بداية أعترف إن قلبي مع قائمة الإتلاف بشكل عام، ومتعاطف بالعمق مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رغم خلافي الكبير وربما الصدامي معه على صعيد الكيفية التي يدير بها دفة الحكم، وخاصة فيما يتعلق بالتركيبة الرئاسية التي يعتمد عليها، لما أعرفه جيدا عن ضعف عناصرها فكريا وسياسيا وإعلاميا إلى حد الرثاء، وهو بذلك ظلم نفسه قبل أن يظلم غيره لشديد الاسف. أعترف بذلك وربما أتشرف بأن أكون مدافعا في كثير من المواقف عن حكومة السيد المالكي، سواء رضي بنقدي له أم لم يرض في مواقف أخرى . وأعترف أيضا أني ( اميل ) لنهجك الليبرالي، وأثمنه، وكنت وما زلت رغم عدم انتخابي لقائمتك العراقية أرجح رؤيتك في خطوطها العامة، والتي طالما تطرحها صرا حة ودون خوف أو مجاملة، وليس من شك، أن كثيرا من ا لخطوات والمواقف والممارسات والطروحات التي أمضتها حكومة السيد المالكي اليوم كنت قد أكدت عليها مرارا، بل كان ذلك من أسس منهجك الذي تبشر به ليس على صعيد حل المشكل العراقي، بل على صعيد قيادة العراق سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
في سياق هذه الحقائق بودي أن أقول لك كان مفاجأة لي أن تعلن عن إمكانية إنسحابك من حكومة السيد المالكي، وقد أدبجت مجموعة أسباب تبرر بموجبها هذا الموقف الخطير.
أختلف معك، وأرى أنك بهذا الموقف يا سيادة الرئيس تزيد من تإزيم الوضع في العراق، إنك تدخل الحكومة في فراغ مخيف ربما تتحمل مسؤوليته في المستقبل.
أعتقد، وكاتب هذه السطور ليس سياسيا بارعا، ولكن أدعي أن الجميمع ممن يحرص على سلامة العراق يدرك أن أي فراغ حكومي في العراق لا يشكل حلا، بل يشكل تعقيدا زائدا، ويزج البلاد في فوضى مرعبة، وبالتالي، أعتقد إن الحل أو منطق الحل يتطلب أن تشارك بكل قوة في معالجة المشكل العراقي من داخل الحكومة وليس من خارجها، من داخل البرلمان وليس من خارجه.
الحكومة العراقية اليوم هي حكومة منتخبة شئنا أم أبينا، وهي مدعومة من الدول الكبرى، ولا يمكن أن نغفل حقيقة كبيرة يا سيادة الرئيس، إن لها شعبيتها الكبيرة، وأحزابها المؤثرة، وشخوصها الروحية النافذة في المجتمع، وبالتالي، وفي سياق كل هذه الممكنات يكون عمل مع الحكومة فرصة رائعة لتصحيح الأوضاع، وإنقاذ العراق مما يعاني من أزمة خانقة يا سيادة الرئيس.
أعتقد من حق الناقد أن يقول مثلا: أين كان السيد أياد من جلسات البرلمان؟ وهل من حق برلماني متغيب لاكثر من تسع شهور أن يعترض على الحكومة؟ بكل صراحة، حجة الآخر قوية، والرد عليها تكون بمشاركة فاعلة من قبل السيد علاوي في صلب الحكومة.
يقولون أن السيد المالكي يستمع، ويقولون أن السيد المالكي طالما يطالب الآخر بأن يمارس النقد معه، ولكن عبر المشاركة في قيادة العملية السياسية وليس في سياق تخريبها وإعاقتها، فلماذا لا نجرب سيادة الرئيس؟ ولماذا لا يكون كلامك صريحا مع رئيس الوزراء، وعبر جلسات عمل، وليس من خلال رسائل مبهمة، أو من خلال إشارات سريعة، أو من خلال تصريحات تلفزيونية، بل من خلال جلسات عمل مشتركة، على الارض، وجها لوجه، جماعة لجماعة، نقطة نقطة، من الوضع الامني إلى إشكالية إجتثاث البعث إلى قضية المحاصصة الطائفية إ لى معضلة المليشيات، وبذلك يمكن أن يتوصل الصديقان الطيبان إلى حلول جذرية وفاعلة.
