نحن الكتاب الأحرار أو كما يحب البعض أن يطلق علينا لقب الكتاب الليبراليون، وبعض القومجية الذين ذاقوا ذهب صدام حسين أطلقوا علينا كتاب المارينز وأيضا أطلقوا علينا عملاء المخابرات الأمريكية وعملاء الموساد وبعض المتأسلمين إتهمونا بأننا صهاينة، والشئ الجدير بالذكر أن تلك التهم أصبحت ممجوجة وأعتقد أن القارئ العادى وممثلى الأغلبية الصامتة أصبحت لا تخيل عليهم تلك التهم ومن جهة أخرى أصبحت تلك التهم بايخة ونقول لأصحابها إلعبوا غيرها..
ونحن نسعى إلى الحقيقة والحقيقة وحدها، مهما كانت مؤلمة أحيانا، ونؤمن بالحرية وحقوق الإنسان ومن أهمها حق الإنسان فى إبداء رأيه بدون رقابة حكومية كانت أم عقائدية ونرفض العنف فى حل أى مشاكل، نؤمن بالحوار والمنطق، ونؤمن بالعلم، ونرفض من أعطوا لأنفسهم الحق الإلهى فى معاقبة البشر، ونؤمن بأننا جميعا سوف نحاسب أمام إله عادل سواء من صلح عمله أو من فسد عمله، ونرفض محاكم التفتيش داخل عقول الناس، ونرفض محاولة وضع كل الناس فى قوالب صلبة ومحاولة تحويلهم إلى (روبوتات) (إنسان آلى) يمكن توجيه لكى يقتل نفسه ويقتل الآخرين.
وإيمانا منى شخصيا بالحقيقة ومحاولة إبرازها بشتى الطرق، أعترف اليوم بأننى قد أخطأت عندما كنت أؤيد غزو العراق للتخلص من صدام حسين، وذلك على الرغم من كراهيتى المطلقة لصدام حسين كواحد من أقسى وأغبى حكام المنطقة على مر العصور، تسبب فى تدمير بلد جميل مثل العراق بعد أن كانت لديه المقومات لكى يصبح من البلاد المتقدمة المرموقة، وتعالوا اليوم نبحث فى أخطاء إدارة الرئيس بوش فى العراق وفى المنطقة وهى عديدة أهمها :
أولا : بعد أحداث 11 سبتمير عام 2001 صدم العالم بصفة عامة والشعب الأمريكى بصفة خاصة من هول الجريمة، وبالرغم من أن بعض شوارع المنطقة العربية شهدت بعض الناس يرقصون ويحتفلون بالجريمة إلا أن العالم بصفة عامة إستيقظ فجأة على خطر حقيقى يهدد ليس فقط الحضارة الغربية ولكن يهدد الحياة بصفة عامة، فعندما تعشق مجموعة من الناس الموت فى سبيل قتل الآخر وإفنائه، فإن فى هذا تهديد للحياة نفسها، وكان رد إدارة الرئيس بوش سريعا من غزو لأفغانستان وإسقاط نظام طالبان (والدى يعتبره بعض المتأسلمين المتطرفين المثل الأعلى فى نظم الحكم)، ولم تجد الأدارة الأمريكية صعوبة فى إقناع الرأى العام الأمريكى والعالمى فى حملتها على إفغانستان، ولكن خطأ تلك الأدارة فى أفغانستان فى أنها لم تقم بإنهاء عملها فى محاربة جذور الإرهاب فى هذا الجزء من العالم، وتركت تلك الجماعات الإرهابية تسرح وتمرح على الحدود ما بين أفغانستان وباكستان، وهاهى طالبان تستعيد قوتها ومن المتوقع أن تبدأ حملة الربيع لمحاولة زعزعة حكومة الرئيس كرزاى، كل هدا بسبب أن الأدارة الأمريكية قد شغلت نفسها فى حرب العراق.

ثانيا: إفتعلت إدارة الرئيس بوش مسألة وجود أسلحة الدمار الشامل فى العراق، وقرر بوش غزو العراق بالرغم من إعتراض معظم دول العالم على أن هده الحرب لا لزوم لها، وسار بوش وراء بعض صقور إدارته من ديك تشينى نائب الرئيس ورامسفيلد وزير الدفاع السابق وبعض أعضاء مجلس الشيوخ ممن يطلق عليهم المحافطون الجدد، سار وراءهم بوش أم هم الذين ساروا وراءه، وكانت تملأ قلبه رغبة الإنتقام بطريقة كاو بوى تكساس، والعديد من الأمريكان إعتبروا أن غزو العراق هو إنتقام من أحداث 11 سبتمبر.

ثالثا: حتى إدا سلمنا جدلا بأهمية غزو العراق للأمن القومى الأمريكى، تعالوا نستعرض أخطاء ما بعد نجاح هدا الغزو فى إزاحة صدام ونظامه:
(1) كانت القوات الأمريكية مستعدة للحرب وبالطبع كانت ستكسب الحرب بسهولة ولكنها لم تكن مستعدة لكسب السلام لملأ الفراغ السياسى والعسكرى والأمنى فى بلد مترامى الأطراف مثل العراق، ففى نفس يوم غزو بغداد لم تقم القوات الأمريكية إلا بحراسة مبنى وزارة النفط العراقية وتركت باقى بغداد والمدن العراقية الرئيسية نهبا للمجرمين والناهبين ولم يسلم من النهب حتى المتحف القومى العراقى، وكانت هده بداية أزمة أمن العراق وساعتها أيقنت شخصيا أن الأمن والأمان للمواطن العادى أهم كثيرا من أى ديموقراطية أو حرية، الحرية والديموقراطية لا يمكن أن تنمو عندما يعبث المجرمون ليل نهار بأمن المواطن العادى وممتلكاته بدون أى ردع من أى جهة أمنية كانت.

