... وفي المقدمة منها جماعة "الأخوان المسلمين"؟

(المقال الثاني)

أغلب الذين تجاوز عمرهم العقد السادس عايش تجربة جماعة "الأخوان المسلمين" في بلدان المنطقة، سواء أكان ذلك في مصر أم العراق أم الأردن أم في سوريا .. الخ، وعايش السياسات والمواقف التي اتخذتها هذه الجماعة والعنف الذي مارسته إزاء القوى السياسية المختلفة. ويمكن تأكيد حقيقة أن هذه الجماعة رغم مرور ما يقرب من ثمانية عقود على نشأتها، فأنها لم تغير من برامجها وسياساتها ومواقفها إلا لأسباب تكتيكية صرفة ولا يرتبط ذلك بأي حال باستراتيجية الجماعة، فهي ثابتة ولم تغيرها الأحداث والتحولات الجارية في العالم وعلى صعيد المنطقة. وهي قضية مرتبط بالمنبع الفكري الذي تنهل منه، منبع جماعة أهل النقل الأكثر أصولية وسلفية وتشدداً.
أدرك بأن هناك تحسساً لدى جماعة الأخوان المسلمين، كما هو لدى جميع الأحزاب والقوى السياسية في المنطقة، بأنها أصبحت غير قادرة على العيش والعمل وفق القواعد القديمة، وأن العالم لم يعد قادراً على قبولها وفق الأسس السابقة، وأن عليها أن تجد طريقاً لتغييرات داخلية معينة. ولكني أعرف أيضاً بأن عملية التغيير في هذا الحزب لا يمكن أن تتم ما دام الحزب متمسكاً بالقاعدة الأساسية التي لا يريد التخلي عنها، قاعدة اعتبار الدين والدولة وجهان لعملة واحدة لا ينفصلان، وهي كافية للتعبير غير المباشر عن حاكمية الله، إضافة إلى الأسس الأخرى التي يعتبر التخلي عنها خروجاً عن الإسلام في فكر جماعة الأخوان المسلمين. وإذا ما تخلت عنها، فأنها لم تعد عند ذاك نفس الحزب الإسلامي السابق، وعندها تكون حزباً سياسياً آخر في مقدوره المشاركة في الحياة السياسية ويخضع لقواعد العمل الديمقراطي وعملية تداول السلطة بصورة سلمية وديمقراطية عبر صناديق الاقتراع.
إن التحولات التي جرت في الحزب الحاكم الراهن في تركيا ووصوله إلى السلطة بعد أن أجرى بعض التغييرات في سياساته ومواقفه الداخلية، هي التي تحرك جماعة الأخوان المسلمين للقبول النسبي بالتغيير، ولكنها عاجزة عن تحقيق ذلك حتى الآن ولن تحققه، لا لأني لا أريد لهذه الجماعة التغيير، بل لأن نهجهم وسياساتهم الجارية حتى الآن هي التي لا تبشر باحتمال حصول مثل هذا التحول الذي يعدنا به البعض من الأخوة اللبراليين في سياسة ومواقف جماعة الأخوان المسلمين.
