هل دخلت العلاقات بين وايران مازقا بعد سنوات الصداقة والود والحديث عن الشراكة الاستراتيجية، ام انها تمر في مرحلة اختبار املته الظروف الدولية والاقليمية الجديدة؟ وهل ان القضية تحصر وحسب في خلافات مالية بين شركة روسية وطهران حول تمويل محطة بوشهر ام مؤشرات على اجراء روسيا تعديلات في نهجها السياسي الدولي وتروم ابعاد العامل الايراني الذي يقف حجر عثرة للتقرب مع الغرب، ام انها اكتشفت ان ايران تقوم حقا بانشطة لامتلاك السلاح النووي وتنوي ان تكون دولة نووية على تخومها. اسئلة لاتجد اليوم لها اجوبة شافية ولكنها تنطوي على معاني كثيرة وربما ستسفر عن تداعيات تمس ايضا دول عربية. ولكن الاهم من كل ذلك هل ستدسل الخلافات المالية الستار على مرحلة من العلاقات الطيبة بين طهران وموسكو دشننتها رسالة الامام اية الالله الخميني المثيرة التي بعث بها للرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف.
يلوح ان طهران ومثلها مثل الكثير من الدول النامية لم تدرك تماما ان تغيرات عميقة طرات ليس على نهج السياسية الخارجية بل على الروح العام في روسيا. ان موسكو غدت تشعر في الاونة بثقة اكبر بقدراتها، وانها قوة لايمكن ان لايحسب لها حساب اليوم على الساحة الدولية. ولها ادوارا مشهودة واورق ان يمكن ان تحركها في النزاعات الاقليمية، ومواقف مستقلة تتقاطع في الكثير مع مواقف الغرب. ان روسيا الجديدة لايمكن ان تقبل كما يقول المثل الروسي quot; الرقص على عزف ناي غريبquot;. بينما مازالت ايران رهينة للمواقف السابقة والتصورات السابقة، من ان انها تستطيع املاء ارادتها على روسيا نظرا لحاجتها في تمرير سياستها الاقليمية وفي فضاء الاتحاد السوفياتي السابق. نعم لقد استفادت روسيا من موقف ايران عندما تجنبت التدخل في دول اسيا الوسطى ودعم التيارات الاسلامية المناهضة للروس ولم تمد الجسور ايضا مع القوى الانفصالية التي تحركت وراء الشعار الاسلامي ولم تقدم اي شكل من شكل الدعم للحركة الانفصالية الشيشانية رغم مشرعها الاسلامي. وكانت روسيا مرتاحة ايضا من توطيد ايران علاقاتها مع ارمينيا الحليفة التقليدية quot;الارثذوكسيةquot; لروسيا في جنوب القوقاز وليس مع quot;المسلمةquot; اذربيجان التي وضعت مقدراتها بيد امريكا وحلف الناتو.
لقد جرت تغيرات واسعة على الخارطة السياسية الاقليمية والدولية. وروسيا تجابه اليوم مشاكل اخرى، وتستعد للعب ادوارا اخرى، ولاتفكر بخطب ود ايران، او تنجر خلفها في منزلقات هي في غنى عنها. وتدرك موسكو ان طهران تتصرف بشكل حاذق باستثمار علاقاتها مع روسيا لتجني الفوائد فيما هي تتكبد الخسائر منها. لكن ايران في الوقت نفسه ماضية في تجاهل الموقف والخيارات والمصالح الروسية.وتراقب روسيا ايضا الادوار غير البناءة لايران في المنطقة، لاسيما التدخل في الشان الداخلي في العراق وفي لبنان وفي غيرها من الدول وربما تسريبها الاسلحة الروسية لاطراف ثالثة. والدور الايراني الذي يدفع للانزلاق بحروب طائفية. وتشير الدلائل الى ان صبر موسكو قد نفذ.والى ان تصاعد التوتر في العلاقات الروسية الايرانية يصب في الخطط والمصالح الامريكية الرامية لعزل ايران دوليا على امل انه سيؤدي الى خلق صعوبات اقتصادية وتعميق الخلافات وسط النخبة الحاكمة ويخلق سخط جماهيري واسع لاضعاف النظام الايراني وبالتالي اطاحته.
وقالت مصادر مطلعة في موسكو ان الخبراء النوويين الروس العاملون في بناء محطة بوشهر الكهروذرية، شرعوا بمغادرة ايران على خلفية الازمة التي نشبت بين موسكو وطهران بشان التزامات ايران المالية وظهور مؤشرات على احداث روسيا تعديلات في موقفها من المشكلة النووية الايرانية واحتمال مصادقتها على القرار الدولي القاضي بتشديد العقوبات على طهران.ووصف مراقبون الوضع القائم بانه يمهد لنهاية شهر العسل في العلاقات الروسية الايرانية.
واعتبرت الباحثة روز غيتمولر، رئيسة مركز موسكو لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن روسيا تستخدم مشروع بوشهر كوسيلة ضغط دبلوماسي quot;وفقا لخطة إستراتيجية وضعت في عامي 2002 - 2003 حينما اثارت انباء قلق الكرملين من أن لدى الإيرانيين برنامجا نوويا سريا لتخصيب اليورانيوم quot;. وأضافت الباحثة في تصريح لصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا ونقلته ايصا وكالة انباء نوفستي في نشرتها العربية، أنه في الوقت الذي تعلن فيه روسيا وجود مشكلات تستمر شركات مقاولات روسية في القيام بأعمال محددة لكيلا تعطي ذريعة لقطع العلاقات مع طهران. ورأى مصدر في وزارة خارجية أحد دول الاتحاد الأوروبي أن الإيرانيين كفوا عن دفع مستحقات الشركة الروسية التي تقوم بأعمال بناء محطة بوشهر توفيرا للمال عشية نشوب الحرب المحتملة، quot;فهم يكادون يعتقدون أن الصواريخ الأمريكية ستضرب محطة بوشهر النووية بالضرورةquot;. وعلى صعيد ذي صلة يُذكر أنه توفرت لموسكو معلومات مفادها أن إيران بدأت بقواها الذاتية بناء محطة نووية جديدة لتوليد الكهرباء . ويرجح أن يوجه الإيرانيون جزءا من الاعتمادات المخصصة لمشروع بوشهر إلى هذا المشروع في الخفاء.
ويُعتقد أن موسكو اقتنعت بأن طهران ليست شريكا تجاريا يعول عليه ولهذا فإنها أوقفت دعمها الدبلوماسي لطهران في واقع الحال في الفترة الأخيرة، وان طهران بصدد فتح القنواة للحوار مع واشنطن. فهل وصلت العلاقات بين الطرفين الى طريق مسدود ام ان طهران ستدرك الاخطار التي يمكن ان تجنم عن القطيعة مع روسيا وتعيد النظر بمواقفها؟.على كل فثمة شرخ حدث في العلاقات بين البلدين لايمكن اصلاحه تماما.