يتساقط يومياً عشرات الناس العراقيين من نساء ورجال وأطفال وشيوخ، سواء في شوارع العراق أم في بيوت الله أم في بيوتهم الخاصة أم وهم في طريقهم من مدينة إلى أخرى. لا ذنب لهؤلاء الناس سوى كونهم من أبناء وبنات العراق من عرب وكرد وتركما ومن مختلف القوميات، ولأنهم يؤمنون بهذا الدين أو ذاك وبهذا المذهب أو ذاك أو بهذا الفكر أو الرأي السياسي أو ذاك ولا يتفقون مع الإرهابيين في ما يفعلون ولا يؤمنون بما يؤمن به الإرهابيون، إذ لا يمكن أن يكون لهؤلاء أي إيمان سوى القتل والتخريب والدمار. إنهم الجريمة بعينها ويمارسون يومياً باسم الدين الإسلامي مرة، وباسم القومية العربية مرة أخرى، وباسم مناهضة الاحتلال مرة ثالثة. والحقيقة أنهم بعيدون عن الدين والقومية والاستقلال والسيادة الوطنية. وليس في ما نقوله تجاوز على الحقيقة أو انتهاك لحق إنسان، بل هو التعبير المباشر عما يقوم به المجرمون البائسون في العراق من قتل وتشريد وتخريب مستمر. ومن لا يصدق ذلك عليه العودة إلى أفعال هؤلاء في مناطق مختلفة من العراق وحيثما أمكنهم ذلك أولاً، وأن يعود إلى مواقعهم الإلكترونية الناطقة باسم جميع أصناف المجرمين من بعثيين صداميين وقاعديين وزرقاويين إسلاميين مارقين وقوميين شوفينيين حاقدين على الشعوب كلها، بمن فيهم شعبهم العربي لأنه لا يستجيب لرغباتهم وشهواتهم وما ينسجون.
من يتابع المواقع الخاصة بقوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية، كالقاعدة مثلاً من جهة، ومواقع قوى حزب البعث العربي الاشتراكي المرتبطة بقوى صدام حسين، كموقع البصرة مثلاً من جهة ثانية، سيجد نفسه أمام خطابين سياسيين يتسمان بالعنف والشراسة الدموية والكثير من الحقد والكراهية إزاء المجتمع العراقي وإزاء الإنسان كفرد والرغبة في القتل والتحريض عليه، وبالتالي فهما لا يختلفان في المضمون والمحصلة النهائية وأن اختلفا أحياناً في استخدام بعض الكلمات والمصطلحات الخاصة بكل منهما وبالدولة التي يريدان إقامتها في العراق، وكلا الدولتين لن تكونا سوى دكتاتورية الرعب والموت والفاقة الثقافية الإنسانية لا غير.
ويشعر الإنسان وهو يقرأ مقالات هذه المواقع، وهي كثيرة، بأن هناك تحالفاً شريراً واسعاً حقاً يضم إليه قوى عراقية وعربية وإسلامية غير عربية هدفها جعل العراق ساحة أمامية متقدمة لحرب إرهابية دموية واسعة النطاق وطويلة الأمد، ليست موجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أو ضد الأمم المتحدة فحسب، بل موجهة بالأساس ضد كل ما هو مدني وعلماني وعقلاني في المجتمع وفي الحضارة الإنسانية الجديدة من جهة، وتهدف إلى توسيع المعركة الجارية في العراق والدفع بها إلى الدول العربية وبقية دول المنطقة بأقصى سرعة ممكنة من جهة أخرى، بحجة محاربة الاستعمار وإسرائيل. وهما شعاران مزيفان حقاً لأن هذه القوى كانت بالأساس من نتاج الهيمنة الاستعمارية السابقة على العراق والدول العربية ودول المنطقة، وهي وليدها الذي تغذى على دعمها سنوات طويلة.
يمكن للإنسان أن يعود إلى تاريخ جميع تلك القوى السياسية التي ترفع اليوم شعارات مكافحة الاحتلال وتمارس القتل والتشريد والتخريب في العراق، سيجد أنها كانت قبل ذاك حليفة أو مطية لبعض تلك القوى الدولية التي مارست الاستعمار والهيمنة الفعلية على المنطقة، وليس أدل على ذلك من واقع التحالف الذي تبلور بين الولايات المتحدة وقوى الإسلام السياسي المتطرفة التي خاضت الحرب في أفغانستان والتي شكلت فيما بعد قوى تنظيم القاعدة والجهاد التابعة للظواهري، أو تلك القوى التي نشأت لتحارب الحركات الوطنية التحررية باسم مكافحة الشيوعية وجاءت إلى الحكم بقطار أمريكي.
لا نأتي بجديد عندما نؤكد بأن جميع قوى الإرهاب الفاعلة في العراق، سواء أكانت إسلامية سياسية متطرفة، كما في تنظيمات القاعدة والزرقاوي وأنصار الإسلام ومن لف لفها، أم جماعات البعث الصدامي وبعض القوى القومية العربية الأكثر شوفينية والأكثر سقوطاً في مستنقع الكراهية والحقد والعدوان، تجد الدعم والتأييد عراقياً وعربياً وإسلامياً وعلى نطاق واسع، من القوى والدول التالية:

