quot;الكنوز الأثرية والفنية ليست بضاعة للبيعquot;

مازن الراوي: quot;إن كنوزنا الفنية التي تعرضها فرنسا هي الأحسن والأمثلquot; جاء هذا في نداء توضيحي، هو بيان احتجاجي في نفس الوقت، وقعته شخصيات معتبرة من مدراء متاحف ومختصون في تاريخ الفن وتثمين الآثار في باريس. أذيع البيان ليلفت النظر إلى quot;مسألة مختلفة بشأنهاquot; ما إذا كانت الكنوز الأثرية والأعمال الفنية، التي هي تراث إنساني استثنائي، تقدر بثمن ويمكن بيعها وإعارتها ونقلها أو يمكن اعتبارها بضاعة استهلاكية تدر الأرباح. وبهذا الصدد يوضح النداء ـ البيان ويجيب على التساؤل: quot;هذه الكنوز في الواقع لا تقيّم بالنقود ولا يمكن أن تكون بضاعة استهلاكية معروضة للبيعquot;.

في ندائهم التوضيحي يحتج، أولئك الذين ذيلوه بأسمائهم، على تشييد فرع لمتحف اللوفر في أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة. وكذلك يحتجون ضد الصفقات التجارية مع المتاحف في الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بالرغم من أن مشروع أبو ضبي سيدر ربحاً متوقعاً على فرنسا يقدر بمئات الملايين من الدولارات التي ستجنيها المتاحف الفرنسية لإدارة شئونها. ويقول البيان أيضاً quot;من الطبيعي كما هو متوقع ستعار الكنوز الفنية... ولكن مجاناً وبدون أية معايير علمية quot;.

وقد بلغ ، في الثالث عشر من يناير، عدد الموقعين على النداء الذي نشر 2670 من المعنيين المختصين والعلماء الذين وجدوا في التفريط بكنوز فرنسا جريمة يجب الوقوف أمامها. والواضح أن النداء أثار الجو الثقافي وجلب الحراك في مشهد المتاحف الفرنسية بخصوص الصفقة التجارية مع البلد القائم في الصحراء، وقد جرت المفاوضات بشأنها طوال أشهر خلف الأبواب المغلقة ، وبذلك جاءت الصفقة مخالفة لمبدأ المكاشفة والعلنية وتحولت إلى مسألة سياسية.

وفق معلومات فرانسين مارياني ـ دوكريه مديرة اتحاد متاحف فرنسا أن الاتفاق حول فرع لمتحف اللوفر على جزيرة سعديات قبالة أبي ظبي كان على وشك التوقيع. وكان من المفترض، قبل نهاية شهر يناير، أن يغادر وفد إلى أبو ظبي ليوقع الاتفاق. وبعد التوقيع ستوضح وستعلن وزارة الثقافة الفرنسية التفاصيل المالية. ولكن حتى الآن ليس ثمة معلومات مؤكدة ورسمية حول الصفقة، إلاّ أن التقديرات تتوقع أن تسدَدَ quot; حوالي 500 مليون يورو quot; على حساب هذه الصفقة. وفي المقابل ينبغي على خمسة متاحف فرنسية كبيرة ـ بضمنها اللوفر ومتحف اورساي ومتحف برانلي الجديد ـ أن تشيّد في الإمارات متحفاً قريناً للوفر. وكما هو معلوم إن مخطط البناء جاهز صممه المهندس المعماري جان نوفيل. ومن المتفق عليه أن يحمل المتحف في الإمارات أسم اللوفر لمدة عشرين عاماً، ويعرض أعمالاً ولقى من المتاحف الفرنسية التي ستذهب إلى الإمارات ليستغرق عرض تلك الأعمال ما بين شهرين إلى 24 شهراً. وسيساعد الإمارات مختصون فرنسيون في العروض وفي شراء الأعمال الفنية التي تريد الإمارات اقتناءها.

