علينا في البداية إن نقرأ قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية محاكمة أوجلان في تركيا بأنها غير عادلة،أكثر من قراءة واحدة. وذلك لتداعياته على القضية الكردية في اكثر من وجهة ومجال.
فقد إستحوذ القرار الأوروبي هذا على إهتمام وسائل الإعلام العالمية وأصبحت حيثياته المادة الأولى والرئيسية في الكثير من الصحف العالمية المهمة، وكذلك وكالات الأنباء العالمية كوكالة رويترز والأسيوشيتس برس والبي بي سي، فقد تناقلت القرار الأوروبي وصور المتظاهرين الكرد المتجمهرين امام باب عدالة ستراسبورغ بكل دقة وتفصيل!.
لذلك يمكننا القول إنّ القرار نالّ نصيبه من البث والنشر والإهتمام في الساحة الإعلامية العالمية. يبقى الكرة إذن في الملعب الكردي نفسه،فعلى عاتق الجماهير الكردية تقع إذن مسؤولية تطوير هذا القرار وإدخاله المرحلة المتقدمة التي يصبح معها مفروضاً على الأجندة التركية الداخلية، وكذلك الأجندة الأوروبية لخدمة قضيتتهم الإنسانية العادلة، وهذا هو المهم في الأمر.
كما ينبغي التذكير دائماً،وبشكل خاص حينما يتم تقييم الحصاد الكردي في الأعوام السبعة الأخيرة، إن السيد عبدالله أوجلان،سجين سجن إميرالي حالياً،زعيم كردي قادته الظروف والتوازنات والمؤامرات الدولية إلى السجن التركي النائي هذا.فهو موجود هناك نتيجة نضاله من اجل القضية الكردية والشعب الكردي وليس لمصلحة شخصية نشدها، او لفائدة ذاتية قصدها خلال فترة نضاله الطويلة.
ثمّة طبعاً قراءات مختلفة لآراء أوجلان، وثمّة كذلك بين الكرد من لايعطي معنى كبير لهذا القرار الأوروبي، ولكن يجب على المتشائمين والمعارضين من الكرد شأنهم شأن الموالين، إن يقرؤا القرار من الزاوية المصالحيّة الكردية.فالقرار الأوروبي يتوقف على محاكمة قائد كردي يمٌثل في شخصه القضية الكردية التي تجتهد وتسعى تركيا في إطفاء جذوتها بكل ماأوتيت من قوة.على الكردي إن يعتبر قضية اوجلان قضيته الأولى ويتعامل معها وفق هذا الأساس القومي: منطلقاُ من المصلحة القومية الكردية العليّا طبعاً.
والسيد أوجلان يقول بدوره "إن الفائدة المرتجاة من القرار الأوروبي هذا هو إعطاء دفعة جديدة للقضية الكردية وتسليط الأضواء عليها،لتجد طريقها للحل..كبقية القضايا في العالم.." لذلك ولإلزام الدولة التركية بتطبيق هذا القرار والإنصياع للحل السلمي المٌقدم يستلزم إيجاد موقف كردي موحد يستقطب كذلك، وفي مراحله المتقدمة، المواقف الديمقراطية للقوى التركية والشرق أوسطية. ثمة طرفان في هذه الدعوة: الشعب الكردي والدولة التركية بمؤسساتها الإنكارية الحالية، ومن ورائها التكوينات الحالية للدول الديكتاتورية المستعمرة لكردستان.
الدولة التركية، وعبر كل مؤسساتها بينّت موقفها الرافض للقرار الحقوقي الأوروبي هذا، وكان موقف المؤسسة العسكرية التركية عياناً لكل ذي بصيرة: فقد رفضت القرار الحقوقي الأوروبي وعدت نفسها،وهي الجهة العسكرية، معنية بالقضية وليست طرفاً حيادياً أبداً...!!
فالعسكر الترك يقفون في جهة ويعدون الشعب الكردي نداً لهم في الجهة المقابلة،وهذا يظهر إن الدولة التركية مثلها مثل النظام الصدامي البائد لن تعترف بالحقوق الكردية مالم تتغير كل قواعدها البنائية: كذلك الحال مع النظم المقسمة لكردستان...