في العراق هيئة علماء المسلمين:
الكثير من أفراد هذه الهيئة وقبل تشكيلها كان يرتبط تنظيمياً بحزب البعث العربي الاشتراكي، وهو خط حزبي تنظيمي ارتبط مباشرة بقيادة البعث قبل سقوط النظام من خلال عزت الدوري وأخذ على عاتقه ممارسة الدور المناسب له في مواجهة الوضع الجديد وحصل على المبالغ الكافية من قيادة البعث في حينها لتكون تحت تصرف نشاطها السياسي الموجه لصالح استعادة البعث لقواه ومواقعه في العراق. كما أنها تضم قوى سياسية دينية ذات خلفية قومية وطائفية سياسية معادية لكل ما هو جديد وحضاري وعلماني. وعن هذه الهيئة نشأت مجموعة من التنظيمات بتسميات إسلامية وقومية مختلفة تنظم العمل الإرهابي لصالح البعث والقوى القومية اليمينية المتطرفة وبأسماء إسلامية متنوعة. والخطورة التي يلاحظها الإنسان أن هذه القوى تعلن تأييدها للمقاومة، وهي تعرف أن ليست هناك مقاومة سوى القوى الإرهابية العراقية التي يقف وراء تنشيطها حزب البعث وأجهزته الأمنية وفدائيي صدام، وكللك قوى الإسلام السياسي المتطرفة لجماعات بن لادن والظاهري والزرقاوي وغيرهم. والمشكلة الأكبر أنها تدعي تمثيلها لسكان العراق العرب من أتباع المذهب السني والتي تساهم بدورها في تعميق الانشطار السياسي في صفوف الشعب إلى سنة وشيعة وإلى أديان ومذاهب أخرى وإلى صراعات ونزاعات لا يمكن تقدير عواقبها الوخيمة.

أما على الصعيد العربي:
تقف سوريا وأجهزتها الأمنية المخابراتية في الصف الأمامي حيث تجد التنظيمات الإسلامية والبعثية والقومية موقعاً أساسياًً يستخدم كنقطة انطلاق مركزية باتجاه العراق أولاً ومن أجل حصولها على كل الدعم المطلوب لتنفيذ العمليات في العراق. والقوى الفاعلة في هذا الإطار هي قوى بعثية وقومية وإسلامية سياسية قادمة من العديد من الدول العربية، ومنها قوى سورية وفلسطينية ولبنانية ويمنية وسعودية ومصرية ومغاربية ...الخ. وبقدر ما تؤكد سوريا إنها بعيدة عن دعم قوى الإرهاب، بقدر ما تزيد أجهزة الأمن والمخابرات السياسية السورية من دعمها المباشر وغير المباشر للقوى الإرهابية الفاعلة في العراق لتزيد من هجماتها الوحشية على نساء ورجال وأطفال العراق. ولا تشارك الحكومة السورية وحدها بدعم الإرهاب، بل تقوم به قوى سياسية أخرى ترتبط بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي تنخرط فيها قوى متنوعة، ولكنها كلها ممن كان يطلق عليها في العراق مصطلح (موافج) (نعم) لكل ما تقوم به الحكومة أو الحزب الحاكم أو الفرد الشاب الذي تحول إلى لعبة بيد المستبدين من تركة والده وليصبح تدريجاً مستبداً شرساً كالآخرين في نظامه.

وعلى الصعيد الإسلامي:
تشارك بعض الدول والمنظمات والهيئات الإسلامية في المعركة الجارية في العراق، سواء أكانت تلك المشاركة رسمية، مثل إيران، أم غير رسمية، كما في مشاركة عدد غير قليل من القوى الإسلامية السياسية المتطرفة في عدد مهم من دول العالم، ومنها السعودية وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا، إضافة إلى قوى إسلامية سياسية تعيش في عدد من دول الأوروبية... الخ. وتقدم هذه الجهات الدعم السياسي والإعلامي والمالي وكذلك بالرجال وتسريب الأسلحة والمتفجرات.
وعلى الصعيد الدولي:
علينا أن نعترف أيضاً بأن هناك قوى سياسية يسارية أوروبية في إطار ما يسمى بالقوى المعادية للإمبريالية وقوى أنصار السلام، التي تقف في خط مناهض للولايات المتحدة، تنسق نشاطاتها المناهضة للولايات المتحدة في العراق مع كل القوى الإرهابية دون استثناء وتجمع لها التبرعات (10 أويرو من كل شخص) بحجة أنها موجهة لدعم "المقاومة في العراق!". وهي مصابة، كما يبدو لي، بفقدان البصر والبصيرة وفقدت بوصلتها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي عاجزة اليوم عن التمييز بين قوى الإرهاب وقوى المقاومة. إن هذه القوى تتعاون مع جماعات بعثية كانت تعمل في منظمات المغتربين التي أسستها السفارات العراقية في خارج العراق وبالتعاون مع منظمات حزب البعث العربي الاشتراكي منذ بداية حرب العراق ضد إيران. وأنها كانت تشكل الطابور الخامس في الجاليات العراقية وتقدم المعلومات لأجهزة الأمن العراقية عن المعارضين للنظام لكي يسلط الاضطهاد على عوائل المهجرين والدارسين من العراقيين في الخارج. وفي أوروبا توجد الكثير من المنظمات الإسلامية المتطرفة التي تقوم بممارسة التأييد لما يجري من إرهاب في العراق من خلال إرسال انتحاريين وجمع الأموال والتحريض على الإرهاب وتنظيم التجمعات ودعوة دعاة الإرهاب إلى الخارج للدعاية له، كما حصل أخيراً في دعوة نقابيين عراقيين يمثلون قوى الإرهاب للدعاية في ألمانيا وفي غيرها من الدول الأوروبية. وقد اكتشفت السلطات الألمانية حقيقة هؤلاء فأوقفت نشاطهم ورفضت تمديد إقامتهم فيها.