إلى جانب اللوفر المزمع إقامته في جزيرة السعديات، تنتظر، كما هو مخطط له، أن تشيّد أربعة متاحف أخرى. وأن يقام واحد من المتاحف الأربعة بالتعاون مع مؤسسة كوكنهايم النيويوركية. وفعلاً تم التوقيع على الاتفاقية في صيف العام الماضي. وتعتبر مؤسسة كوكنهايم في باريس وفي غيرها من البلدان بمثابة صورة مثلى وقدوة للآخرين تثير حوافز مالية وتجارية في تحويل الجانب الفني إلى quot; مشروع استمتاعيquot;. وينتقد النداء الموقع من قبل المختصين الفرنسيين تكريس الجانب التجاري ، مثلما عملت مؤسسة كوكنهايم، قائلاً quot; بدلا من أن تركز وتعني بالجوانب الفنية وبالعمل العلمي للمقتنيات الثمينة تقوم كوكنهايم بمشاريع تجارية quot;.

ويحمل النداء المحرر تواقيع أساسية لعلماء وخبراء ومختصين في هذا المجال أمثال فرانسواز كاجين المديرة السابقة لمتاحف فرنسا. والمدير السابق لمتحف بيكاسو جين كلير، ورونالد ريشت عالم تاريخ الفن وعضو كولج دي فرانس.

ومن الواضح إن الغضب قد تصاعد في فرنسا بصدد تزايد الضغوط الاقتصادية كما جرى حتى الآن وكما يجري من تعاون وتنسيق عالمي مشترك في موضوع المتاحف، هذا التعاون والتنسيق الذي يهدد القيمة الروحية للآثار ويستخدمها كبضاعة. وكان افتتاح متحف اللوفر الفرعي في ولاية اتلانتا الأمريكية في العام الماضي أحد الأسباب في تنامي الاحتجاج. وكانت المفاوضات هي الأخرى قد جرت خلف الأبواب المغلقة. وبينما قلل المسئولون في باريس من شأن نقل الكنوز الفرنسية إلى الخارج، وتحدثوا عن لقى وأعمال ثانوية، حتى تكشف في يناير من العام الماضي ان المعروضات اشتملت على أعمال مهمة ، فضلاً عن أعمال موريلو وفيلاسكوز ورفاييل. هكذا فان موقعي النداء برهنوا على أن صفقات الإعارة التي سيقوم بها السياسيون إنما هي خطرة وتعرض أعمالا لا تقدر بثمن للتدمير والتلف، وهي تجري في الواقع بغفلة من المختصين وخبراء المتاحف.

وذهب مؤرخو الفن في هذا المجال أبعد من ذلك، عندما نُشرت دراسة حول quot;تسويق الكنوز الفنيةquot; حين فضحت الادعاءات الرسمية المتذرعة بأهمية تبادل الثقافات. وكانت الدراسة قد أجريت بتكليف من وزارة الاقتصاد والتجارة، و لم تؤكد الدراسة فقط على أهمية صفقة كوكنهايمquot; التجاريةquot; كمرشد للمتاحف الفرنسية بل كسرت محرماً من محرمات التقاليد الفنية الفرنسية عندما قالت: لأجل تمويل عملها ينبغي على المتاحف أنquot; تعير أعمالها الفنية وتبيعهاquot;. هكذا عززت الدراسة تحويل الفن إلى سلعة وأوحت بتشجيع منحى المتاجرة في شئون المتاحف وفضحت منحى وزارة الثقافة. وكان المحرر الرئيسي المشرف على الدراسة هو موريس ليفي رئيس أحدى أكبر مؤسسات الإعلان في العالم وظليع في المتاجرة بالآثار النفيسة.

ويريد مدير متحف اللوفر هنري لوريت في الوقت الحاضر أن ينجز صفقة أبو ظبي. ويقول quot;إن المبلغ الذي سنحصل علية مهم للغاية، ولكنه ليس الدافع الأساسي للاتفاق، بل انه من اجل الحوار بين الحضاراتquot;. ويشكك في الوقت نفسه مد راء ومسئولون في متاحف أصغر بمقاطعات فرنسية بأن حوارا كهذا إنما هو مجرد مجاراة وذريعة ، فيما الواقع يبرهن على أهمية بريق البترو دولار.