ألعاب سوريالية (3)

تطبيقات عربية لللعبة السوريالية الغربية أولا وأخيرا

أجراها عبدالقادر الجنابي: في عز ربيع عام 1991، التقيت بأدونيس في مقهى في حي سان جيرمان، بعد فترة طويلة من القطيعة معه دامت أكثر من عشر سنوات... ولعلم القارئ لم تدم الهدنة أكثر من شهرين... فدخلنا في قطيعة أخرى إلى اليوم. في ذلك اللقاء اقترحت عليه هذه اللعبة ففرح بلعبها ولم يكن له علم بها. شرحت له بأني سأسأله أسئلة غيب أي لا يعرف لبها وإنما فقط أدوات لمعرفة صياغة الجواب: quot;متى..quot;، quot;لماذا...quot;، quot;ما هو... quot;، quot;ما هي...quot;، quot;هذا الذي...quot;، quot;هل لــ...quot; الخ. فمثلا السؤال (13) كان على الشكل التالي: quot;هذا الذي يقلل من...quot;، طلبت منه أن يجيب بـquot; لن...quot; أو quot;السؤال العاشر: quot;متى تشعر بأنك في حاجة إلى...quot;، وعليه أن يبدأ بجوابه بـquot;عندما....quot;. واعلمته بإن منطق اللعبة هو أن يبقى الجواب كما هو حتى لو كان مؤذيا أو غير ملائم. فجمالية اللعبة تكمن في الصدفة التي تنتج أحيانا مقاربة شعرية لا يستطيع العقل الواعي أو اللاواعي من انتاجها.... لكن للأسف، ذلك أن أدونيس ما إن رأى هذا الحوار اللعبوي منشورا في فراديس العدد الثاني (1991)، حتى راح بعد أسابيع، يقلدها مع نفسه وعلى نحو واع، في جريدة quot;الحياةquot; جاهلا أن صدمة التطابق بين السؤال والجواب لهو ناتج عن اللاعلم بمضمون السؤال، مما يقع على عاتق الصدفة إنتاج شرارة الذكاء الشعرية... فهي التي تجعل أحيانا من جواب وكأن واضع هذا الجواب على علم بالسؤال وقد فكر مليا قبل أن يجيب...

زرتُ محمود درويش في شقته الباريسيةمساء السبت المصادف 16 تموز 1995، بعد أن قدم لي بيرة، طلبت منه أن يأتي بورقة وقلم وعليه أن يكتب جوابا ما إن أطرح عليه سؤالا ناقصا: quot;من هو...؟quot; لم يفهم محمود: quot;هو مَن...؟quot; قلت له quot;ستعرف الكلمة التي أكتمها عنك بعد أن تكتب الجواب. وهكذا انهالت أسئلتي عليه: quot;من هو...؟quot;، quot;ما هي...؟quot;، quot;ما هو...؟quot; الخ. طفق محمود يكتب جوابا اثر جواب، كابحا quot;ملكته النقدية، مُحررا خفة ذهنية المجازيةquot;، على حد عبارة بروتون. والصدفة جعلت من محمود درويش أن يرتقي سدرة التعريف الدقيق لمفردة quot;الموت؟quot;: quot;نرجس لا يجد ماء لصورتهquot;. آه لكم دقيق هذا التعريف خصوصا عندما نتذكر أن مصاصي الدماء (أي الموتى الذين يستيقظون عند حلول الظلام وهم جد منتشرين في العالم العربي) ليس لهم انعكاس في المرآة. ويستطيع أي منا إذا انتابه شك في شخص ما أن يأتي بمرآة ليتأكد من أمره: إن كان له انعكاس فهو كائن بشري حي وأن لم يكن له انعكاس فإنه جثمان يعيش ليلا على دماء الآخرين.

أما سعدي يوسف فبالنسبة إليه يبقى الأمر مجرد لعب ولا يشعر بأية صدمة quot;من خفة ذهنية المجازquot;، فهو شيوعي القصيدة الأخير، ملتصق بأوزانه الواقعية، وما هذه اللعبة سوى تسلية لا يأبه حتى بالصدفة التي جعلت من إجابة عفوية له أفضل تعريف له خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقفه السياسية اليوم:
عبدالقادر الجنابي: من هو سعدي يوسف؟
سعدي يوسف: ديكٌ لغير يوم القيامة.

والآن هنا نص الحوارات الثلاثة التي سبق أن نشرت في مجلة quot;فراديسquot;:الأول والثاني في العدد الثاني (1991)، والثالث مع محمود درويش، في (العدد العاشر 1995).

انظر الحلقة

الأولى

والثانية

الحوار الأول مع أدونيس:

ماهي اليقظة؟
أدونيس: ثوب نصفُ ممزّق.

ما هو التاريخ؟
أدونيس: راية مُـنكـّسة.

ما هي الحداثة.
أدونيس: ريحٌ تحاول أن تنام، ولا تستطيع.