إن التوجه صوب الإخوان المسلمين الجارية حالياً تذكرنا بسنوات العقد التاسع وبعض سنوات العقد الأخير من القرن العشرين حين بدأت الولايات المتحدة تنسق مع السعودية وباكستان لتنظيم قوى الإسلام السياسي المتطرفة لتزجها في المعركة التي كانت تدور في أفغانستان ضد القوات السوفييتية وحكومة نجيب الله الأفغانية ومواجهة الشيوعية في المنطقة. وكانت الحصيلة اتساع كبير في قواعد وقدرات وأموال وتأثيرات قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية حيث سيطرت على أفغانستان وقادت دولة رغم فقرها كانت تحصل على دعم واسع النطاق من شتى أنحاء العالم الإسلامي، ثم نظمت الكثير من العمليات الإرهابية كان أبرزها وأكثرها عنفاً وشراسة أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية والعواقب اللاحقة التي ترتبت على ذلك الاحتضان لمثل هذه القوى. ولا يمكن نسيان تهشيمها لواحد من أكبر التماثيل التاريخية للديانة الهندوسية في أفغانستان مما دللت على عدوانيتها وكراهيتها للأديان الأخرى وتأليبها أتباع الأديان الأخرى ضد الإسلام في آن واحد. وكانت كارثة حقيقية بالنسبة لتراث البشرية وأتباع تلك الديانة. ويفترض أن لا ننسى بأن كلاً من السعودية وباكستان كانتا وبعض مناطق أفغانستان المواقع التي كانت تقوم بتكوين وتأهيل وتدريب العناصر الإسلامية المتشددة والمكفرة للآخرين والمستعدة لممارسة العنف ضد الآخر من أتباع المذاهب الأخرى في الإسلام وضد الآخر من أتباع الديانات الأخرى، وأنها تسعى إلى تصدير الثورة الإسلامية على نمطها إلى البلدان والشعوب الأخرى واعتبار الغرب بلاد حرب يفترض أن يغزوها الإسلام بطريقة ما. وإذا كان المذهب الوهابي وجماعات من الأخوان المسلمين تنحو هذا المنحى، وكلهم في إطار المذاهب السنية، فأن أتباع الخميني من المذهب الشيعي يسعون إلى ذلك أيضاً ولا يفوتون الفرصة لتحقيق ذلك، رغم أنهم قد اصطدموا بالكثير من العقبات، إلا أن الوضع في العراق، وخاصة في جنوب العراق، يفتح لهم باباً جديداً على النهج العدواني لتصدير الثورة الإسلامية الشيعية إلى البلدان والشعوب الأخرى. ولدي الكثير من المخاوف حول انتخاب الدكتور أحمدي نجاد إلى منصب رئيس الجمهورية في إيران، إذ أنه من أتباع التشدد في كل المجالات ومن أتباع تصدير الثورة وإنتاج القنبلة النووية لتكون بيد إيران لا دفاعاً عن النفس بل تهديداً للآخر. وسيزداد تدخل إيران في شؤون العراق من خلال حزب الفضيلة في الجنوب ومن خلال بعض قوى ميليشيا بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وخاصة أولئك الذين ما زالوا يتسلمون جزءاً من رواتبهم من الجمهورية الإسلامية في إيران. كما أن دعم إيران للقوى التي تساندها في الدول العربية وفي بعض المناطق الأخرى من العالم سيزداد من خلال مجيء الرئيس الجديد. وعلينا أن نتوقع ازدياد وصول التبرعات للقوى الإسلامية السياسية من القوى الإسلامية الشيعية والسنية إلى العراق لدعم جهودها بثلاث اتجاهات:
1.تعزيز التيار الإسلامي عموماً.
2.تشديد الصراع في ما بين المذاهب لكي يتحقق الاصطفاف الاجتماعي بصورة مشوهة، أي لا على أساس طبقي وسياسي بل، على أساس إسلامي طائفي سني وشيعي.
3.مكافحة القوى الديمقراطية والداعية لسيادة الديمقراطية والمدنية في المجتمع.
