مواهب جديدة على طريق الإبداع والنجومية

دبي من أحمد خضر: اسدلت الستارة عن الخشبة إيذاناً بانتهاء الدورة السادسة عشرة من أيام الشارقة المسرحية هذا العام حيث توزعت الابتسامات وتعانق المبدعون الفائزون ع جمهورهم المحب، فيما استقبل من لم يحالفه الحظ من المسرحيين غير الفائزين الأمر بروح رياضية وباركوا لزملائهم. لقد عاشت الشارقة أياماً بهيجة تلألأت فيها ألوان الفرح والإبداع والثقافة على وجوه المبدعين من ممثلين ومخرجين وكتاب وفنيي صوت وإضاءة، من الذين تنافسوا على جوائز أيام الشارقة المادية والمعنوية، وكذلك ضيوف مهرجان الشارقة من كبار الفنانين والمتخصصين في حقل المسرح الذين كانوا يعقدون الندوات الفكرية المصاحبة، حيث تتواصل الفعاليات منذ الصباح حتى منتصف الليل.
الملفت للنظر في هذه الدورة حصول الفرق البعيدة الآتية من ريف الشارقة والفجيرة على الجوائز الأولى ، والتي كانت دائماً من نصيب الفرق المسرحية العريقة في دبي ومدينة الشارقة، والنجوم الكبار في المسرح الإماراتي، وبذلك أفرزت الساحة المسرحية في الإمارات ممثلين من الشباب الواعدين ودفعت بهم إلى خشبة المسرح ، إضافة إلى أن مستوى العروض التي قدمت في هذه الدورة، والتذبذب الحاصل، وعدم الثبات على مستوى معين يعتبر مؤشراً قوياً لإعادة التقييم، ودراسة الأسباب المؤدية إلى مثل هذه النتائج .
وقد ذهبت الجائزة الكبرى كأفضل عرض مسرحي متكامل لمسرحية (الظمأ ) لمسرح كلباء، أما جائزة التأليف فحصل عليها اسماعيل عبدالله عن مسرحية ( مولاي مولاي ) لفرقة مسرح أم القيوين، وحصل الفنان فيصل الدرمكي على جائزة أفضل إخراج عن إخراجه لمسرحية ( الظمأ )، وأفضل ممثل دور أول نالها الممثل جمعة علي عن دوره في مسرحية الظمأ، أما سميرة الوهيبي فنالت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسرحية ( قوم عنتر )، ذهبت أفضل ديكور ذهبت للفنان محمد الغص عن مسرحية ( قوم عنتر ) لفرقة المسرح الحديث، وذهبت جائزة أفضل، وحصل الفنان محمد جمال على جائزة أفضل إضاءة عن مسرحية قوم عنتر لفرقة المسرح الحديث، وذهبت جائزة أفضل مؤثرات صوتية ومويقية لمسرحية ( مولاي مولاي ) لمسرح أم القيوين، وجائزة أفضل ممثل واعد تقاسمها كل من الممثلين عبدالله اليمامي، وغانم صالح، أما أفضل ممثلة واعدة فذهبت لكل من الممثلة فاطمة جاسم، والممثلة فضة، كما حصل الفنان العراقي محمود أبو العباس على جائزة الفنان المسرحي المتميز من غير أبناء الدولة، كما منحت جائزة المسرحي الكويتي كنعان حمد كنعان للمثل جمعة علي، أما جائزة مسابقة التأليف المسرحي فقد قررت لجنة التحكيم حجب الجوائز الأولى، وتقسيم بقية الفئات إلى ألف، وباء،، وحصل على الجوائز كل من باسمة يونس، وعبدالله صالح، بينما تقاسم كل من الممثل سعيد عبيد، والممثلة بدور جائزة أفضل ممثل دور ثان.
وكانت كاميرا الفنان محمود راشد ترصد الحدث بحساسية ودقة، وتبرز المشهد المسرحي في لحظات إبداعية متفردة، تعبر عن مشاعر الفنانين وأحاسيسهم الداخلية، وقدرتهم على الأداء الحركي المتألق، وهذه الجماليات الفنية الراقية، التي تجسد الذائقة البصرية، وتلتقط الصورة الضوئية المسرحية الناطقة ضمها مهرجان أيام الشارقة المسرحية في أحضانه خلال ثلاث دورات متتالية من الأيام
( 2002 ـ 2005 ) حيث افتتح المعرض عبدالله العويس مدير عام دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، رئيس اللجنة العليا لأيام الشارقة المسرحية، وحضره العديد من الضيوف والفنانين والإعلاميين وجمهور المهرجان.