القتل الإجرامي وفكر القتلة:
أصدر تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في الآونة الأخيرة بياناً يعلن فيه عن ارتكاب جريمة اعتقال 15 عراقياً يعملون في القوات المسلحة العراقية وقتلهم باعتباره حكم الله فيهم. جاء في البيان ما يلي: "فقد قام إخوانكم في الجناح العسكري لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يوم الخميس 1 من شوال 1426الموافق 3/11/2005 بأسر خمسة عشر مرتدا من الحرس الوثني في عامرية الفلوجة أثناء عودتهم لقضاء إجازتهم ، وقام إخوانكم بإقامة حكم الله فيهم، ولله الحمد والمنة والله أكبر الله أكبر ..ولله العزة ولرسوله وللمجاهدين". (موقع الأخبار العالمية)
إن هذه الجماعة التكفيرية التي تتهم مسلمين عراقيين بالوثنية والإلحاد ليست سوى جماعة رخيصة ومعادية للإسلام ومبادئ الإسلام، إذ من غير المعقول وليس من الإسلام أن يقرر هذا الفرد أو ذاك بإسلام هذا الإنسان أو ذاك. وليس هناك من يحق له أن يتحدث ويقرر بهذه الوقاحة باسم الإسلام. وهذه الجماعة من القتلة هي التي تتحالف اليوم مع البعثيين ومع جمهرة من القوميين وتحصل على الاحتضان والتغطية على أفعالها وتأمين الدعم لها.
لم تكن تصريحا وزير الدفاع العراقي سليمة وبعيدة عن رؤية إنسانية، رغم عدم إنسانية المحرمين القتلة، بل كانت خاطئة ومضرة، حين يقرر وزير الدفاع أن يهدم بيوت الناس على رؤوس العوائل والأطفال بالنسبة لأولئك الذين يحتضنون إرهابيين في بيوتهم. ولكن عليه أن يدرك بأن عدداً غير قليل من العوائل في المناطق التي يشتد فيها الإرهاب أصبحت رهينة بيد الإرهابيين أولاً، وخاضعةً لقرارات ومواقف هيئة علماء المسلمين التي احتجت على تصريحات وزير الدفاع لا لأنه يهدم البيوت على رؤوس الناس، بل لأنه يعني محاربة المقاومة، وهو المصطلح الرديف لديهم للإرهاب في العراق. وهكذا كان موقف البعثيين والقوميين الذين يعملون علناً تحت هذه التسميات ويدخلون في تحالفات سياسية ذات طبيعة لا تبتعد عن هيئة علماء المسلمين.
ويقع على عاتق الحكومة وكل القوى السياسية العراقية النظيفة أن لا تكتفي بالنشاط العسكري، فهو وحده غير كاف بأي حال، بل عليها أن تمارس العمل الفكري والسياسي الإعلامي الواسع النطاق لفضح القوى التي تقف وراء النشاط الإرهابي وتقره وتسعى إلى دعمه. عليها أن تكسب الناس إلى جانبها لقطع خطوط إمداد الإرهابيين بالرجال والأموال والسلاح. إن المحنة التي يعيشها العراق لن تدوم طويلاً وستنتهي لا بد من ذلك وسنردد مع الشاعر العربي الذي قال يوماً:

وستنقضي الأيام والخير ضاحك يعم الورى والشر يبكي ويلطم

بيان من تنظيم القاعدة يتبنى أسر خمسة عشر مرتدا من الحرس الوثني وإقامة حكم الله فيهم

بسم الله الرحمن الرحيم
يا رب سدد الرمي وثبت الأقدام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد قام إخوانكم في الجناح العسكري لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يوم الخميس 1 من شوال 1426الموافق 3/11/2005 بأسر خمسة عشر مرتدا من الحرس الوثني في عامرية الفلوجة أثناء عودتهم لقضاء إجازتهم ، وقام إخوانكم بإقامة حكم الله فيهم ، ولله الحمد والمنة
والله أكبر الله أكبر ..ولله العزة ولرسوله ولمجاهدين

أبو ميسرة العراقي
(القسم الإعلامي بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)