يبدو لي بأن السياسة التي يمارسها الرئيس الأمريكي على الصعيد العالمي لا تتميز بالرؤية المرتبطة عضوياً بقوى اللبرالية الجديدة والمحافظين الجدد فحسب، بل تنطلق أيضاً من مواقع إيمانية معينة، من مواقع الدين المسيحي والاعتقاد بأن الله قد خص بوش الابن بدور إصلاحي خاص يؤديه في هذا العالم، أي أنه يحمل رسالة الحرية من الخالق إلى البشرية بأسرها! وهذه الفكرية الدينية غير العقلانية متشابكة مع بروز النزعة القومية الأمريكية الأكثر تشدداً وافتخاراً بالولايات المتحدة ومنجزاتها على الصعيد الدولي وبالفرد الأمريكي باعتباره الأفضل والأرقى والأمثل .. الخ. وهذا الموقف الديني المسيحي "الأنجليكاني" والقومي الأمريكي الضيق يقترن بواقع آخر هو أن الحرب في العراق قد فجرت صراعات مختلفة على صعيد العراق والمنطقة يجد الأمريكيون أنفسهم وحدهم دون دعم أوروبي حقيقي، وبالتالي فهم يتحرون عن سياسة تساومية جديدة مع قوى الإسلام السياسي على الصعيد العربي، كما يجري الآن في مصر، وكذلك على الصعيد العراقي. من هنا نشأت فكرة الاقتراب من المواقع الإيمانية في المنطقة، مواقع الدين الإسلامي السياسية التي يمثلها "الأخوان المسلمون" على الصعيد العالمي، وليس في مصر وحدها، إذ أن تنظيم الأخوان المسلمين لا يقوم على أساس قطري فحسب، بل وعلى أساس عالم إسلامي أو دولي. أي أن له قيادات ميدانية قطرية، ولكنها تخضع في المحصلة النهائية إلى القيادة العليا للإخوان المسلمين على صعيد العالم الإسلامي والعالم، بما في ذلك تنظيمات الأخوان المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واستراليا وغيرها، والتي يساهم فيها العديد من رجال الدين وشيوخهم والوعاظ العاملين في الفضائيات العربية وغيرها أو في مساجد الله والمدارس والأكاديميات الدينية في مختلف بلدان العالم، وبضمنها الأكاديميات السعودية.
ويبدو أن بعض الكتاب والسياسيين والعاملين في إطار الحقوق المدنية في الدول العربية قد سوغوا للإدارة الأمريكية فكرة الاقتراب والتحاور مع جماعة الإخوان المسلمين والقول بأن هناك تغييراً جدياً طرأ على هذه الجماعة الإسلامية التقليدية. إلا أنهم، وكما أرى، يستبدلون النار بالرمضاء، وهم خاسرون، إذ سيدفعون الدول العربية إلى مواقع السقوط في مستنقع لا نهاية فيه.
ونقطة اللقاء المحتملة، إضافة إلى المحنة الراهنة للسياسة الأمريكية، تتمركز في المحور الفكري السياسي الإيماني الذي جعل من الحوار بين جماعة الأخوان المسلمين وإدارة بوش ممكناً، ليس على صعيد مصر فحسب، بل على الصعيد العالمي، إذ أن الحوار معهم في مصر أو في دولة أخرى كالعراق مثلاً يشمل بصورة غير مباشرة الجماعة كلها، بغض النظر عن التيارات المتصارعة في الأخوان، إذ أن هناك قوى ترفض مثل هذا الحوار من حيث المبدأ وأخرى تؤيده وثالثة تقف بين مدينتي نعم ولا. أما الولايات المتحدة فلا تتحدث كثيراً عن هذه اللقاءات، ولكن بعض نقاط الحوار وجد طريقه عبر العرابين العرب إلى الصحافة والإعلام، وأنه يجري في أكثر من مكان من منطقة الشرق الأوسط. والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة صريحة وواضحة هو: هل هناك بصيص أمل في إجراء تتغير فعلي في جوهر سياسات حركة الأخوان المسلمين باتجاه الديمقراطية والمجتمع المدني؟ وإذا تحركت بهذا الاتجاه هل ستبقى تمثل جماعة الأخوان المسلمين، أم أن حركة جديدة بنفس النزعات السابقة ستبرز على الساحة السياسية في دول المنطقة أو تنشق عن القائم منها؟ أم أن ما يجري الحديث عنه هو مجرد كومفلاج يمارسه الأخوان المسلمون نابع من مبدأ التقية لا غير من جهة، وتمنيات من أطراف سياسية أخرى من جهة ثانية؟
دعونا نتساءل: إلى ماذا تسعى جماعة الأخوان المسلمين في نشاطها الإسلامي السياسي؟ إنها تسعى، بعيداً عن اللف والدوران ودون أدنى ريب، إلى تسلم السلطة السياسية في كل الدول الإسلامية ومنها دول المنطقة والدول العربية. ولكن ماذا تريد هذه الجماعة من السلطة السياسية إن استحوذت عليها؟ تريد، ودون أدنى ريب أيضاً، إقامة دولة إسلامية على نمط الدول الإسلامية التي مرت بنا حتى الآن، دولة إسلامية لا تختلف كثيراً عن أي دولة إسلامية أخرى في إيران أو السودان في فترة حسن الترابي أو تقترب أيضاً من نظام حكم طالبان. أي إقامة دولة يكون الحاكم فيها هو الحاكم الديني والدنيوي في آن، أي إقامة حكم إسلامي سياسي وفق الشريعة التي تلتزم بها جماعة الأخوان المسلمين.
