في قضية شغلت البلاد والعباد خلال الأسابيع الماضية حتى ظن المرء منا أنها لن تنتهي، و لكنها أخيرا انتهت وبتقليدية معتادة حيث تراجع الشيخ الجليل عن موقفه البطولي الذي صفق له أرباب الليبرالية الإسلامية الجديدة ظنا منهم أنها تحول محمود في عقلية الشيخ العتيد الذي لمع نجمه ثانية بعد أن كاد أن يختفي!! هو شيخ عرف بالنجومية المطلقة في كل صغيرة وكبيرة تجده حاضرا بذهنيته العبقرية ليدلي بدلوه فبات المفضل لدى المرشحين في الانتخابات النصف ديموقراطية الأخيرة وأيضا حينما أطلق دعوته الشهيرة للرئيس نيلسون مانديلا لاعتناق الإسلام.
نعم انه من مشائخ السوبر ستار كما يصف البعض عمرو خالد والسويدان وغيرهم من الدعاة الجدد الفرق انه لبس ثوبا ليس بثوبه و ذلك بالطبع مما أزم الموقف واستدعى تدخل المفتي العاجل ليحسم الخلاف ! فقد قامت الجميلة المخرجة السعودية هيفاء المنصور بتوثيق التجربة النسوية وتغيراتها المحلية وحيث أن الشيخ الجوكر حاضر لمثل تلك الفتاوى المعلبة التي ما أن تفتحها حتى لا تعود صالحة للاستهلاك فقد وافق على استقبالها مع الطاقم من مصورين ومسئولي إضاءة، نعم وافق الشيخ الجليل وتحدث بأريحية كبيرة لحصد مزيد من النجومية ولكنه هذه المرة لم يحسب حسابها، فقد قامت هيفاء بعرض مقطع له يناقض حديثه الحداثي بجواز كشف الوجه!
فاهتزت الأوساط الشعبية وجازف الإعلام السعودي بحرق الأوراق فاستضيف الشيخ واستضيفت المخرجة كما تم لومها على إبراز مثل ذلك التناقض وأنها بذلك قد حرقت فرصة ثمينة كان من الممكن أن يستفيد منها الليبراليون في تمرير اجندتهم والنساء المقموعات اللواتي ينتظرن من الشيخ الفذ أن يسمح لهن بكشف الوجه الذي هو عورة شرعية إن كشفته في حضرة الرجال قد ينحرف الكون عن مساره!!
يقول الشيخ القرني في خطابه "إزالة إشكال" على موقعه الخاص على الإنترنت ويبدو من مدلولات العنوان وكأن خطاب الرد المعاكس كان جاهزا للاستهلاك قبل حدوث موجة الاعتراضات العارمة !! (فكشفاً للبس وإزالة للغموض حول مسألة قولي في حجاب المرأة المسلمة، فأحبُّ بيان ذلك في مسائل :
الأولى : أنه جاءني فريق عمل متكامل من الإعلاميين والمصورين وغيرهم، ورأيتُ في المشاركة في هذا البرنامج مصلحة في مخاطبة شعوب وأطراف لم تسمع منا، وهي بأمس الحاجة إلى السماع منا اليوم.
الثاني : جرى حديث عن تغطية الوجه، واختلاف العلماء فيه، وهي مسألة فقهية اختلف فيها السابقون من الأئمة والعلماء، وذكرتُ رأي الشيخ الألباني وغيره في كشف الوجه.
وحيث أن هذا الكلام موجَّه للغرب فالمناسبة والمقام اقتضت ما سبق، وأنا على مذهب الأئمة القائلين بوجوب تغطية الوجه من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين، والعلماء المعروفين في هذا البلد وغيرهم وعلى رأسهم أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء وهيئة كبار العلماء).
في البداية يؤكد الشيخ على تواجد طاقم متكامل من الرجال في حضرة المخرجة هيفاء قطعا لأي شائعة مغرضة تشير إلى الخلوة المحرمة، ليس ذلك بذات أهمية، بل ما صعقني حقا في هذا البيان الهش والمتناقض أن الشيخ الفذ يعتقد أن سكان العالم الغربي ينتظرون من جلالته فتوى تخص كشف الوجه أو تغطيته بقماش اسود ذا فتحتين للنظر والذي أختصره البعض في عصرنا الحديث بفتحة واحدة زهدا وورعا. وهل معنى ذلك أيضا أن الشيخ مستعد لإصدار فتوى عصرية لكل مدينة!! وما حاجة الغربيون لمثل هذه الفتوى وهل يظن الشيخ الجليل أن الغرب يعرف عنه سوى ما قاله في إحدى المحاضرات أن اليهود والنصارى أحفاد القردة والخنازير !! نعم يا سادة فقد انكشف المستور فالشيخ قد أعلن عن استعداده التام للتنازل عن فتوى تناسب العالم الغربي وتجيز لنسائه كشف عوراتهن.
