سبق لي ان اشرت في مقال سابق نُشر منذ ايام، الى إكتشافي لعميل كان يقبع بيننا متخفياً في زي خبير عسكري لاحدى القنوات الفضائية إبان حرب الخليج الأخيرة (والتي لا أعرف ترتيبها بين حروب الخليج) ذلك ان حروب الخليج صارت، بفضل صدام وإصطداماته، اكثر من الهم على القلب وصار عددها في الليمون. كان سبب اتهامي لذلك الرجل بالعمالة هو انه كان في تحليلاته لوقائع الحرب ينحو منحاً يختلف عما تعودناه من محللينا الذين كانوا يملأون الفضائيات وقت الحرب. فقد كان الرجل واضح الرؤية، مباشراً في كلامه،ويسمي الأشياء بأسمائها ويسبر اغوار الموضوعات مباشرة ولا يلف ويدور حولها حتى يُنسينا أولها، كما كان يناقش ويحلل مجريات الحرب بحسب الوقائع التي تحدث في الميدان فعلاً، لا تلك المُتَخَيَّلة او المرجُوة او المُؤلفة، وواضح إن مثل هذا ألإسلوب مخالف لما كان يفعله محللونا غير العملاء، وهذا ما جعلني اتهم ذلك الرجل بالعمالة والخروج عن نهجنا.
وكما تعلمون اننا في عالمنا ألإسلاربي (الإسلامي والعربي)، لا نغير رأينا أو فكرنا مهما تكالبت المصائب ومهما ظهر على الأرض من واقع جديد ومختلف. وعندما نقول إن هذا الشئ ابيض، فهو أبيض وسيظل ابيض حتى إذا تداخلت عليه جميع ألوان الدنيا، وكذا إذا قلنا عليه أسود. والثابت عندنا لا يتحرك أبداً حتى إذا تحركت الجبال والمتحرك لا يتوقف أبداً حتى إذا توقفت حركة الشمس الظاهرية.
وكما تعلمون أيضاً أننا متميزون عن بقية العالم بأننا نصنع الحقيقة أولاً، ثم (نشبط) فيها ونعض عليها بالنواجذ، و(نُكلبِش) فيها بأيدينا وأرْجلنا وأسناننا، ورأسنا والف سيف لن نغيرها أو نتراجع عنها حتى إذا تحدثت هي بنفسها ـ أي الحقيقة التي نفترضها ـ عن خطئها وختلها، بينما العالم من حولنا عندما يفترض أو يتخَيَّل أو يعتقد إن هناك شيئاً يُمْكن أن يكون حقيقة، فإنه يبدأ بالدراسة والملاحظة والتجربة وألإختبار لإثبات إن هذا المُفترض حقيقة أم لا، ثم يتعاملون مع الأمر حسب النتائج الحقيقية المنبثقة عن تلك الدراسات. أما نحن فلماذا نُزعج انفسنا بمثل هذه الدِراسات والمتاعب وعندنا الآلاف ممن يعرفونها وهي طائرة، (كالعنزة عندما طارت تأكدنا وإزدننا يقيناً بأنها عنزة). وإذا عندنا مثل هؤلاء فلماذا المتاعب ووجع الدماغ، فكل شيئٍ جاهز، وماعليهم إلا إخراجه بكلمة واحدة أو جملة قصيرة من كتابٍ اخضر أو أصفر أو أي لون وما أكثرها عندنا، وبعد ذلك ما علينا إلا (الكلبشة) والتي تستمر إلى أبد ألآبدين.
سبب هذا الكلام وربطه بهذا العميل المذكور هو اننا في أيام الحرب كنا على يقين من إنتصارصدام على بوش حسب كل الآراء عندنا إلا القلة (المارقة) ومن بينها هذا العميل. فهؤلاء كانوا يستخمدون منظاراً غير ذلك الذي كنا نستخدمه ويرون عكس ما كنا نرى. فبينما كان جمعنا متأكداً من الإنتصار على الامريكان والبريطانيين...... واليهود!.!!!!!!.. كانوا هم يزعمون بأنها حرب غير متكافئة ونتيجتها معروفة.
وبعد ان انتهت الحرب وحدث ما حدث لا نعرف بالضبط هل هي إنتصار أم هزيمة ؟ ولِمن ؟ فهتافيتنا تقول بأنها إنتصار لنا وهزيمة لامريكا، ومن يقف ضد هذه الهتافية من(المارقين) يقول إنها إنتهاء لمرحلة مظلمة من تاريخنا المظلم، و فرصة لبداية صفحة جديدة، ويرون انه من الضروري إستغلال وإستثمار هذه السانحة لكي ننقذ العراق وشعبه من المعاناة والبؤس، ولكننا نرد عليهم بأنهم إنبطاحيون. وفي اثناء ذلك الناس في العراق يعانون، ويستغيثون ويموتون، بأيديهم غالباً وبأيدي عمرو نادراً، وما زال جدلنا مستمر.وبذلك صرنا في حالة إنعدام وزن ولا نعرف هل نحن منبطحون ام واقفون على أرجلنا. وهل سيأتي اليوم الذي سنخرج فيه من هذه الحالة ؟ وهي الحالة التي تُسمى في المعاجم : (حالة الإنبطاح واقفاً).
المصدر، معجم الاستاذ ثابت احمد هاتف... (والاخيرة لا تعني جهاز التيليفون).

كاتب سوداني