الوعي، الإيمان، التواصل في صالح مصلحة الهوية العليا، والسير بروح المسؤولية، كل ذلك بمثابة ضرورات في طريق تقوية وترسيخ المكانة على نحوٍ ثقافي راقٍ. الهدم والتلاعب في حدودهما المعيقة نقيصةٌ وبلوة ثقانفسية. من يسعى ليعمّ البلاء، لا يَصِلُ، وإن كان له ذلك يصلُ مُنهكاً هشّ الصلابة، مبلياً بنوايا ورغبات هدْمٍ أصيلةٍ تنبش من تحت أسس وأفكارِ المصلحة العليا؛ هَدْمٍ يُورّطُ في الضجّة والمتاه! لكنّ الأفكار، كما عند كارل ماركس، إذا ما تثبت في الأرض تتحول إلى قوة مادية. وإنّ الجدلَ ضرورة، في هذا الشأنِ للارتقاء، ومن الخلُقِ البنّاء جَعْلُ الذاتِ quot;ماديةquot; بالأحرى، أكثر quot;صلابةًquot; وquot;صموداًquot;؛ وهي الصفة التي كان ج. دريدا قد حمَلَهَا من هناك وقتَ اعتبر quot;أن نظرية النصّ التي يعمل عليها هي مادية، ولا يُقصد بالمادية حضوراً للمادة، وإنما صمود النصّ أمام كل محاولة لاحتوائه، والاحتواء هو مثالي دائماquot;. بنحو ذلك، وبإسناد آخر: quot;إذا كان التفكيك مدمر حقا، فليدمر ما شاء من الأبنية القديمة المشوهة من أجل أن نعيد البناء من جديد .quot;بنحو السلوك المنهجي هذا، إنما ندعو الوعي فينا أن ينتج كلمته الفاضلة في طريق البناء، وهو في حالة الزعل والحرد والمخاض هذه، لا وهو في نسبية الأشخاص المحسوبة على الوعي والحرص والتعدّد، وهي أقل من أن تحصل على ذلك. على الوعي المشترك، حمّالِ الثقافة والأدب أن يتقاطع ليلتقي، أن يَصمدَ في وجه الدسائس ومعاول كلّ الهدم الذي لا يتجاوز نفسَه لبنائها. هذا المكان الخاصّ quot;غزّةquot; في هيبةٍ ورهبةٍ تاريخية، من أجل ذلك وفي ظل ذلك، ينبغي الكَوْنَ بمستوى الحدثِ، بالتشكّل القادرِ المساهِم على نحوٍ ايجابي. لنا طاقةٌ بوصفنا نخبةً تشرق خلال نوافد المبنى. ويجب أن تستجيب الطاقة لضروراتِ التعاضد والتناغم مع أطراف وكينوناتٍ ثقافية في إطار رفعة الحضور العام للظاهرة الأدبية في فلسطين إلى خارجها. إنّ المفرداتِ التي نقترحها تسمياتٍ وعناوينَ تخصّنا، لهي في الأصل، قبل تخصيص ماهيتها بتصوراتٍ وأفكارٍ خاصّة؛ بمثابة وقائع توجد في مؤسسات اللغة، الدلالة، والأداء بوصفها علاماتٍ متعددةً وفاعلةً تنفي عنها، وعلى الدوامِ، الثبات كـquot;تجريبquot; وتصيغ كتلة الوعي المتحركة في مصلحة التصحيح، إذا صدقت النية، كـquot;الرابطة أو التجمّعquot;، مثلاً. هذان: نفي الثبات وتكتيل الوعي، بظاهرهما المتفارق، يكون لهما السمعة الحسنة في الاقتراح والبلورة، بشرط الإشراق في طريق الهوية العليا، والسعي دون شرذمة الوعي الشريك في بناء الاسم الثقافي الواحد. والمساهمة، عبر ذلك، في التغلّب على ثقافة الكنتونات التي سعت في عكسها ثقافة سلطة الآخر. بذلك نريد لتصوراتنا وأفكارنا أن تَصُبَّ في غاية المصلحة والصورة العليا المُشرّفة، وأن تكون صفةُ الصلابة لوعي مشتركٍ واحد.
لبّ الأمل هو في ضرورة استثمار خاصّياتنا كجيل طليعي قادر مؤهّل للنهضةِ ولتجاوز الضيق والمحدود بالاستمرارِ، وبالإضافة المعبّرة. كل وعي جادٍّ يتطلع، في اللحظة الراهنة، إلى بذل الطاقة بغية خلقِ انطلاقات وسيرورات وبنيات على أسُسٍ ومداميك صلبة، بالنظر، من خطها العالي، في المنجز والبحث فيه، والعمل فيما نحن كذلك، على ردّ الاعتبار للنخبوي المهمّش، وإعادة القول في سيسيولوجية البنية الثقافية. لا يناسب حجمَ المناشدة أن تَشْغَلَ الدعوةُ والعملُ حيّزاً ورقماً ضيئلاً بحساب التاريخِ تجثم عليه العطالةُ لاحقاً. الاستثمار، الإضافة، والامتداد جوهرُ الوعيِ الكافي وصفاته في هذا المضمار. من هذا الكافي، إذن، تنبت ضرورة حفاظ الثقافي على جوهرهِ وصورته المعنوية الصلبة والقادرة على التمتع بالتقدّم والتطوّر، حفاظاً منوطاً بشروط التمتع بهبة الانتماء وروح المسؤولية، وجمرة الإبداع وفضائل الحرص من قبيل درء ردات الفعلِ المعيقة والمربكة، والسير في مظلّة عناوين وخطوط واضحة لها نية جادة في الملامسة والتجذّر؛ وليس تهافتاً على تسجيل وإنتاج ردّات فعلٍ ضالة ومشوّشة. إن التحرّكِ على أية حالٍ، في خدمة quot;الهامشquot; حتى يصبح منظوراً إليه quot;قوةًquot; تعبّر عن مطالب نخبة الهامش وتحرزها في الوقت ذاته، لهو خيرٌ؛ لكن، بعيداً، في الوقت ذاته، عن التجسيدات والتلكؤات والدسائس والحساباتِ المكشوفة لمصلحة الأطرِ والأحزاب النقابيةِ والسياسية، وبعيداً عن الفرديات المعتكفة في ظلال التفرّد الممجوج. وسيكون الخيرُ كلّه في الدلالة حين الخروج من حالة الزعل والحرد والمخاض بنتيجةٍ تدفع بوصفها إمكانياتٍ بالهامش إلى المشاركة المنتجة في ظلّ فهمٍ واضح للفرق المطلوب بين ثقافة السلطة، وسلطة الثقافة. ولعله ليس من باب التحريض مطالبة الجميع بدلق النوايا في فترة المواجهة الآن، فهي بحاجة لجهدٍ ووقتٍ إضافيّين ناضجين وقادرين على استخلاص العبر والنتائجِ بغية الفرز أولاً، ومعالجة الثقة بالذات وتحسين ظروف وأدوات وأدوار العمل الثقافي النخبوي، والعمل بالشراكة، و الرعاية الحميدة في المضمار.
التعليقات