quot;موت العسلquot;، مخطوطة لـ أحمد دحبور، في طريقها للصدور. وسبق أن نشر البعض الكثير من محتوياتها في بعض المجلات والصحف الفلسطينية. ما أكتبه، إذاً، هو خبر استباقيّ وquot;نقد وقائيquot; في الوقت ذاته؛ لئلا يقع القارئ، غداً، ضحيّةَ جرائم العرض الإعلامي الشنيعة. التصرّف الأوّل، إذا ما صادفك العمل الذي يَصدر، هو أن تبحث عن أقرب

أحمد دحبور
مزبلة أو مقبرة لترميه فيها. لقد قرأت نصوص quot; موت العسل quot;، بعد أن عثرت على ملامحها اللفظية منشورةً في العدد 80، من مجلة الكرمل، صيف 2004؛ والتي أهداني إياها الحاج مدبولي ضمن مجموعة كتب ( عربون محبّة ) أثناء زيارتي، ربيع العام المنصرم، لمصر ولمكتبته الكائنة في ميدان طلعت حرب.
الحسنة الأولى التي دَفَعتْ بنفسها لي، وأنا أقرأ في موت دحبور الجديد، هي: نعم، ثمة quot;المزيد من موت الشعرquot;. النواح غالب، كالعادة ! وهو ما يعزّز الاعتقاد الجارح بأن دحبور ليس شاعراً؛ قدر ما هو بكّاء وناثر كلام بالتفعيلة. الرجل الذي يتدّرب على البقاء على قيد الشعر، بعد التوقف عن كتابة الأغنية الثورية؛ لا يكتب إلا شهادات موته بأصابع يده الخمسة. لأنّ ثمة فرقاً عظيماً بين البكائيات والجائحات، وبين القصائد. البكاء على موت العسل ليس إلا موتَ اللذة والاجترار الرخيص. العمل لا يستحق عناء وقفة مُطوّلة. الانطباع السائد أن المأساة المكشوفة على الورق لا تطبخ الشعر باليد الفنانة؛ قدر ما يطبخ الحدثُ الفاشل، منذ سنين، يدي دحبور. لقد أعربتْ مجموعته السابقة: quot;أي بيتquot; عن ذلك:

النار حولك، إنما حاذر من الماء المعدّ لتبترد.
فالماء يغلي من سنين
وسيسبقوك ويطبخونَ يديك.

ولعلّ في هذا الشاهد، التالي، من النصوص، المنشورة في الكرمل، ما يختزل بؤس الوضع الفني والموضوعي؛ نظراً لأهمية كلماتٍ حاضرة، مثل: النار، الماء، الطير، البيض.. واستجابتها quot; للنقد الوقائي quot;، كما سيتّضح الآن:

أليس لهذه النار والجائحات من عمل غيري ؟
فطَيري مطلوبة، وهي في البيض،
وحبل الهواء يدنو ويرتدّ
فأحتدّ..

فيما سبق نلاحظ التعثّر، الذي يصيب المتدربين على كتابة اللغة الشعرية، واضحاً. فـ نار دحبور، ما إنْ نذكر بروميثوس سارق النار، حتى ينكشف حضورها الزائف. أما مُجمل الكلام، فلا يعدو عن كونه ضرباً من ضروب ألفاظ الشكاية. وأما الوجود الفعلي والحقيقي للنار ككلمة رامزة؛ فخير دليل على إجراء الموت المتحقّق لعسل الشعر. فيشير حضور النار إلى واقعة العقاب لمن خان نار بروميثوس بنار الحدث، وبالماء التي تغلي من سنين. ولمن استبدل شجون الكون وعمق الوجود بجائحات جاهزة؛ مع اقترافها كان شرد طير الشعر، وفسد ومات ما في البيض:

هل فرّخ الموتَ موتُ
يا الهي، فليُسمع الأرضَ الصوتُ.

فضلاً عن النزوع الفجّ للسجع المقيت.

نَقَلَ الظلّ، فافترى
عن غراب، عما أرى:
خطأ كل من صعد
خطأ أني أقيس
خطأ أنه الأحد
خطأ أنه الخميس
يرجع اليوم قهقرى
فإذا اليوم كالأبد
والنفايات كالنفيس.

إذن، لا النار ولا الماء و لا الجائحات ولا الطير ولا البيض.. عادت كلمات تفيد بأن ثمة شعراً مطلوباً من قارئ تَمرّس على فقه الحداثة واللغة الشعرية؛ قارئ ينظر لهكذا كلام مرصوص بوصفه أكواماً من القش بلا أي عرق ثمين.
يقع المزيد من موت العسل ، في مجلة الكرمل، في الوسط، بين نصوص: quot; دقيقة تأخير قبل الواقع / أبواب بيروتية quot; للشاعر عباس بيضون، وبين قصائد من: quot; حياة كسرد متقطع quot; للشاعر أمجد ناصر. وهذه إساءة للتجريبيين. وعلى المحرّر أن يعتذر عما فعل. أو أن موقع النصوص لا يشير إلى الوسطية والاعتدال؛ قدر ما هو واقعة تُشير إلى مآزق أحمد دحبور، ووضعه المحرج بين ناصر وبيضون.