مساحة لاستعراض شعبية صناع الافلام

القاهرة من سعد القرش(رويترز): يقف الممثل الشهير أنور وجدي في ملصق فيلمه (أمير الانتقام) مثل مسلة مصرية شامخة وتحت قدميه كتب بخط صغير اسما بطلتي الفيلم امية جمال ومديحة يسري أما اسم مخرج الفيلم هنري بركات فلا يكاد يرى. ويخلو ملصق الفيلم الذي أنتج عام 1950 من صور أي ممثل اخر اعتمادا على جاذبية وجدي أشهر نجوم السينما المصرية في النصف الاول من القرن العشرين وهو ما سيتكرر في الثلاثين عاما الاخيرة مع ممثل اخر هو عادل امام الذي يكاد ينفرد بملصقات معظم أفلامه واخرها (السفارة في العمارة) عام 2005. والفارق بينهما أن امام يمثل فقط في حين كان وجدي (1904 - 1955) ممثلا ومنتجا ومخرجا ومؤلفا لكنهما يشتركان في quot;استغلالquot; حاجة الجماهير الى بطل منتصر فينفردان بالبطولة المطلقة في الافلام والملصقات كما يوضح كتاب (أفيش السينما المصرية). والافيش في مصطلحات السينمائيين والجمهور يعني الملصق الذي يعلق في واجهة دار العرض أو في الشوارع بهدف التعريف البصري بالفيلم. ويضم كتاب (أفيش السينما المصرية) 217 ملصقا لافلام أنتجت منذ الثلاثينيات ويقع في 122 صفحة من قطع كبير جدا وصدر عن مكتبة دار الشروق بالقاهرة وأعده سيف سلماوي وكتب مقدمته الكاتب المصري محمود قاسم الذي كان يحتفظ في أرشيف الخاص بتلك الملصقات.
ومن أقدم الملصقات التي يضمها الكتاب فيلم (أنشودة الراديو) الذي يشير الى شركة الانتاج والتوزيع في حين تنفرد بمساحة الملصق بطلة الفيلم quot;الفنانة الكبيرة نادرةquot; ويخلو من أي معلومات عن أبطاله الاخرين أو مخرجه.
والفيلم من اخراج الايطالي توليو كياريني عام 1936 وتأليف بديع خيري وبطولة المطربة السورية نادرة التي ولدت عام 1906 وجاءت الى مصر عام 1930 وتعلمت العزف على العود وحملت لقب quot;أجمل مطربةquot; وكانت أول مطربة عربية تظهر في السينما عام 1932 في فيلم (أنشودة الفؤاد) وتقول بعض المصادر انها توفيت عام 1990 بعد فترة طويلة من الاختفاء.
وقال قاسم مؤلف الكتاب في المقدمة عنوانها (الدنيا.. أفيش) ان ملصقات الافلام صنعت من الشوارع معرضا تشكيليا مفتوحا متجددا مشيرا الى أن ملصقات الافلام تحولت منذ صناعة السينما في معظم دول العالم الى quot;سلعة تجارية مطلوب منها أن تجذب أكبر عدد من الناس لمشاهدة الفيلم وهذا المنتج التجاري يجمع بين التجارة والفن. السينما ظلت بأفيشاتها بمثابة الكيان المدلل.quot;
وأضاف أن ملصقات الافلام كان يصممها أجانب متخصصون أغلبهم من الارمن في مرحلة مبكرة من عمر السينما المصرية مشيرا الى أن معظم الفنانين التشكيليين quot;الحقيقيينquot; لم يسهموا في هذا المجال الذي تفرغ له متخصصون أشهرهم في مصر الراحل حسن مظهر الشهير بجسور حيث أسس شركة بعد تخرجه في قسم الحفر بكلية الفنون الجميلة وكان يرى أن القائمين على صناعة الملصقات quot;تنقصهم الدراسة والخبرة والذوقquot;.
