في البحرين، بطبيعة الحال، هناك الكثيرون ممن يصعدون منبر رسول الله أو يزاولون أعمال الوعظ و الإرشاد و الإفتاء الديني دون امتلاكهم لأي مؤهلات علمية و أكاديمية في الشريعة أو الفقه أو التفسير، سوى المظهر الخارجي الموحي بالالتزام و شيئا من الفصاحة و البلاغة اللغوية، بل أن بعض هؤلاء هم من ذوي التخصصات في علوم دنيوية لا علاقة لها إطلاقا بأحكام الدين، والبعض الآخر لا يملك من الشهادات سوى شهادة ميلاده و شهادات التطعيم ضد الأوبئة.
غير أن في بلادنا أيضا علماء دين أجلاء محليين من الطائفتين ممن يحملون أعلى الدرجات الأكاديمية الدينية، و يشهد لهم تبحرهم في أحكام الشريعة الإسلامية و آليات الإفتاء و التفسير، وبما يسد حاجة مجتمع صغير متميز كالبحرين في هذا المجال، الأمر الذي تنتفي معه الحاجة إلى استيراد علماء دين من الخارج للعمل كوعاظ أو دعاة أو مرشدين، و ترك الحبل لهم على الغارب للتحرك و التأثير على المجتمع و تشكيل أفكار و قناعات أبنائه بطريقة تتعارض مع المصلحة العامة و مواد الدستور و الميثاق و ما ارتضاه شعب البحرين لنفسه و ما حققه من مكاسب اجتماعية و حضارية.
و يبدو أن أحد هؤلاء الذين حل في البحرين قبل نحو عامين، يحاول أن يسير على نهج و خطا زميل له من نفس الجماعة و الجنسية العربية، استطاع شيئا فشيئا أن يتسرب إلى مفاصل المجتمع في بلد مجاور حتى صار صاحب طنة و رنة و حظوة و مكانة و كلمة و تأثير و حضور في ذلك البلد، بل صارت تفرش له السجاجيد الحمراء في الاستقبال و التوديع و تفتح له قنوات الإعلام صباح مساء و تقبل توصياته في التعيين و quot;التفنيشquot;.
فهذا الذي طردته دولة كبرى بتهمة مخالفة قوانين الهجرة و التحريض ضد الآخر و لم يجد من يقبل به على أراضيه، لم يرتض أن سخر الله له بلدا كالبحرين أطعمه من جوع و آمنه من خوف، بل عاودته أحلام ممارسة الدور و تملك النفوذ، فقام على اثر استقراره في بلادنا بالتمدد في المجتمع رأسيا و أفقيا. فهو إضافة إلى نجاحه في فرض نفسه على وسائل الإعلام الرسمية ، صار كثير الظهور في المجالس و المنتديات الأهلية كمتحدث، و ساعده من ينتمون إلى مدرسته الفكرية في الوصول إلى جامعتنا الوطنية كمحاضر موسمي، بل أقام مجلسا خاصا به يدعو إليه المسئولين وينحر الخراف لهم على عتباته.
الأخطر من ذلك انه قام أثناء الانتخابات النيابية الأخيرة بدور في التحشييد ضد المترشحين الليبراليين أو المستقلين و مناصرة آخرين منتمين إلى احد جمعيات الإسلام السياسي من خلال مشاركته في ندواتهم بالخطب العصماء، مرددا آراء ونظريات تخالف بعضا مما توخاه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. فمثلا ما أفصح عنه في هذه الندوات من مواقف من حقوق المرأة السياسية في الولاية والترشح للبرلمان كان مضادا و معاكسا لمواد ميثاق العمل الوطني و دستور مملكة البحرين و جهود المجلس الأعلى للمرأة. و رغم ذلك ترك ليواصل حملاته و لم يتعرض لأدنى مساءلة أو حتى توبيخ.
و السؤال الذي يفرض نفسه ، أين الجهات الرسمية المعنية من هكذا شخص؟ و إلى متى يتم غض الطرف عن مثل هذه الممارسات و مجاملة أصحابها من المتخفين وراء لباس الوعظ والإرشاد والدعوة البريء فيما هم يخرقون و يسيئون عمدا إلى بعض مما توافقنا عليه و حسمه الميثاق والدستور إلى الأبد؟
فهل ما ورد في الميثاق و الدستور من مواد حول حق المرأة البحرينية بالترشح و الانتخاب وتولى المناصب الرسمية العليا، لا قيمة له حتى ينتهك بهذه الصورة؟ و كيف يتفق هذا مع خطط تمكين المرأة البحرينية التي يتولاها المجلس الأعلى للمرأة بقيادة قرينة عاهل البلاد؟ و ما هي المصلحة العامة من وراء استضافة هكذا أشخاص في البحرين التي لديها ما يكفيها من وعاظ ودعاة محليين من ذوي المؤهلات العالية و التاريخ غير الملوث بالأجندات السياسية المشبوهة والمعرفة الواسعة بما يناسب مجتمعاتنا الخليجية، بل التي كان الأشقاء في قطر و الإمارات والكويت إلى عهد قريب يلجأون إليها لسد النقص في قضاة الشرع و علماء الدين؟
و أخيرا فمتى يتعظ المسئولون مما حدث في بعض الدول المجاورة من تخريب للعقول و تسييس للدين على أيدي هؤلاء الوعاظ القادمين من دولة عربية معينة و المنتسبين إلى حركة إسلامية سياسية محظورة في بلدها الأم؟

أكاديمي بحريني