(2) كانت لبول بريمر (الحاكم الفعلى للعراق بعد الغزو) عدة قرارات كارثية :أولها: حل الجيش العراقى وتسريحه، وفجأة وجد أكثر من نصف مليون عراقى أنفسهم بدون عمل وفى أيديهم السلاح فقد كان من البديهى توقع أن يتحول هؤلاء الجنود لضرب من فصلهم من أعمالهم، وكان من الممكن إحتواء معظم أفراد هدا الجيش وخاصة أنهم مواطنون شرفاء كانوا يدافعون عن وطنهم وينفذون أوامر قائدهم الأعلى صدام، ثانيا: وهدا أمر شكلى قرر بول بريمر إستخدام قصر صدام حسين فى بغداد كمقر له، وإخترع ما سمى بالمنطقة الخضراء وعزل نفسه عن الشارع العراقى، وأحس كثير من العراقيون بأنهم إستبدلوا صدام بحاكم آخر أجنبى يحتل قصره، ويحكم من داخل قلعة محكمة. ثالثا: إعتقد بول بريمر بأنه يمكن تطبيق الديموقراطية فى العراق بجرة قلم أو بقرار بدون أن يكون هناك المؤسسات الدستورية المهيأة لنقل السلطة بشكل سلمى، ولم يتعلم من تاريخ الجنرال مكارثى والدى إستمر يحكم اليابان(البلد المتقدم) لمدة خمس سنوات حتى تم نقل السلطة لليابانيين فى نهايتها، فقد كان الإستعجال فى نقل السلطة خطأ إستراتيجى جوهرى، رابعا: الأمر بإستبعاد البعثيين السابقين من العملية السياسية كان عملا غير ديموقراطى، إن كان هناك من أجرم منهم فكان من الواجب تقديمه للمحاكمة، أما من لم يثبت إدانته فكان من الواجب إتاحة الفرصة أمامهم لكى يعملوا بالسياسة العراقية الجديدة كحزب سياسى جديد، لذلك فما حدث هو أن التطرف الإسلامى (شيعيا كان أم سنيا) قد تقدم بصورة أتوماتيكية وملآ الفراغ السياسى فى العراق بعد إستبعاد حزب البعث، وأنا لم أؤيد أفكار حزب البعث فى أى يوم من الأيام، ولكنى أعتقد أنه من الواجب إتاحة الفرصة لهم بالإشتراك فى العمل السياسى، لأنه بمجرد إستبعاد حزب البعث تم خلق طبقة أخرى من الأعداء وتحالف البعثيون المهمشون مع الجيش العراقى المطرود وشكلوا ما سمى بالمقاومة العراقية.

(3) المحتل يجب عليه توفير الأمن والأمان لمواطن البلد الدى إحتله وقد فشلت القوات الأمريكية فى توفير الأمن للمواطن العراقى، وأيا كان السبب فلا يمكن لوم الشعب العراقى ولكننى ألوم فقط الإدارة الأمريكية، لو وجدت الإدارة الأمريكية نفسها عاجزة عن تحقيق الأمن فكان يجب عليها طلب المساعدة أو الإنسحاب، ولم تفشل القوات الأمريكية فى تحقيق الأمن بل فشلت فى توفير أبسط حاجات المواطن العراقى الأساسية مثل المياه والكهرباء تلك الخدمات التى كانت متوفرة بشكل معقول أثناء حكم صدام، الأمر الدى دعا العديد من العراقيين (حتى الدين كرهوا صدام) يترحمون على صدام ويقولون :quot;نار صدام ولا جنة بوشquot;، لأن المواطن العادى سيتحمل قسوة ورزالة الإحتلال إن كان سوف يحقق له الأمان والخدمات الأساسية.، ولدلك فإننى أعتقد أن القوات الأمريكية كانت مهتمة بتحقيق أمن نفسها أكثر من تحقيق أمن المواطن العراقى، وللإسف فإن الرأى العام الأمريكى ينزعج من أرقام قتلاه إدا تعدت عشرة قتلى فى أسبوع واحد، ولكنه لا يهتم كثيرا لو سفط مائة عراقى فى تفجير واحد، وأكرر مرة أخرى القوات الأمريكية مسئولة عن أمن المواطن العراقى مادامت موجودة فى العراق.

(4) الفساد المنتشر حاليا فى العراق جعل من بعض العراقيين أثرياء حرب فى نفس الوقت الدى نرى فيه مواطنات عراقيات يتسولن فى شوارع عمان بالإردن، وأحمل كلا من الحكومةالعراقية والأمركية مسئولية محاربة هدا الفساد.

(5) كان لإنعدام الأمن أثره السلبى على عملية إعادة البناء والتنمية وتعثرت العديد من مشروعات إعادة التعمير بالرغم من رصد بلايين الدولارات لتلك المشروعات إلا إن إنعدام الأمن أجبر العديد من شركات العالم على الرحيل من العراق أو تجنب العمل فى العراق أصلا أو توظيف أموال طائلة لحماية موظفيها مما أدى إلى زيادة تكلفة مشروعات إعادة البناء وبطء الإنتهاء منها.

[email protected]