لقد حققت حركة الأخوان المسلمين نجاحات غير قليلة في مصر باتجاه توزيع العمل في داخلها ومع قوى إسلامية أخرى حليفة لها أو تشكلت بدفع منها. فمنها من يمارس السياسة بصورة عقلانية وسلمية وأقل تطرفاً في طرح موضوعاته وأفكاره السياسية والدينية، وبعضها الآخر يمارس التهديد والوعيد ويدفع بالسلطة إلى اتخاذ إجراءات إضافية من مواقعهم الإسلامية وعبر المنافسة مع تلك القوى الإسلامية، وبعضها الثالث يمارس العنف والقتل والملاحقة للقوى العلمانية والديمقراطية والاشتراكية أو للقوى الإسلامية المعتدلة. وهي بهذا تجر المجتمع إلى مواقعها بأساليب مختلفة ولكنها منسقة ومدروسة جيداً. وتشكل الدروس الدينية في بعض الفضائيات العربية جزءاً من الرؤية العامة والمنسقة لدى الإخوان المسلمين والتي يفترض أن لا تمر على العاملين في الحقل السياسي والذين يعرفون جيداً تلك المناورات والأساليب التضليلية.
وحركة الأخوان المسلمين في مصر وكل القوى المرتبطة بها ما تزال تلاحق بشراسة وبأشكال مختلفة كافة المفكرين المصريين وتقتل البعض منهم وتكفر البعض الآخر وتشرد البعض الثالث، لأن هؤلاء المثقفين كتبوا محللين واقع الإسلام والقوى الإسلامية السياسية وانتقدوا جوانب معينة في الإسلام والسياسات التي تمارسها الأحزاب الإسلامية في مصر والعالم العربي والإسلامي. وهي لم تتخل عن برامجها وسياساتها. إن الحديث عن تخلي جماعة الإخوان المسلمين عن "حاكمية الله" ليس سوى تخلي تكتيكي سرعان ما يعود إليه من صرح به حال وصوله إلى السلطة. وهم اليوم يمارسون منع الكتب العلمية أو النقدية أو الاجتماعية التي تبحث في التنوير الديني للمجتمع أو التي تناقش مواقف الإسلام من قضايا المرأة أو السلطة أو تبحث في تاريخ الإسلام السياسي من وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر الأخوان المسلمين وبقية قوى الإسلام السياسي. واستطاعوا ترويض السلطة السياسية والأجهزة المسؤولة عن النشر والإعلام على الاستجابة لمطالبها في منع الكتب كما حصل مع كتب الدكتور نصر حامد أبو زيد أو الدكتورة نوال السعداوي، وهم يسعون الآن إلى منع بعض كتب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل.
إن التحول في قوى الإسلام السياسي، ومنها قوى الأخوان المسلمين، يستوجب وجود مجتمع مدني حديث قادر على تنشيط حركة تنوير دينية وإنسانية وسياسية حقيقية تستند إلى قاعدة صناعية (البرجوازية) في البلاد تساهم في تغيير البنية الطبقية الراهنة للمجتمع، بحيث تتوفر إمكانية فعلية لتطوير وإغناء فكر ووعي الإنسان باتجاه أكثر عمقاً وصواباً وبعداً عن الأصوليات القاتلة. وهي عملية معقدة وطويلة لم تنضج بعد في أغلب دول المنطقة. وبغير ذلك تصبح المسألة في غير صالح تطور هذه البلدان وتقدمها على طريق المجتمع المدني الديمقراطي الحديث.