ما هو الشِعر؟
أدونيس: معنىً هو كذلك لاصورة له.

ما هي النبوّة؟
أدونيس: ربّما.. ربّما... إنّها نافذة، وكأن للنافذة يدين وقدمين.

ما هي القصيدة.
أدونيس: نبتةٌ سيرك ndash; حول السـُرة.

هل لمجلة مواقف رسالة؟
أدونيس: لا

لماذا؟
أدونيس: لأن الكلمة هي أيضا امرأة.

لماذا تكتب؟
أدونيس: حتى تقدر الشمس أن تجلس على كرسيّ الغبار..

مرّة أخرى ما هي الحداثة؟
أدونيس: كيانٌ غير مذكّر وغير مؤنـّث.

متى تشعر بأنك في حاجة إلى كتابة قصيدة؟
أدونيس: عندما تتلاقى يدانا: الريحُ وأنا.

ما هو القارئ؟
أدونيس: آلةٌ لخياطة الأحلام.

في ظل الظروف الراهنة/ ماذا يجب على الشاعر القيام به؟
أدونيس: عليه أن يجهل نفسه.

هذا الذي يقلل من شأن قصيدة النثر؟
أدونيس: لن يقدر أن يسير إلى أبعد.

من هو النفري؟
أدونيس: لا أحب أن أعرف.

****

الحوار الثاني مع سعدي يوسف:

ما هو النوم؟
سعدي يوسف: نباتٌ لم يجد أرضَهُ بَـعْدُ.

ما هو التاريخ؟
سعدي يوسف: السماء وطيئة والأرض عاليةٌ

ما هو الشعر؟
سعدي يوسف: أحذية الطائر الخفيفة.

ما هي الحداثة؟
سعدي يوسف: اقترابٌ غيرُ مجدٍ

ما هو القلم؟
سعدي يوسف: حمارٌ ذو قلادتين.

ما هي القصيدة؟
سعدي يوسف: الطائر بلا فضاء.

هل للقصيدة رسالة؟
سعدي يوسف: لا

لماذا؟
سعدي يوسف: لأن العشبَ أبقى من الشجرة.

لماذا تكتب؟
سعدي يوسف: لأن الدرب طويل.

متى تشعر بأنك في حاجة إلى كتابة قصيدة؟
سعدي يوسف: عندما (أشعر أنه يجب أن) نقرأ كتابا واحدا ست مرات بدلا من أن نقرأ ستة كتب مرة واحدة.

ما هو القارئ؟
سعدي يوسف: مخلوقٌ عحيبٌ لم يجد قدمين بَعدُ.

مرة أخرى، ما هي القصيدة؟
سعدي يوسف: حيوانٌ لن يحظى بمجد الحمار.

هذا الذي يقلل من شأن الشعر؟
سعدي يوسف: لن يسكن سوى حارته المتخلفة.

في ظل الظروف الراهنة، مالذي يجب على الشاعر القيام به؟
سعدي يوسف: أن ينيك (هذا) الفقيرُ الصوفيُّ كل الحكـّام العرب.

من هو سعدي يوسف؟
سعدي يوسف: ديكٌ لغير يوم القيامة.

****

الحوار الثالث مع محمود درويش:

لنبدأ أولا بـ من هو
بدر شاكر السيّـاب؟
محمود درويش: كأس مليئة بالفراغ الملوّن.

خليل حاوي؟
محمود درويش: صورة تنتقم من أصلها.

أدونيس؟
محمود درويش: معنى يبحث عن عبارة.

يوسف الخال؟
محمود درويش: لايعنيني.

سركون بولص؟
محمود درويش: تلهث خلفه القصيدة وهو لايعلم.

حسن نجمي؟
محمود درويش: يعرف كيف يُرقـّص الهباء.

سعدي يوسف؟
محمود درويش: يوثـّق ما يغيب عن الشعر.

أنسي الحاج؟
محمود درويش: حطاب في مسرح بلا جمهور.

عباس بيضون؟
محمود درويش: يعرف ما الشعر ولا يبلغ القصيدة.

ما هي القصيدة؟
محمود درويش: غيمة على برج.

من هو القارئ؟
محمود درويش: ضابط بحرية في استعراض عسكري.

إلى أين الشعر العربي الجديد؟
محمود درويش: إلى متحف مغلق في النهار.

ما هي بيروت؟
محمود درويش: كتابة جالسة على محطة الباص.

ما هو الموت؟
محمود درويش: نرجس لا يجد ماء لصورته.

ما هي باريس؟
محمود درويش: تلك التي لا تحبّ زوجها.

ما هي المرأة؟
محمود درويش: استعارة.

ما هو المستقبل؟
محمود درويش: عكس الشعر.

ما هي فلسطين؟
محمود درويش: طاولة من زجاج.

ما هي الرواية؟
محمود درويش: رسالة سأكتبها عما قليل.

ما هي هذه اللعبة السوريالية؟
محمود درويش: مكالمة هاتفية في ساعة الضجر.