إذا فالشيخ الدكتور القرني يريد أن يقول لنا انه شيخ متسامح مع الآخر الغربي ولكنه ممنهج على الطريقة السلفية ولا يستطيع الفكاك منها، وبعد تجيير بعض الأحاديث وتحييدها لصالح فكره الخاص أضيف المقطع الكارثي الأخير من بيان الشيخ الجليل(ولهذا فالقول الصواب والذي اعتقده وأراه وأرضاه لبناتي وأخواتي المسلمات ستر الوجه، وقد عدتُ إلى كلام أئمة الإسلام وما جمعه شيخنا الشيخ عبدالعزيز ابن باز في رسالته (تحريم السفور) وما ذكره الشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان) وحرَّره الدكتور بكر أبو زيد في (حراسة الفضيلة) والدكتور محمد إسماعيل المقدم في (عودة الحجاب) وهو عين الصواب، وقد خاطبتُ سماحة المفتي ومعالي وزير الشؤون الإسلامية وفضيلة الدكتور الشيخ صالح الفوزان فرأوا إرجاع الناس إلى القول الراجح والصحيح في المسألة هو الأولى، كما أشكر كل من سددني في هذه المسألة من أهل العلم؛ كالدكتور ناصر العمر، والدكتور سلمان العودة، والدكتور عوض القرنـي والدكتور سعد البريك، والدكتور عبدالعزيز الحربي، والدكتور وليد الرشودي، والشيخ راشد الزهراني، والشيخ فهد القاضي، والشيخ عبدالله الوطبان، وغيرهم.
وهذه كلمة أقولها بصدق وقوة أنني ممن يحارب السفور والتبرج الذي يدعو إليه المستغربون، وأنادي بالحجاب والطهر والعفاف والغيرة أمام دعوات أهل الشهوات في مخططهم من استهداف المرأة وإخراجها من حشمتها وحجابها، وقد طرحتُ هذه المقولات فيما يُسمى بنظام العالمي الجديد، ويسمونها حقوق المرأة وقد بيّنتُ في اللقاء المسجل كيف كفل الإسلام للمرأة حقوقها، وأعلى مكانتها، وحفظ كرامتها، فأبرأ إلى الله من كل ما يوافق دعاة التغريب المعتدين على حرمات الإسلام .
فمن هنا أعود علناً إلى القول الصحيح الذي دلَّت عليه النصوص وكلام العلماء، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم).
يضيف القرني قدسية محلية على بيانه من خلال إدراج شخصيات دينية كسماحة المفتي العام الذي أعلن منذ ما يقرب العام من خلال بيان بثته وكالة الأنباء السعودية يخص منتدى اقتصادي ظهرت فيه مجموعة من النساء أنه فسق وكفر عارم، والشيخ صالح الفوزان الذي يرى أن صوت المرأة عورة والدكتور ناصر العمر الذي أعلن منذ وقت قريب في موقعه على شبكة الانترنت "المسلم" رداً على أربعة أسئلة حول وفاة البابا والدعاء له، بأن " البابا" كافر لاشك في كفره، ووصيته وشهادة قومه تؤكد أنه مات على ذلك، وقال الشيخ العمر أنه لا يجوز الترحم عليه، أما لعنه فالصحيح أنه يجوز لعن من مات كافرا، أما " إعلان اللعن والدعاء عليه فتراعي فيه قاعدة المصالح والمفاسد".!! وقد تعمد الشيخ إدراج مثل تلك الأسماء ليعلن للملأ انه قد تعرض لضغوطات لا يحتملها شيخ ضعيف مثله.
كما أن التناقض الفاضح يظهر في نهاية البيان" وهذه كلمة أقولها بصدق وقوة أنني ممن يحارب السفور والتبرج الذي يدعو إليه المستغربون"، " فأبرأ إلى الله من كل ما يوافق دعاة التغريب المعتدين على حرمات الإسلام" . ألم تكن تلك الفتوى العصرية يا سماحة الشيخ موجهة للغرب الذي وصفته في كتابك النير "أسعد امرأة في العالم" طبعة 2003م (بإمكانك أن تسعدي إذا نظرت في ظاهرة واحدة، وهي واقع المرأة المسلمة في بلاد الإسلام وواقع المرأة الكافرة في بلاد الكفر، فهي امرأة متبرجة، جاهلية، سخيفة، عارضة أزياء، سلعة منبوذة، بضاعة رخيصة تعرض في كل مكان، لا قيمة لها، لا عرض ولا شرف و لا ديانة، فقارني بين الظاهرتين والصورتين، لتجدي انك الأسعد والأرفع والأعلى ).
نعم يا فضيلة الشيخ العظيم فالمرأة الغربية تنعم بحقوقها الإنسانية والمدنية وليست رهينة فتوى سماحتكم، هي ليست معملا لتفريخ معتقداتكم وتعليبها للاستهلاك المحلي كما فعلت بعقول نسائنا على مدى عقود، هنيئا لك يا شيخ بتلك العقول المفخخة بالكراهية والاستعلاء، عقول تعتقد أن مسار العولمة والتطور والحضارة يتوقف عند كشف وجهها أو تغطيته ! وننتظركم يا شيخنا الكريم في فتوى معلبة عصرية يفرضها فقه الواقع الغربي الذي ينتظر من معاليكم نداء الواجب الذي تتطلبه نجومية مشائخ السوبر ستار!!.

كاتبة سعودية
[email protected]