ساجدة الريشاوي، المرأة الواحدة بين ثلاثة رجال، هم من خططوا وقاموا بتفجيرات فنادق عمان، والتي ذهب ضحيتها، أبرياء يحتفلون بالزواج، علما أن ساجدة تم الزواج بها، كجزء من عملية التخطيط لتنفيذ هذه التفجيرات، إلا أنها، لم تقم بتفجير حزامها الناسف، وتم إعتقالها بعد التفجيرات، ومحاكمتها، ليصدر حكم الإعدام بحقها.
ساجدة، في مواجهة حكم الإعدام، يثير إسمها فيي مشاعر الحيرة، أليست هي ساجدة، من عليها أن تقبل الوعظ والإرشاد من الذكور أصحاب القوامة عليها، أليست هي، ساجدة، من عليها واجب الطاعة، وعدم المسائلة، فأولي أمرها هم الأعلم والأخبر، أليست ساجدة، من يؤمر بضربها إن هي نشزت، فكيف تعدم كمكافأة على طاعتها وعدم نشوزها، فكيف وهي ضحية فكر صور لها القتل على أنه جهاد و وتقوى، كيف لأحد أن يدافع عن إعدام ساجدة؟
اليست أبسط متطلبات قيام المسؤولية عن فعل ما الإرادة الواعية، و أليست أبسط متطلبات الإرادة، الحرية، ليتم إختيار الفعل، أوليس الوعي شرط لإكتمال الرشد، حتى تستقيم الإرادة. فأين ساجدة من هذا كله؟
فهم المنظومات الفكرية والدينية والأخلاقية وتحليلها، والإجتهاد حولها، أمر محتكرا من قبل الذكور، على تفاوت وعيهم، ويقع عليهم واجب نقل هذا الفهم، بل بفرضه على إناثهم، كواعظين ومرشدين، وليس لهؤلاء النسوة أن يناقشن بأمور، يقصر وعيهن عن إدراكها، فما عليهن إلا الطاعة، وإلا أصبحن خارجات عن هذه المنظومات، مدانات من قبلها، هذه هي الحال لدى الفهم الضحل والقاصر لأمور الدنيا والآخرة.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إلا أن إرادة الخالق، لا تصلنا خالصة، بل مشوبة بفهم أو سوء فهم ناقلها، إلا أن هذا المفهوم يقتضي أحد معانية الكثيرة، فيصح أن نقول،
أن واجب الطاعة للخالق، واجب مضاعفا، مشددا، إذا ما أتي من مخلوق، ينقل ويصور الأمر، على أنه أمر الخالق، فإذا ما اكتسى فعل ما، إرادة الخالق، وصور على انه تحقيق لها، حتى لو بني هذا الفهم على أسس خاطئة، وفهم ضحل، يصبح أمرا واجب الطاعة، ومن يقع عليها واجب الطاعة هنا، كواحدة من جمهور المطيعين، ساجدة، والتي لا تملك حق المجادلة، ولا المسائلة، لهذا الفهم المهيمن على حياتها ووعيها.
أورد هنا، قصة مؤلمة، محزنة، ومثيرة للسخرية، تم تداولها عبر الإنترنت، على أنها طرفة، إلا أنني وجدتها طرفة موجعة، ومفجعة، حسب القصة، ذهبت إمرأة تشكو أمرها لقاض، فقد قام زوجها بعضها في أماكن مختلفة من جسمها، ولدى إستدعاء الزوج، كان دفاعه، واللائي تخافوا نشوزهن، فعظوهن، تبين أن الزوج، فقد فسر المخاطب بحكم جنسه، المفردة، بما يبرر فعلته، لتشابه الأحرف ولفظها لديه، أليس مخيف أن يقع على مثل هذا الشخص، عبء الوعظ والإرشاد، وأقول عبء، لأنه كذلك، لمن عرف مسؤولية الكلمة، وأدرك عمقها وأبعادها، عدى عن فهم لفظها ومنطوقها، والأهم، منطقها.
كنت قد قرات مقالة للكاتب يوسف أبو ريشة، قبل أعوام، يتسائل فيها، حول تساوي الذكر والأنثى في العقوبة، حسب المفهوم الديني، ألا يستدعي هذا التساوي، بالضرورة، تساويا في الظروف والفرص التي تنتج الوعي والإرادة، ومن ثم تفعلهما؟؟
فكيف يكون الأمر عندما تطالب الأنثى، بالطاعة لأولي أمرها، وزوجا هنا، ولي أمرها حسب فهم الزوج الأمر الديني، فهو الذي إحتكر فهم الأمر الإلهي، وهو من نقله وفسره لها لها، ليزين لها فعل القتل، على أنه طاعة للإله، جهاد في سبيله، تكافأ عليه بالجنة.
أما ساجدة، فقد عصت الأمر، ولم تطع، ولم تفجر حزامها، فهي ناشز إذن، خالفت الأمر القاضي بإطاعة زوجها، وهو الذي تزوجها، كجزء من مخططه الإرهابي، زوجها والذي هو أيضا ضحية فكر، يصور الأمر الديني، على أنه أمر تدميري، يخدم الموت لا الحياة.
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فكيف تعدم من حجب عنها العلم، ومنع عنها الفهم، فأصبحت آلة تنفذ الأوامر، وليست أية أوامر، أومر تحمل قدسية الدين، ساجدة، الضحية المركبة، من تم التلاعب بحياتها ووعيها وإرادتها، والتي ظنت أن في طاعتها خلاصها، لتدرك، متأخرة، أن نشوزها، ربما أنقذ بعض الأرواح، وقلل من عدد الضحايا، فهل ينقذ نشوزها حياتها، أم تتساوي في موتها، فتكون كمن أطاعت في حياتها، طاعة تقودها للموت مرتين؟؟