بعد إنشقاق خدام وتحرك المعارضة العربية

حدث ماكان في حسبان الكثيرين، إنشقّ نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام، وأعلنّ من باريس عن quot;أنضمامه للمعارضة السوريةquot;، وسعّيه quot;لإسقاط نظام الرئيس السوري بشارالأسدquot; الذي وصفه بالخائن.
وأبدى خدام كذلك إستعداده التام للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في إغتيال رئيس الوزراء اللبنايي الأسبق رفيق الحريري، حيث إلتقى رئيس تلك اللجنة القاضي الألماني ديتليف ميليس، مفرغاً، على الأرجح، كل مافي جعبته من quot;معلومات مفتاحيةquot; حول تلك القضية المعقدة، أفصحّ عن كنه بعضها في حديثه المطول لمحطة العربية الفضائية، وكذلك لمجموعة من وسائل الأعلام العربية والعالمية، في تصعيد ملفت منه، بٌعيد ـ ورداً منه على ـ وقائع الجلسة الأراجوزية، التي quot;عقدهاquot; مجلس الشعب السوري وحفلة التخوين التي نصبهّا النواب السوريون لنائب رئيسهم السابق، والذي تحول بين ليلة وضحاها، وبقدرة قادر، quot;لخائنquot; وquot;عميلquot; وquot;متآمر على الوطنquot;!.
كما أكدّ الرئيس السوري بشارالأسد كذلك في حديثه لصحيفة الأسبوع (التي يرأس تحريرها الصحافي المصري مصطفى بكري ماغيره!) في أن نائبه، ونائب والده من قبله، كان quot;ضالعاً في المخطط من قبل، وهو طرف أساسي فيه(...) ولكن ليس لدينا تفاصيل محددة حتى الآن، ولكن أود أن أشير هنا إلى أن كثيرًا من الأطروحات التي كان يطرحها داخل الاجتماعات أو خارجها كانت تخدم هذا المخططquot; مكتشفاً الرجل على حقيقته وquot;مميطاً اللثام عن مخططاته المشبوهةquot; بعد عقود كثيرة تسلمّ فيها أرفع المسؤوليات، وشاركّ كذلك في جل الأخطاء والجرائم التي أرتبكها النظام السوري بحق كل من الشعبين السوري واللبناني.
بدأت المواجهة إذاً، فخدام خونّ الأسد وأعلن إنه يسعى لإسقاط نظامه، بينما الأخير ردّ إليه بضاعته، وسلطّ عليه نواب مجلس شعبه وجوقة غلمان الصحافة والإعلام البعثي السوري، حيث القاموس الكبير في الردح والفضح. بينمّا تحرك النظام العربي الرسمي ممثلاً بعراب الأزمات، وحامي حمى الأنظمة العربية التقليدية، الرئيس المصري حسني مبارك، متعاوناً مع السعوديين( الغير متحمسين في واقع الأمر)، في محاولة منه لتطويق الأزمة والوصول لحل وسط يٌرضي كل الأطراف( الأسد طارّ، وفي ظرف أربع وعشرين ساعة،إلى كل من جدة وشرم الشيخ). لكن بعد التطورات الأخيرة ورفع الحجب عن خفايا النفوس وماتضمر، لانخال مبارك ناجحاً هذه المرة..

