بلال خبيز، الكاتب اللبناني المعروف، افتتحَ يوم الأحد 11 ـ 3 ـ 2007 مهرجان سيدني للأفلام العربيّة بمداخلةٍ عن أثرِ الصورة في النفوس والعقول وسِعتْ للعراق في صورتِه مغزوّاً أخيراً أميركيّاً، وللبنان في صورته أيضاً مغزوّاً في تموّز 2006 إسرائيليّاً، وأثرَتِ الحضورَ المثقّف والمختصّ والإعلاميّ العربيّ والأستراليّ الذي غصّتْ به قاعة مسرح quot;ريفر سايدquot; ـ باراماتا، لجهة فهم أعمق للخراب الذي أصابَ العراقَ ولبنان نتيجة العدوان عليهما، وللمآسي الإنسانيّة الفظيعة التي حلّتْ فيهما قتلاً وتشريداً، حتى لم تعد الذاكرة تتّسع لأهوالِها. وإذا كانت القسوة هي ميزة العدوان على العراق المستعاد في ما بعد بتمامه على لبنان، فيما المجازر المرتكبة هنا وهناك تجتذب إليها عدسات المصوِّرين، فإنّ وضوح صور الضحايا كان يحثّ على البحث عن مبرِّر لهذه القسوة، وعلى تخيّل المستقبل الذي تضافرت القوّة والتكنولوجيا على جعلِه غير مرئي بوضوح، ذلك على رغمِ أنّ العراقي واللبناني، وهما يتسقّطان، وفي موقعِ الحدث، أخبارَ وصورَ ما يجري حولهما، والأخبارُ والصور هي دائماً في حيِّز الماضي، يعاينان المستقبل بوضوح باعتباره موت مُقبِل ومستمرّ.
واتّسعتْ رؤية بلال خبيز في مداخلته العميقة والبليغة والسجاليّة إذا جاز التعبير لجهة دفاعه عن الحياة من منطلق أنّها يجب أن تُعاش وبالكرامةِ اللائقة وعلى طبقٍ مِنْ ذهب، هذا على رغم الإشارات إلى جريمة أميركا في العراق، وجريمة إسرائيل في لبنان الذي حوّلته إسرائيل ذاتها إلى quot;سفينة تتأرجح في بحرٍ هائجquot; مع التأكيد أنّ الصورة كصورة لا quot;تكون مؤثِّرة إلاّ إذا قالتْ قصّتهاquot; والقول هذا مستحيل أن يتحقّق، وبالتالي تأثير الصورة، وهو في أطر باردة، وإنّما وهو في أفق يُغالِب ما دامت الجريمة هي جريمة والعدوان هو عدوان وما دام هذا التوصيف له ما يُغالبه كذباً باللسان وكذباً بالقلم وكذباً له جيش مِنَ الأكاذيب وكذباً في الصورة محور المداخلة فتظهر على شاشة المجرم المعتدي، على رغم التكنولوجيا التي في حوزته، بلا صورة، أو لعبة كومبيوتر حربيّة، فلا ألم وأنين، ولا جرحى ولا دمّ، ولا بكاء على الضحايا. وما ذلك إلاّ لإخماد أي عصبيّة، ولو في مجال إنساني عامّ، فكيف والعصبيّة هي عصبيّة أناس يُدمَّر وطنهم، ويُسفك دمُ أهله بكلّ هذه القسوة.
وما يصيب الصورة حتماً يصيب الكلمة، ما دام للأخيرة التأثير الذي لا يقلّ مداه. وبتأكيد خبيز فإنّ كلّ هذا الصدى المدوّي للهلوكوست النازي بحقّ اليهود هو حتماً ليس مِنْ أثر quot;أربع صوَر غير واضحة للهولوكستquot;. وهذا بالضبط ما لا يحيد عن النظر، خصوصاً نظر الفنّانين باعتبارهم الذاكرة الأوسع، وليس له أن يحيد، وهذا ما لم يقله خبيز مباشرةً، إذا الحياة حقّاً لتُعاش لا لتُبتَسَر، ولتكون إنسانيّة بكلّ ما توحي به لفظة إنسانيّة مِنْ معانٍ نبيلةٍ، عظيمة وسامية، وما دام الفنّان يسعى بفنِّه لإعادة quot;صياغة ما يجري في العالمquot; ونصب عينيه شكلاً ومضموناً المساهمة الإيجابيّة في جعلِ العالم ذاته أرقى وأجمل.
- آخر تحديث :
التعليقات