أن حل الأزمة التي يمر بها العراق لا يكون من خلال تأزيم الوضع، من خلال تصعيد حدة التوتر، من خلال خلق فراغ في السلطة يمكن أن يعصف بكل شي، وإنما من وضع كل الإمكانات في خدمة الدولة، في خدمة الحكومة، ولك أن ترجع إلى الشعب لتصارحه فيما طرحت، كي تبرئ ذمتك الكريمة، ولك أن تحمل الحكومة المالكية أمام البرلمان فيما إذا وجدت تقصيرا منها في التجاوب والتفاهم مع طروحاتك وفكرك ورؤيتك، أما أن تهدد بالانسحاب في ظل ظروف قاسية، فهو ما لا يرتضيه حسك السياسي الناضج، ولا شعورك العميق بالإنماء إلى العراق.
لست هكذا!
الذي نعرفه عنك أن شهم شجاع، والذي نعرفه أنك تقيم النتائج بدقة وموضوعية، فهل إنسحابك من الحكومة والبرلمان سوف يؤول إلى تهدئة الاوضاع في العراق؟ هل سيتمخض ذلك عن نتائج هادئة وعقلانية وموضوعية ومؤثرة بالاتجاه الإيجابي في الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق؟
نعم!
هناك من يقول: أن الدكتور إياد يتحرك بوحي من شعوره بالظلم، وشعوره بالحيف، وأنه ما زال يتذكر حملات الإعلان التشويهية التافهة التي إستعان بها بعضهم لعرقلة فوزه النيابي والحكومي، وهؤلاء لا يعرفون السيد أياد علاوي الوطني الشهم، الذي يتعالى على مثل هذه الصغائر، ويجعل من الوطن قيمة كبيرة، تعلو كل قيمة،وأعتقد إن تعاونك مع حكومة السيد المالكي سوف تلقم أصحاب هذا التفسير المغرض او الجاهل حجرا، وسوف تبرهن للتاريخ أنك أبن العراق، وإن هنك العراق قبل أي شي آخر.
تتهم سيادة الرئيس الحكومة الحالية بالطائفية، ولا أعتقد أنك اصبت المحز هنا، فإن المالكي وهو الشيعي، قدم الادلة القوية على أ نه عراقي قبل أن يكون مسلما، وأ نه مسلم قبل أن يكون شيعيا،وهل تنكر ياسيادة الرئيس أن اليوم في معركة شاملة مع كل المليشيات بصرف النظر عن أي إ تجاه؟
لا أعتقد سيادة الرئيس إن الوضع في العراق بهذه السهولة، وفي خضم مثل هذا التعقيد ينبغي أن نتريث في التقييم والإتهام والعتاب، وعلينا أن نمارس حسا نقديا ممتازا، يأخذ في الحسبان كل فواعل العقدة المخيفة.
أعرف انك تشعر بالمرارة، وكن على ثقة هناك من يشعر بالمرارة أكثر منك، ولإسباب أعمق من الإسبات التي تجعلك تشعر بالمرارة، ولكن للضرورة أحكام يا أبا حمزة، وإنك بن ذاك البيت الكريم الشهم، ومن شيم الكرام إنهم كبار جدا في التعامل مع الصغائر، خاصة إذا كان ميدان الحلبة هو الوطن.
إن التجربة تنتظرك..
العمل مع الحكومة في تصوري سيادة الرئيس هو أقصر طريق لإخراج العراق من محنته، وليس الخروج منها، وتقبل تحياتي.
المخلص غالب حسن الشابندر