أية بقعة أخرى. هناك دفاع عن الحياة وعن البيت الذي لا يمثل سوى مجموعة مربوطة من القصب... فحاولت أن أربط بين قوة الإنسان وبين بيئته.

* انتقلت في المدة الأخيرة من التصوير الفوتوغرافي بالأسود والأبيض إلى التصوير الملون، كيف تستطيع أن توضح الفرق بين هذه النوعين من الفن الفوتوغرافي؟
- التصوير بالأسود والأبيض عالم مستقل بحد ذاته ويختلف تماماً عن التصوير الملون، إذ إن لكل نوع حياة وحالة خاصة به، ففي الأهوار أحتاج إلى اللون لإظهار الحياة على طبيعتها، إذ كيف أستطيع إظهار اصفرار لون القصب وطبيعته الحية-الميتة من دون اللون، في حين يظهر بالأسود والأبيض عبارة عن تونات متباينة، إضافة إلى الخلفية والفضاء والجو العام في الأهوار لا يمكن أن يظهر بشكل واضع سوى بالألوان.

* نلاحظ أنك عرضت الصورة الفوتوغرافية بأحجام كبيرة، وهذا على خلاف أغلب المعارض الأخرى التي تأخذ الشكل المعتاد في العرض وهو أصغر بكثير من أعمالك المعروضة الآن؟
- حاولت الابتعاد عن المألوف بعرض الصورة بحجم كبير، إذ نجد في تكبير الصورة الفوتوغرافية حدين متباينين، الأول إظهار الجمالية من خلال هذا التكبير، والثاني إظهار العيوب التي تتخلل أي عملية تصوير فوتوغرافي، وأتوقع أن هذا الأمر نابع من ثقتي الكبيرة بنفسي وبأعمالي الفنية.

* ألا تلاحظ أنك ابتعدت عن فكرة المزاوجة بين الظل والضوء على عكس أغلب أعمالك السابقة التي دائماً ما تبحث عن هذه المزاوجة فيها؟
- هذا صحيح جداً، وهذا بسبب طبيعة الأهوار نفسها، حيث لا وجود لشجرة كبيرة أو بنايات مرتفعة يمكن أن يحدث هذا الظل في أي مكان، حيث الفضاء المفتوح ومجموعة متناثرة من الأكواخ. وأتوقع أن ما كان ينقصني، لعدم وجود وقت كافٍ، هو تصوير الحياة داخل هذا الكوخ، وأفكر أن أعود مرة أخرى لتصوير هذه الحياة، وهذا هو ديدني، إذ إني دائماً ما أبدأ بفكرة ما ثم أكملها فيما بعد... حيث أقمت في بغداد معرضاً أسميته quot;شذرات بغداديةquot; وعند العرض أحسست بأني لم أغطِ الحياة البغدادية بكل تفاصيلها، لذا عدت وأقمت معرضاً آخر باسم quot;شذرات بغدادية 2quot; وفي العام الذي بعده أقمت أيضاً quot;شذرات بغدادية 3quot;، الآن أرى أن بيئة الأهوار تمثل منجماً للفنان الفوتوغرافي يستطيع أن ينهل منها ما شاء من الأفكار.

* نستطيع أن نرى الآن أن أغلب الصحف العالمية والعربية بدأت تهتم بالفوتوغراف كبديل عن الموتيف أو اللوحة في الفن التشكيلي، ما سبب ابتعاد الصحافة العراقية عن هذا الفن وعدم اعتماده بشكل رئيس؟
- في هذه القضية جذب تاريخي في الموضوع، حيث بدأت الصورة في الصحافة العراقية عن طريق الزنكغراف، وهذه العملية متعبة جداً، فكان صاحب الصحيفة يعتمد صور رئيسة فقط في هذه الصحيفة، كصورة السياسيين ورؤساء الدول فحسب، ونرى أن الصور نفسها هي التي تتكرر في أي عدد، منذ تلك الفترة ظلم التصوير الفوتوغرافي، حيث أنك لو أخذت صورة حية لواقعة ما ترى أن صاحب الصحيفة يرفض نشرها بسبب كل الإشكاليات السابقة، وهكذا توارثت النظرة للصورة.

* ألا تتوقع السبب الرئيس الآن هو ابتعاد الفوتوغرافيين عن الساحة الفنية والثقافية، على الرغم من العدد الكبير من المصورين الفوتوغرافيين العراقيين الجيدين؟
- هذه من مسؤولية الجمعيات والمؤسسات الحكومية والثقافية، وعدم استطاعة أغلب الفنانين من إقامة معارضهم بسبب التكلفة الكبيرة التي يحتاجها المصور من أجل إقامة معرض حتى لو كان صغيراً، نعم أنا استطع أن أقيم عدة معارض، ولكن الكثير من المصورين لا يستطيعون إقامة معارضهم بسبب هذه التكلفة، وبعضهم لا يستطيعون شراء كاميرا حديثة ذات تقنيات جيدة. فنرى اهتماماً جيداً من قبل المنظمات الفنية العربية والعالمية بالفن الفوتوغرافي على عكس ما نراه نحن في العراق.

* ماذا ننتظر من علي طالب بعد هذا المعرض؟
- أتمنى أن يشمل عملي كل العراق، والآن بدأت بتصوير مناطق كردستان، وأتمنى أن أقيم معرضاً في المستقبل يشمل كل العراق، لأننا صورتنا ما زالت محلية، فنرى في العديد من الصحف ومواقع الانترنت أننا نعتمد الصورة الفوتوغرافية من عين الأجنبي الذي يأتي من الخارج من أجل تصوير مواضيعنا وإظهارنا، فأرى أن قضية الصورة متوقفة لدينا، ولا تستطيع أن نتحمل هذا الوزر والبادية بتصوير بيئتنا بأنفسنا.