جنوباً.. هيَ تلكَ المدينة.. تلكَ الأناشيد..!

بقدرِ
ماتنسى الذاكرة أوهامً الماضي
أهملتُ الأشياءَ المثقلَة
برعبِ الكوابيس
والنكباتِ المتكررة،
وهي تبدو حادة الزوايا
خشنَة،
وصعبة الأقناع
مثلما الغربة المزروعَة
على بعدِ سنين من وطني..
أشياء..
لم يصقلها مجرى الضياع
والعناوين المتغيرَة.
لقد أرهقَني الوَلَهْ
الأخَف من تلكَ البلاد،
وتلكَ المدينة العارية
بإزدحامِ الشموس..
والصباحاتِ المستيقظَة
من دونِ ساعةِ التَنبيه.
هيَ تلكَ المدينة،
تؤطرها تباشيرُ النهارات
لم تمنحني صيفاً
متوجاً بالغليان،
كي أحاورَها وجهاً لوجه
داخلَ بستان الإخضرار.
هي الشرقُ
المزدحم
بدفء الناس
والطيبةِ السلسةِ
كدبسِ التين،
أناسٌ أحبَهم الله..
فنثرَ عليهم قببَ الأساطير
ومناراتِ التكوين.
هي الشرقُ الهادئ السلوك،
كطفلٍ نسى ضحكتَهُ
في ثنايا فروِ دميتهِ
الصغيرة.
عاديةُ العادات
هي
كاخجلِ وبساطةِ الألوان
مثلما كنا نغفو والنجوم
ومعنا الجيران،
دون أن يؤسوسَ فينا
الشيطانُ الأخرس
ثأرَ العشيرة.
وحدَها اللافتَة، خدعتني
مابين الخطوتين..
إنها الدوامَة المعتمَة
بلونِ الطحلب
والمسارِ الخاطئ بكل الوضوح
أنقذتُ بقايا الروح..
المشبعَة بملح الدمع
وعطرِ إمرأةٍ عابرَة.
ولم يبقَ لي..
سوى أن أسكنَ صوتي
مرةً..
وظلي، كي لا أنحني..
حين قادَني هذا الفرُّ
نحو خارطةِ
المدن المذابَة
بثلجِها الثقيل
لأخفي وجهَ هزيمتي..
خلفَ الشجر
الخالي
من مذاقِ اللوزِ
وإرتخاء العصاري.
هو..
ذا عنواني
قربَ القطبِ الشمالي
بيومين..
يشربُ من بحر النسيان
الداكن برداً..
وأشاطرُ الأنتظارَ
إنتظاراً..
لعلَّ النجمَة القادمَة
في الصيفِ
تمتصُ ماءَ الطيفِ،
وتبللُ حزنَ الطيفِ
بطعمِ الرمانِ
الحامضِ..
كضوءِ قبلَة..
لثمَها خجلُ الخدِ
وسالَ فيها خدرُ الرقصة
وهمسة العشب الممزوج ضباباً
حين تسطعُ زرقةُ الطريقُ
بينَ أصابعِ الصباح
المخلوطِ وزركشةِ النبيذ الأحمر.
مرَّة أخرى
لم يتريثْ الوقت قليلاً
في الموعدِ الأخير
وحدهُ النورُ المغموسُ بانتعاشةِ
سيدةِ النخيل.. ينتظرُني
خلفَ غشاوةَ الظهيرة.
وحدهُ النور يرتقُ الليلَ
بإنشطاراتِ الكرستال
وبخور المراقدِ
المغسولةِ بالفرات
لقد احتسى الحزنث فرحي
في أولِ فنجانِ للقهوة.
فرحاً..
لم يأتِ بهِ البختُ
بين كفيْ ساحر
ولم يصلِ
لأجلهِ الكاهن
على عتبةِ المعبدِ
القديم.
وأنتَ في منفاك
وحدكَ المأسورْ
محاصراً في إتساع الأرض
راحلاً..
ضاقتْ حاجتنا واختفتْ أجنحةُ الطيور
في فتاتِ الخزفِ المكسور
وما من حيلة لنا..
ولبقايا الجمهور !
الصدفة وحدها تحكمُ في ضرورةِ
المطلوب
ولم يبقَ الجسرُ للعبور
لكني أفتحُ عيني حين ينامُ العالم *
والجنوب جنوباً..
يأخذُ بيدي..
كما يودعُهُ الفراتْ
ملامساً غاباتِ القصبِ
ورمادَ حكاياتِ الطين
المفخور
قريباً من فضاءِ الزقورةِ
من المطرِ..
وبيتِ أبي..
من مدار النور
جنوباً..
هي تلكَ المدينة
هي تلكَ الأناشيد.