المعرض ضم 60 صورة لعروض مسرحية مختلفة، وهو امتداد للمعرض الأول الذي أقامه الفنان في العام الماضي، حيث يتطلع إلى توثيق الأيام عبر الصور الفوتغرافية النادرة.
الضيوف عبروا عن آرائهم ومشاعرهم الإيجابية تجاه المعرض حيث قال الفنان المصري أحمد بدير : إن المصور محمود فنان وحساس وشاعر بالكاميرا، لقد أعجبني المعرض كثيراً لما قدم سابقاً من عروض تمنيت مشاهدة بعضها، وقال الفنان الكويتي فؤاد الشطي : ثلاثة أيام وأنا أتابع الصور الجميلة في كل دورة، أتابع العطاء، مما لا شك فيه أن التكوين الصوري تكوين عال جداً، حيث يلتقط اللحظات الحساسة والمبهجة والمعبرة في كل عرض مسرحي، تحية للفنان محمود وهو صاحب عينين جميلتين ترصدان اللحظة. وقال الدكتور خليل مرسي رئيس لجنة التحكيم : شكل لي المعرض بانوراما لعطاء الحركة المسرحية خلال السنوات الماضية، ما قدم من جهد يشكر عليه الفنان المصور محمود راشد. وقال الفنان التشكيلي الإماراتي أحمد الجسمي : ما تقدمه الدائرة من جهد وأفكار مبتكرة يثلج صدور المثقفين عامة والفنانين خاصة، وهذا المعرض يشكل ذاكرة تحفزنا كمسرحيين على العطاء الدائم، إنه معرض ( الصورة ) التي نقدمها عن ذاتنا للغير، بوركت جهودهم، وجهود الفنان محمود راشد.

تقييم نقدي

عواد علي: تختتم اليوم، الأربعاء 29 مارس (آذار)، في قصر الثقافة بالشارقة، فعاليات الدورة السادسة عشرة لأيام الشارقة المسرحية، التي كانت قد افتتحت في العشرين من الشهر الجاري بعرض (قوم عنتر) لفرقة المسرح الحديث، الذي أعد نصه الكاتب المسرحي الاماراتي اسماعيل عبدالله عن النص المجري (العائلة توت)، وأخرجه المخرج العراقي محمود أبوالعباس. وهو ملهاة صعبة تعيد إنتاج سيرة عنترة بن شداد من موقع المفارقة التى تضع رمزيته النبيلة، وقيم زمانه العربية فى محك الحياة الإجتماعية الراهنة المليئة بالتناقضات التى عمت العالم العربي، دون أن تنجر إلى الصورة النمطية والمحاكاة التاريخية. وشارك في المسابقة الرسمية، الى جانب هذا العرض، أربعة عشر عرضاً للتنافس على الجوائز، التي تمنحها لجنة التحكيم برئاسة د.خليل مرسي (مصر)، وعضوية د. جان داود (لبنان)، وأنور أحمد (البحرين)، ومحمد العثيم (السعودية) لـ: أفضل عرض مسرحي متكامل، وأفضل تأليف، واخراج، وممثل وممثلة دور أول ودور ثان، ومناظر مسرحية، واضاءة، ومؤثرات صوتية وموسيقية، أزياء، وماكياج، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لاحد الفنانين المتميزين في المهرجان. والعروض هي: (صك الباب) لمسرح الشارقة الوطني، (التقيكم فيما بعد) لمسرح الشباب للفنون، (الصلامة) لمسرح عجمان وحتا، (طائر الاشجان) لمسرح خور فكان، (الظما) لمسرح كلباء الشعبي، (احفروا بئراً) لمسرح دبا الحصن، (منزل آيل للسقوط) لمسرح شمل برأس الخيمة، (السردال) لمسرح دبي الشعبي، (الكرسي) للنادي الثقافي العربي، (رماد الأيام) لمسرح الفجيرة القومي، (خفايا حبال) لمسرح دبا الفجيرة، (كل الناس يدرون) لمسرح رأس الخيمة الوطني، (سفر العميان) لمسرح دبي الأهلي، و(مولاي يا مولاي) لمسرح أم القيوين الوطني. إضافةً الى عرضين مستضافين هما (كليلة ودمنة) باللغة الانجليزية مع الترجمة، لفرقة زوام من بريطانيا، وإخراج المخرج الكويتي سليمان البسام، و(الزير سالم وهاملت) من سوريا باللغتين العربية والفرنسية. وكان البسام قد عرض (كليلة ودمنة) في البحرين ضمن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة، وفي طوكيو ومدن يابانية أخرى. ومن المقرر أن يستضيفه مسرح المدينة في بيروت بداية نيسان (أبريل) المقبل، كما سيعرض في أيار (مايو) على مسرح (باربكان) اللندني.

