في العراق الجديد
نقاشٌ حام وإتهامات متبادلة بين الكتاب والصحفيين العراقيين والعرب ومن خلفهم النظم والأحزاب السياسية حول "عروبة العراق" و"التدخل الإيراني" في شؤونه الداخلية. فبعيد تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن "التغلغل الإيراني في العراق" ولومه الأميركان الذين "غضوا الطرف" وأهملوا خطورة دور وإتصالات إيران في البلاد ليؤدي كل ذلك في النهاية إلى "تسليم البلاد للإيرانيين"، على حد ما ذهب إليه الفيصل، كثرت التحليلات العربية في الإعلام العربي حول "الإختراق الإيراني" ودور العرب لصده، والأهم: القوى العراقية التي تحتضن مثل هذا "الإختراق" وتقدم الدعم والمخبئ لمنفذيه...
والحال، أن التدخل الإيراني أو غيره في شؤون العراق قائم، كما إنه ليس وليد هذا اليوم. وثمّة أسباب ومقدمات كثيرة ومتشعبة أدت لبروز دور طهران في العراق وبشكل خاص في جنوبه، وتأثير ذلك "الدور" في ماهية وطبيعة جزء كبير من التكوينات السياسية العراقية التي تتحكم في جزء كبير من الشارع الشيعي العراقي، وكذلك في شكل ولون النظام الآتي في العراق الجديد...
فكبرى التنظيمات الشيعية العراقية خريجّة طهران ولها علاقات واسعة مع كبار رجالات "الثورة الإيرانية" وتتجه إيديولوجياً صوب القبلة الإيرانية، طارحة شعارات وأجندة تقترب كثيراً من ركائز "ولاية الفقيه" وتأخذ شكلاً لما يمكن أن يٌسمى بعينة تصديرية/تصغيرية من "الثورة الخمينية الإسلامية" المعروفة تلك.
والمتأمل في إسم(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) وخطابه الديني/المذهبي المتشبث بمصلحة المذهب كأولوية إستراتيجية في عراق ما بعد صدام والبعث، سيجد حتماً دفعاً إيرانياً ذو تأثير كبير في تحديد الأجندة السياسية لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات الدينية الشيعية.
أما في الطرف السني، فهناك غياب كامل لمشروع وطني متوافق لمرحلة مابعد صدام. فالسنة لم يعوا بعد أن الواقع قد تغير وأن إحتكاريتهم للسلطة والإدارة في بلد لايشكلون أكثر من 20% من سكانه ذهبت مع الريح العاصفة، وأنه حان الوقت للمشاركة في صنع القرار وإدارة الدولة وليس الإنفراد بها وإقصاء الآخرين
والمتأمل في الخطاب السني العراقي ومنذ بداية تحرير العراق من نظام صدام ومقابره الجماعية، سيلاحظ تراجع وإنسحاب الخطاب الليبرالي العلماني بين هذا المكون وتصدرّ نخب الإسلام السياسي السني الراديكالي وبقايا البعث العربي القومجي للمشهد العراقي السني. وعليه، أختفت أسماء ليبرالية وقومية معتدلة مثل الدكتور عدنان الباجه جي، ونصير الجادرجي والشريف علي بن الحسين رئيس (الحركة الملكية الدستورية) وغيرهم. بينما قفز للسطح مجموعة من رجال الدين من الأخوان المسلمون و(جماعة هيئة علماء المسلمين) و(مجلس الحوار الوطني) و(الوقف السني) وهم كلهم من أنصار البعث البائد أو من المنتفعين بتوزيعاته الظالمة، والبقية ما هم سوى ثلة من أصحاب التكايا أمنّت لهم "ديمقراطية الإحتلال الأميركي" الخروج من زواياهم لتصدر المشهد السني العراقي في معمعة السجال من أجل "التوافق" و"حقوق السنة" وكذلك "عروبة العراق" التي يتباكى عليها العربان من مٌرسلي ومٌجهزي "طرود الموت" الآتيين لتدمير العراق من كل فج عميق...
العراق يتجه نحو التطرف الأصولي، وثمّة تشبث من لدن الشيعة والسنة بالخطاب المذهبي وإستدرار الدعم الإقليمي بحجة حماية كل طرف للمذهب الذي يشترك فيه أو يشكل إمتداداً حضارياً له. فالدول العربية السنية لاتخفي دعمها للعرب السنة، وهناك مجاهرات يومية بذلك(من نوعية تصريح وزير الخارجية السعودي) ناهيك طبعاً عن الدعم (والتحريض الدائم..) الذي توفره وسائل الإعلام العربية للعرب السنة، والأقلام التي تصب الزيت على النار لعرقلة العملية الديمقراطية في البلاد، ولتبرير جرائم الإنتحاريين وفلول البعث في قتل المدنيين العراقيين من الشيعة والكرد...
عمرو موسى، الذي قيل إنه يستعد حالياً لزيارة العراق، قال "إن الحرب الأهلية في العراق وشيكة"، وهو بذلك يٌعبر عن مرحلة وصل إليها العراق بفضل التدخل العربي في شؤونه بعد رفض العرب إسقاط الولايات المتحدة لنظام صدام وكل العملية السياسية التي تلت تلك المرحلة من تأسيس (مجلس الحكم الإنتقالي) و(الحكومة الإنتقالية) و(الإنتخابات) و(الدستور) و(الفيدرالية)، وتأليب إعلامهم ورجالاتهم من الكتبة والمرتزقة للشارع العربي(الغوغائي: كما يجب علينا أن نتذكر دائماً) ضد العراقيين المندفعين لبناء بلدهم.
مايشهده العراق حالياً من عمليات أرهابية تطال أرواح أبنائه، من تلك التي يقوم بها أرهابيون عرب دفعتهم البروباغاندا العربية للموت والإنتحار بعد حشو أدمغتهم بالكذب ولوي الحقائق، تتحمل مسؤوليته الأنظمة العربية الديكتاتورية، كما يتحمل جزء منها الخطاب المذهبي المدمر لبعض التنظيمات العربية العراقية، والذي سوف يقود البلاد إلى الهاوية ويجعل من "الحرب الأهلية الوشيكة" التي نادى بها السيد عمرو موسى متكهناً،أمراً واقعاً لامفر من الإقرار به....
صحافي كردي مقيم في ألمانيا
[email protected]
التعليقات