إن رياح التغيير الهابّة والمتواصلة على دول منطقة الشرق الأوسط لا تزال غير قادرة حتى الآن على كنس القديم ولا حتى إلى دفعه للتفكير بالتغيير، سواء أكان ذلك على مستوى الحكومات أم على مستوى التنظيمات السياسية التابعة للحكومات أم على مستوى المعارضة السياسية، لأن هذه المنطقة لا تمتلك بعد الأرضية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المناسبة لعملية التغيير المنشودة. لهذا لا بد من أن ننظر إلى عملية التغيير السياسي في مدى علاقتها مع عملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي. فالمجتمع المدني الديمقراطي، الذي يفترض إقامته في دول المنطقة، لا يمكن أن ينهض على قاعدة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية ومجتمع العلاقات العشائرية والطائفية، بل يستوجب وجود قاعدة للعلاقات الإنتاجية الصناعية أو الرأسمالية. وإذا عجزنا عن فهم ذلك سنعجز عن تحريك التغيير المنشود في هذه المنطقة. هذا لا يعني الكف عن النضال في سبيل التغيير السياسي وفي سبيل إقامة مجتمع مدني ديمقراطي، بل يفترض أن نفهم آلية الوصول إلى ذلك، أي النضال من أجل ربط عملية التغيير السياسي بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. إن التغيير الذي يتحدث عنه بعض السادة الكتاب العرب في سياسات ومواقف الأخوان المسلمين لا يمس جوهر القضايا التي طرحت منهم منذ بدء الحركة والقبول بالمشاركة السياسية السلمية في الحياة السياسية، ولا يعني غياب الفكر العنفي ولا إنهاء عمل الجناح العسكري في النشاط السياسي غير المباشر للإخوان المسلمين. ليس هناك من لا يتمنى أن يغير الأخوان المسلمين منهجهم الفكري والسياسي باتجاه الإصلاح الحقيقي وليس الشكلي. إلا أن التمنيات شيء والواقع المعاش شيء آخر.
ويفترض أن لا نحصر الحديث عن قوى الإسلام السياسي في الأخوان المسلمين دون غيرهم، إذ أن هناك قوى إسلامية سياسية أخرى في إطار المذاهب السنية وفي إطار المذاهب الشيعية في البلدان التي يوجد فيها أتباع للمذهب الشيعي. ودون أن أرميها كلها في سلة واحدة، ولكنها كلها تتحدث بلغة طائفية، لغة التمييز إزاء المذاهب الأخرى، رغم ادعائها بغير ذلك. وهي بالمحصلة النهائية تتفق على عدد من الأصول ذاتها، وتختلف جزئياً في التكتيكات التي تمارسها للوصول إلى الهدف المنشود، إقامة دول إسلامية تؤمن بما يسمى بالثوابت لديها، ومنها الشريعة وفق فهم كل منها لها. وهو ما يفترض الانتباه إليه عند الحديث عن قوى الإسلام السياسي. أرى بإن خيطاً رفيعاً أو سميكاً يربط بين جميع الحركات الإسلامية السياسية ويشدها إليه، سواء ابتعدت قليلاً عنه أم اقتربت منه فهي مشدودة إليه في كل الأحوال، وأن اختلفت في طريقة الطرح أو في الأساليب التي تستخدمها للوصول إلى الهدف المنشود منها. إنها ترفض عملياً مبدأ: الدين لله والوطن للجميع!
إن الإنسان يأمل في أن لا تسعى القوى اللبرالية والمدنية والعلمانية الديمقراطية، أفراداً وجماعات، إلى إحياء بعض الآمال العريضة على تغييرات غير واقعية وشكلية في حركات إسلامية سياسية تساهم في عدم شحذ اليقظة، بل إلى إضعافها، إزاء أطروحات تلك القوى والسبل التي تمارسها للوصول إلى غاياتها وإمكانيات التلون الفعلية في هذا الإطار.