وقد استضافت الدورة الحالية لأيام الشارقة المسرحية أكثر من عشرين شخصية مسرحية عربية فى مختلف التخصصات المسرحية، من ممثلين وكتاب ومخرجين ونقاد وإعلاميين، أسهموا فى لجان التحكيم، والندوات الفكرية والتطبيقية، واللقاءات المفتوحة ابرزهم : إبراهيم الصلال من الكويت، وأحمد بدير من مصر، وأزادوهى صموئيل من العراق، وأسمهان توفيق من مصر، وأنور أحمد من البحرين، وإيمان عون من فلسطين، وتماضر شيخ الدين من أمريكا، وجان داوود من لبنان، ورمزى شقير من سوريا، وغانم السليطى من قطر، وفاضل السودانى (باحث ومخرج عراقي) من الدنمارك، ومحمد بن قطاف من الجزائر، ومحمد العثيم من السعودية، وعدد آخر من الأسماء المهمة فى الساحة المسرحية المحلية، والعربية، وفى المهاجر. ونظمت على هامش الايام ندوة فكرية بعنوان (واقع الحركة المسرحية ومستقبلها فى الإمارات) هدفت إلى تأمل المشهد المسرحى العام فى الامارات بعين المراجعة والنقد، وقياس درجات تطوره ونكوصه. وكرمت هذه الدورة شخصيتين مسرحيتين إماراتيتين هما محسن محمد، ومحمد جمال، لما بذلاه من جهود كبيرة من أجل الارتقاء بالحركة المسرحية فى دولة الامارات وفى الشارقة، وتميزهما بالمواصلة والعطاء فى مجال تخصصهما المسرحي. كما نشر قسم الدراسات والبحوث في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة مجموعة من الإصدارات المسرحية الجديدة، من بينها النصوص المسرحية المحلية الفائزة فى مسابقة التأليف المسرحى فى الدورة الماضية. ومن المقرر أن تعلن فى الحفل الختامي اليوم نتائج مسابقة التأليف المسرحى المحلى السنوية، التى تهدف إلى رفع مستوى الكتابة المسرحية بوصفها قطب الرحى فى العملية المسرحية عامة.

وتحتل أيام الشارقة، التي تحظى برعاية خاصة من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مكانةً مهمةً بين المهرجانات المسرحية العربية الأوسع ذات الطابع الدولي أو القومي أو الإقليمي، مثل مهرجان القاهرة التجريبي، وأيام قرطاج، وأيام عمان، والمسرح الخليجي، و تعد من الناحية التاريخية المهرجان الثالث بعد مهرجان دمشق للفنون المسرحية 1971، وأيام قرطاج المسرحية 1983، ففي دورتها الحالية يكون قد مضى علي بدايتها اثنان وعشرون عاماً، و أصبحت الآن ملمحاً فنياً وثقافياً مهماً في دولة الإمارات.
يقول الكاتب والمسرحي عبد الإله عبد القادر، الذي واكب المسرح الإماراتي منذ ثلاثة عقود وأرخ له في مجموعة أبحاث وكتب، إن ميلاد مهرجان أيام الشارقة المسرحية حدث خلال مرحلة مهمة في عمر المسرحيين من المخضرمين والشباب.. كانت في الساحة المسرحية الإماراتية مجموعة من المخرجين العرب والمسرحيين المحليين الشباب الذين بدأوا بالإخراج والكتابة للمسرح، وكان يتنازع المسرح المحلي تياران: الأول يهتم بالأعمال المسرحية العالمية والعربية إعداداً واقتباساً وتنفيذاً حرفياً، في محاولة للتغلب علي إشكالية غياب النص المحلي، وينزع إلى التجريب والعبث والتجريد، والثاني يتمسك بالمسرح الذي يمارس نوعاً من الحنين الي الماضي من خلال أعمال الغوص والبحارة. وكانت المرحلة مرحلة بحث عن لغة مسرحية ذاتية تخص المسرحيين أنفسهم، وعن خطاب سياسي مخفي داخل الأعمال المسرحية تعبيراً عن الحال السياسية التي اجتاحت الوطن العربي، وامتدت الى منطقة الخليج بفعل الروابط والثوابت. وهكذا شهدت أيام الشارقة المسرحية مسرحيات من ذلك النوع، وصار واضحاً جداً أن هذه الحركة بدأت تفرض وجودها على الواقع الثقافي بفضل رعاية حكومة الشارقة لها.. ثم حدث أن