bull;قال دعبل الخزاعي: إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا

الصعودُ العالي حيثُ مغارةُ الغزلان


قاماتُهمْ
رشيقةُ الكبرياء
عالية..
وعلى أكتافِهمْ
يتركُ التاريخُ قبلاتِهِ.
مبكراً
زرعوا ورداتِ الجوري
في نعاس صورهِمْ المفقودة
يشبهون وطنَهم الأسمر
quot; حِلْوينْquot;
مثلَهً..
يتنزهونَ في تحياتِ الألفة
وإيماءاتِ المحبَّة
خلفَ خطاهمْ
الأنيقِة
تمطرُ الغيماتُ
عطرَهمْ
وتغمرُ خاطرَهمْ
أسرابُ فخاتي الصبح
في أروقةِ الغبشَة.
نَحلّلى..
مثل ضوءِ الشتاءْ
مثل رمل الشطآنْ
وندى الغابات.

على مقاسِهمْ
كانت نعومَتُهم الصافيَة
يكحلُ عيونَهم السَوداء
وميضُ دهشَةِ المرايا
يشبهونَ
وطنَهم الأسمر
quot; حِلْوينْ quot;
مثلَهُ..

وشعرُهم المُجعَد
يخبئُ
لون قلوبهم البيضاء
كلمعةِ خواتم الفضة
في أصابعِ العاشقينَ
الصغار
حينما يمرونَ..
ودندنةُ أغنيةِ شائعَة،
تلتفتُ لهم الطرقاتُ
بكلِ اللهفة
وعلى قمصانِهم المرشوشَةِ
بماء ورد البراري..
كتاباتُ العشق
رسائلَ
للحبيبات.
مبكراَ
عبروا
- وهم العاشقون ndash;
بنشوةِ حلمِ الناس..
صوبَ..
الصعودِ العالي
حيثُ مغارةُ
الغزلان
تصاحبُهمْ
الأناشيدُ
وهلاهلُ
الشموس.
كانت الأشواقُ
خيولَهم الجامحَة
وبنادقُهم
صيفاً من الأمنيات
رصاصُهم
زركشاتُ الشناشيل
يصوِّبونَ..
نحوَ الليل قبضاتهم
وقد احتفظوا بماء الوجه
يشبهونَ
وطنهم الأسمر
quot; حِلوينْ quot;
مثلَهُ..

وفي ظلِهم
رائحةُ الخبز الحار
ووصايا الأمهات
يرشُّهم المطر
ألواناً
كالطاووس
الذي طرزَتهُ الأخوات
على مخداتِهم
حين عبروا نعاسَ
صورهم المفقودَة
وهُمْ
يحملون الرايات
لم يَسلُبْها منهم
أحدْ..
مضغوا المنايا
بأسنانِهم
كما النعناع الطازج
أو حباتِ الهيل
والأبتسامات على شفاهِهم
مشبعَة بالفرح الطفولي
هُمْ
وحدُهمْ
عرفوا الموتَ جميلاً
وأقربَ لدروب المضاءَة
نحو الوطن.