الواضح إن تركيا لم تكن تفكر بإعادة المحاكمة مالم يكن القرار أوروبياً، ويدخل في خط المحرمات والخطوط الحمراء الأوروبية،حيث أن أوروبا قد "تفرمل" السعي التركي عند أي حادث خرق،وبذلك تبقى تركيا خارج التصفيات النهائية في سعيها لدخول الإتحاد الأوروبي.
الدولة التركية ستعمد إلى إسلوب المماطلة في حال إعادة محاكمة أوجلان،وربما تستغرق العملية سنوات طويلة.والصمت الذي يلف "المؤسسات العدلية والحقوقية" في تركيا حيال هذا الموضوع يوحي بصدق هذا الظن...
وربما تلجأ الحكومة التركية إلى إفتعال بعض الحوادث ذات الخلفية العنصرية ضد الكرد لحشد وتعبئة الجماهير التركية خلفها وتصوير الأمر وكأنها تخوض حرب تحرير وطنية ضد الكرد وأوجلان!. وهذا أمر مسلم به في أعماق وبواطن العقلية التركية،فنظرة مراجعة لتاريخ الدولة العثمانية الذي دامّ 400 سنة وتاريخ تركيا الحديث منذ أنشائها قبل 80 سنة يكفي للإستدلال على صحة قولنا هذا،فالعثمانيون وأحفادهم الأتراك الجمهوريين لم ينصاعوا للسلام والهدنة في أي وقت إلا تحت واقع الهزيمة العسكرية والتدخل الخارجي، ومن ثم الإنصياع للمعاهدات والقوانين الدولية في لحظات إنكساراتهم:والتي يتمردون عليهم حالما تقوى شوكتهم من جديد..
وبناءً على هذا،يقع على عاتق الأحزاب والمنظمات الكردية المرخصة في تركيا متابعة قضية إعادة محاكمة أوجلان والضغط في هذا الإتجاه بكل الطرق التعبوية السلمية والقانوية.
لقد إقترح السيد أوجلان أثناء لقائه الأخير مع محامييه تأسيس 25 أقليماً في تركيا من الناحية الإدارية: 7 أقليم كردية و18 أقليماً تركياً، وهذا الإقتراح يدخل في خانة السعي الدائم لحل القضية الكردية بالطرق السلمية دون الإفراط بالحقوق الكردية،لذلك لاينبغي إن "يجتهد" بعض الساسة الكرد العاملين في المضمار السياسي "المشروع" في تركيا على "إبتداع" نظريات جديدة الغاية منها إرضاء الدولة التركية ومسؤولييها.
نعتقد إنه ليس من الحذاقة والسياسة أبداً القول إن"الكرد لايحبذون النظام الفيدرالي ، وهم ليسوا طلاب حكم ذاتي، اما الإستقلال فهم لايفكرون فيه البتة"!. وهذا كلام في غير محله وبعيد عن التنظير والتعامل السياسي الصحيح مع الواقع الكردي،فلماذا لايرغب الشعب الكردي في الإستقلال.من قال هذا؟. فالحقيقة أن الكرد ينضالون من اجل تقرير مصيرهم وحكم أنفسهم بأنفسهم: سواء كان الشكل المحدد هو الفيدرالية أو الكونفيدرالية(كما يطرح أوجلان) أو حتى الإستقلال وتأسيس الدولة القومية الكردية الديمقراطية. فإذا كانت الغاية الحقيقية من هذه الطروحات هي المناورة ومدارة الدولة التركية ومراعاة كبرياءها الوطني، وعدم إستفزاز الشعب التركي،فإن للكرد أيضاً كبرياء، وهم يسٌتفزون عند الحديث عن "المدارة" و"الغموض" أثناء الحديث عن حقوقهم.
أولا يكفي الدولة التركية إنها تأسر قائد الكرد في سجونها البعيدة وتعامله المعاملة المهينة لإذلال شعبه في شخصه،لنأتي و"نناور" بفذلكات سياسية لن يصدقها أعداءنا أبداً، كما لن يسامحنا عليها شعبناً كذلك؟!.
صحافي وإعلامي كردي ـ بروكسل
[email protected]
الترجمة من الكردية: طارق حمو
التعليقات