تقاعست الفرق المسرحية فجأةً في احدى الدورات عن المشاركة، فتوقفت الأيام ثلاث سنوات تقريباً لتعود في العام 1994 برغبة قوية من دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة في إعادة الحياة الي الفرق المسرحية والمهرجان، فقامت الدائرة باستدعاء وفود من المسارح، وجرت مناقشة ذلك، وتشكيل لجنة تسيير من أعضاء الدائرة والمسرحيين، وبدأ التفكير من جديد في إزالة كل العقبات التي تعترض الإنتاج المسرحي للفرق، فأعيد ترتيب اللائحة التنظيمية له، وأعيد النظر في جوائز المسابقة، وانفتح المهرجان على الساحة الخليجية والعربية من خلال استقطاب شخصيات مسرحية عربية للمشاركة في فعالياته ولجانه أيضاً. وقد رافقت استئناف المهرجان عودة عدد من دارسي المسرح في الخارج فوجدوا فيه فرصةً لاختبار قدراتهم في الإخراج واستخدام التقنيات المسرحية الحديثة، والتنافس على حصد الجوائز. إن من أهم المكاسب التي جنتها الفرق المسرحية مع استمرار أيام الشارقة المسرحية حصولها على الدعم المادي من دائرة الثقافة والإعلام، والذي ساعدها في تخطي عقبات الإنتاج، كما أحيت هذه الدائرة فرقاً مسرحيةً كادت تندثر، وذلك بإرسال مخرجين إليها، وتزويدها بالنصوص المسرحية، فنتجت عن ذلك أعمال وتجارب مسرحية كثيرة شكلت ذخيرة لفعاليات المهرجان في دوراته المتعاقبة، وبرزت منها عروض متميزة مثلت المسرح الإماراتي في مهرجانات القاهرة وقرطاج والخليج. وأتاح المهرجان فرصةً للمسرحيين، وجمهور المسرح في الإمارات للاطلاع على العديد من التجارب المسرحية العربية والأجنبية التي جري تضييفها من العراق، ومصر، وسوريا، وليتوانيا، وبريطانيا، وإيران. وعلى صعيد التأليف المسرحي دفع التنافس على نيل جائزته إلي ظهور العديد من الكتاب المسرحيين الإماراتيين الذين قدموا نصوصاً ذات اتجاهات مختلفة، وبرز بينهم كتاب مبدعون أذكر اثنين منهم، في سبيل التمثيل لا الحصر، أولهما مرعي الحليان، الذي نال جائزة أفضل تأليف عن نصه (باب البراحة) في الدورة الحادية عشرة عام 2001، إلى جانب مخرجه ناجي الحاي، الذي فاز بجائزة أفضل إخراج مسرحي لتميزه في التعامل مع الممثلين، وقدرته علي تشكيل الفراغ المسرحي بأبسط الأدوات، و استخدامه المؤثرات الصوتية البشرية التي عمقت دلالات العرض. ثم نال المؤلف الجائزة ذاتها في مهرجان المسرح الخليجي السابع الذي أقيم في الدوحة، إضافةً إلي حصول فرقة مسرح دبي الأهلي، الذي أنتجته، على الجائزة الكبرى، وفوز كل من الممثلين فيه أحمد الأنصاري، وعبدالله صالح، وإبراهيم سالم، ومرعي الحليان على جوائز التمثيل الأولى، وثانيهما الكاتب محمد سعيد الضنحاني الذي فاز نصه (ياليل ما أطولك) على جائزة التأليف الأولى لتواصله الشديد مع المتلقي، وشاعرية حواره المسرحي، ومحاولته الدخول إلى أعماق النفس البشرية، وفضح خفاياها من خلال لغة عربية فصيحة ومؤثرة. وقد نال مسرح دبا الفجيرة، الذي أنتج العرض، على الجائزة الكبري لأفضل عرض مسرحي متكامل أيضاً مناصفةً مع فرقة مسرح دبي. وشهدت أيام الشارقة المسرحية في دوراتها السابقة بعض التجارب الطليعية التي تنحو منحى مختبرياً مثل تجربة المخرج حبيب غلوم (ثلاث صرخات) للكاتب السوري عبدالفتاح قلعجي، التي قدمها مسرح رأس الخيمة الوطني في الدورة الثانية عشرة عام 2002، مما يؤكد انفتاح المسرح الإماراتي على الرؤى التجريبية، التي تشهدها الحركات المسرحية الحديثة في العالم، وتوقه إلى كسر القوالب، والمواضعات التقليدية في صياغة الخطاب المسرحي.

[email protected]