وخاض بعض رسامي الكاريكاتير تجربة تصميم ملصقات الافلام.
ومن هؤلاء نقيب التشكيليين المصريين مصطفى حسين مصمم ملصقات أفلام منها (سوبر ماركت) وفيه تتحرك بطلة الفيلم نجلاء فتحي في متجر كبير وتقوم بدفع عربة صغيرة لحمل المشتريات التي حل محلها بطل الفيلم ممدوح عبد العليم.
وأشار قاسم الى ظاهرة الاقتباس في قصص وموسيقى الافلام المصرية انتقلت الى الملصقات مستشهدا على ذلك بفيلم (بئر الحرمان) الذي أخرجه كمال الشيخ عام 1969 وفيه يبدو وجه بطلته سعاد حسني وقد تدلي شعرها بطول الملصق الذي حمل جانبه صورا لابطاله quot;والافيش هو صورة طبق الاصل من أفيش الفيلم الامريكي-البريطاني (هروب من القدر) اخراج جون شيلزنجر عام 1967 وبطولة جولي كريستي. كل ما فعله المصمم أن وضع ملامح وجه سعاد حسني مكان جولي كريستي ووضع رسوم الممثلين المصريين مكان أبطال الفيلم الاجنبي.quot;
وأضاف أن ظاهرة الاقتباس انتشرت في نهاية الستينيات اذ صمم ملصق فيلم (حواء والقرد) لنيازي مصطفى على نمط فيلم (مليون سنة قبل الميلاد) وتصدرته quot;سعاد حسني مرتدية ملابس امرأة بدائية وتقف بالطريقة نفسها التي كانت عليها راكيل والش في الافيش.quot; ويسجل الكتاب جانبا من تاريخ السينما فعلى سبيل المثال تظهر أشهر أم في الافلام المصرية أمينة رزق التي توفيت عام 2003 عن عمر جاوز 93 عاما وحدها في فيلم (بائعة الخبز) الذي أخرجه حسن الامام عام 1953 ولعل هذا هو العمل الوحيد الذي احتفى بها على هذا النحو رغم اشتراكها في أكثر من 150 فيلما. أما أنور وجدي فقد تخلى بذكاء التاجر عن الانفراد بالملصق في فيلم (غزل البنات) الذي أخرجه وأنتجه وشارك في تأليفه والتمثيل به وحمل الملصق صورا أخرى لليلى مراد ونجيب الريحاني ويوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب الذي ظهر في مشهد واحد أدى فيه أغنية.
ويظهر الكتاب أن بعض الممثلين ينفردون بمساحة الملصق اذا كانوا هم منتجي الفيلم كما هو الحال في (أرض الاحلام) عام 1957 بطولة وانتاج مديحة يسري و(جنس ناعم) عام 1977 بطولة وانتاج ماجدة. كما يظهر أيضا مدى قوة المخرج أمام سطوة الممثلين كما هو الحال في عدد من أفلام يوسف شاهين. ففي ملصق (الاختيار) عام 1971 اشارة الى حصول الفيلم على الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج الدولي مع رسم لبطليه سعاد حسني وعزت العلايلي لكن الملصق يخلو منأي أسماء باستثناء اسم مخرجه يوسف شاهين. وفي ملصق فيلم (العصفور) عام 1974 كتب شاهين quot;العصفور ليوسف شاهينquot; مع وضع اسم المصور مصطفى امام بخط صغير اضافة الى quot;رؤية سينمائية.. لطفي الخولي ويوسف شاهينquot;. كما خلا ملصق فيلم شاهين (اسكندرية ليه) عام 1979 من أي صور أو أسماء الا من quot;ليوسف شاهينquot; ربما اكتفاء بما حققه الفيلم من نجاح خارج البلاد حين فاز بجائزة مهرجان برلين في العام نفسه مناصفة مع الفيلم الالماني (ديفيد).