الذي قرأ ويقرأ ما يكتبه شاكر النابلسي أحد المدافعين بشدّة عن الأمركة و الصهيونية و الذي يدعّي ظلما وجورا أنّه يتحرك من منطلق تحرير العقل العربي من الموروث الحضاري الإسلامي على وجه الخصوص لا يستطيع أن يصنفّه لا في خانة المفكرين ولا في خانة المثقفين بل ولا في خانة المثيقفين.
ومع إختلافي الشديد مع روّاد الحداثة العربية بدءا برفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وعبد الرازق الذين يعتبر النابلسي نفسه إمتدادا لهم و يكتب في إيقاع ما كتبوا، إلاّ أنّ الفرق بينه و بينهم هو أنهم كانوا أصحاب مبنى فكري، شيدوا النظرية وعللوا جدواها وأبانوا بما يملكون من أدلة العقل والنقل أنها نظرية صحيحة هي أقرب إلى العقل العربي وأبعد من الخرافة، غير أنّ النابلسي ليس مؤسسا ولا مؤصلا بل هو مجتّر ومكرر و معيد في أقصى الحالات لنظريات وضعت سابقا ولرؤى صيغت ماضيا وراهنا، وهو لم يأت بالجديد مطلقا، لقد برع في أمرين إثنين لا ثالث لهما:
ذمّ الفكر الإسلامي في كل تجلياته، و تمجيد الأمركة الزاحفة بكل تفاصيلها وإعتبارها عهدا جديدا وفتحا على العرب والمسلمين، ومثلما قال طه حسين ذات يوم بأنّ العرب والمسلمين لن يتقدموا إلاّ إذا قلدّوا الغرب حذو القدّة بالقدة فإنّ النابلسي توصل إلى ضرورة تقليد الأمريكي بل والتعري أمامه وتسليمه ظاهر الأرض وباطنها ليتسنى لنا تحقيق النهضة المرتقبة التي تجلّت في نظره في أروع صورة في العراق...
والنابلسي في تكراره وإجتراره لطروحات ماضوية سببت الإنكسار تلو الإنكسار لواقعنا العربي في مشاهده السياسية والثقافية والإقتصادية لا يمكن أن يرقى إلى مصاف من أسسوا للفكر الحداثي، و ينطبق عليه قول الشاعر الذي يقول:
عجبت لفرخ البطّ يعتلي نخلة ويرقى إلى العلياء وهو وضيع
ولأنّه ليس مفكرا و لا منتج أفكار بل مجتّر و مكرر لطروحات الحداثيين الذين ومنذ تبنيهم للحداثة وما بعدها والعالم العربي يتراجع، و ها قد وصلنا إلى موت الحداثة وبيننا في العالم العربي و بين التحديث بون شاسع، ذلك أنّ النابسلي كان همه مع أقرانه دكدكة الموروث الإسلامي ليكون البديل غربيا قحا، فأندونسيا طبقت خطة الإقتصادي الألماني شاخت الذي حققّت خطته الإقتصادية إنطلاقة ألمانيا الحديثة وكانت النتيجة ضياع أندونسيا، لأنّ الخطة النهضوية التي لا تأخذ في الحسبان الشروط الموضوعية الذاتية مآلها الفشل الذريع...
وحاولت بعد أن أيقنت أن شاكر النابلسي لايمكنني أن أضعه في خانة المثقفين، فوجدت نفسي أظلم الثقافة وأقحم إلى حدائقها الغنّاء جنسا ليس من سنخها، فأي حرف أضافه النابلسي إلى الثقافة العربية وأي نقطة أضافها غير تمجيد حركة المارينز الأمريكية و إعتبارها حركة عقلية لتحرير العقل العربي من الظلامية والأصولية، علما أنّ أمريكا لما وصلت العراق أبقته مظلم الفكر والكهرباء...
وكنت أضرب أخماس في أسداس في أي خانة أصنّف شاكر النابلس إلى إن أطلعت على مقالته الأخيرة(كليبّات هذا الزمان)وهو ينافح ويدافع عن الطرب العربي المعاصر الذي يتوفّر على كل شيئ إلاّ الطرب، والفن العربي الراهن الذي هو أقرب إلى العفن، ورأيته منافحا ومدافعا عن حركة العهر المكشوف المتسم بسمة الفن، بل وأعتبر ضمنا هيفاء وهبي و نانسي عجرم و روبي من رموز النهضة العربية الراهنة و علامات فارقة في الفكر الليبيرالي الذي يتبناه، فأكتشفت عندها وقلت في قرارة نفسي ما دام النابلسي ليس منتج فكر ولا مثقف ولا شيبه مثقف، فهو أقربّ ما يكون إلى الطبّال، أو الزمّار أو الهزّاز ولعلّ هذا يشبه إلى حدّ كبير التطبيل للحركة الإستعمارية الجديدة و التزمير للفرنجة القادمين إلى بلاد العرب والمسلمين..
وبإعتباري من الجزائر و أعتبر فنّ الراي يهودي التأسيس و التأصيل في الجزائر فأقترح على النابلسي أن يصبح ndash; كالشاب خالد والشاب مامي - الشاب شاكر ويعزف على إيقاع الدبابة الأمريكية والبارجة البريطانية و غيرهما من أدوات الإيقاع التي هي في نظر الشاب النابلسي ستحرر العقل العربي...
وأشدّ ما أخشاه أن يتفق النابلسي مع هيفاء ويكملان مسيرة العهر العربي الراهن، و ما دام راهننا العربي راهن إنكسار فليعتبر ذلك فتحا ليبيراليا عظيما و مرحلة جديدة في تاريخ الأمة المبتلاة بالمنهزمين من أمثال الشاب شاكر.....