وليد جنبلاط بدوره، وبحنكة إستباقية عٌرفّ بها في علم السياسة، شنّ هجوماً غير مسبوق على النظام السوري، وطالبّ المعارضة السورية بالسعي لإسقاطه بالقوة العسكرية مستعينة بالخارج، وذلك ، حسب وليد بيك، لأنquot;الأنظمة الدكتاتورية لا تلغى بالكلمات ولا بالعواطف, بل بدعم دولي من خلال المعارضة الداخلية والخارجيةquot; و أنّ quot;نظام الاستبداد قوي, لكنه سيزول في يوم ما، وعلينا أن نصبر وأن نصمدquot;.
المعارضة السورية إختارت الصمت والحذر تجاه تصريحات خدام، وحدهم جماعة quot;الأخوان المسلمونquot; أيدوا الرجل وأعلنوا إنهم سوف يتعاونون معه، مستندين على فتوى لفظها مرشدهم العام المحامي علي صدر الدين البيانوني، حيثquot; الإطاحة بالنظام الديكتاتوري يمكن أن يتم بطرق متعددة, وقد يتم ذلك من خلال أشخاص داخل النظامquot; على حد قوله. طبعاً هذا التعاون ومع أشخاص كانوا حتى الأمس من عظم الرقبة فيquot;داخل النظامquot; يعدٌ تحولاً تكتيكياً من قبل جماعة الأخوان، والذين كانوا مصريّن في وقت مضى على quot;ضرورة محاسبة كل الأشخاص المتورطين في جرائم ضد الشعب السوريquot;، وذلك quot;قبل الحديث عن أي مصالحة وطنيةquot;. وهي قراءة سياسية تٌحسب للأخوان حقاً: تيار الإسلام السياسي ذاك، والذي كان البعض يتهمونه بإنعدام البراغماتية في الخطاب السياسي تجاه الداخل السوري المنوّع والمختلف بطبيعته، والإنقياد للإيديولوجية وروحيّة النص، المتطلعان بدورهما للحكم والسلطة...
الأحزاب السياسية الكردية بدورها، وهي موضوع الحديث هنا،آثرت الصمت والترقب. فيما تطرفّ منها القليل(حيث العدد يتجاوز الثلاثة عشر) بإصدار بيانات، لاتفصح بدورها عن الموقف النهائي من قضية نائب الرئيس السوري، وإعترافاته على نظامّ مثلّه طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، ورغبته في القضاء عليه وquot;إعادة الحياة السياسية والديمقراطية للبلادquot;، كما قال.

والحقيقة، وفي ظل كل هذا التشتت والتشظي الذي يضرب أطنابه في الحالة السياسية الكردية السورية، فإن الخوف على مستقبل القضية الكردية في سوريا يصبح أمراً واقعاً. فهناك في سوريا حيث الوضع السياسي مٌعقدٌٌ للغاية: نظام آيل للإنهيار ويرفض حتى النهاية الإعتراف بالكرد وحقوقهم وحركتهم السياسية. والمعارضة العربية التقليدية التي لا تختلف طروحاتها كثيراً عن طروحات (البعث العربي الإشتراكي) والذي خلفّ فكراً ومنهجاً بين الكثيرين من غير البعثيين، وتقدم أفضل فصائل هذه المعارضة تفهماً للقضية الكردية، مشاريعاً خجولة لحلها في إطار مفهوم quot;الوطنيةquot;وquot; المواطنةquot;، ذلك المفهوم الغامض والمثير للكثير من التساؤلات، سيما حين يكون حديث هذه المعارضة عن سوريا التي تكونquot; جزئاً من الحضارة والثقافة والأمة العربيةquot; والصخب الذي يظهره هؤلاء عند الحديث عن الكرد بوصفهمquot; القومية الثانية في البلادquot; وquot;يعيشون على أرضهم التاريخيةquot; أو مجرد التلميح quot;لأرض كردستانية ألحقت بسوريا، ذات يومquot;!. ولايخفى هنا طبعاً، حالة الضعف والوهن التي تعاني منها هذه التنظيمات المعارضة، وطبقة الصدأ الأيديولوجي والتنظيمي التي تغلف وجودها في سوريا: حيث تمثيلها الضعيف والمتضعضع وصوتها الخفوت...

على الجهة الأخرى، حيث الأخوان المسلمون، كبرى الحركات العربية السنّية، والتي تشكل وزناً في أوساط الداخل السوري السني المحافظ. وكان هؤلاء قد بينّوا موقفهم من الشعب الكردي في مذكرة quot;إعلان دمشقquot; المعروف، والذي قدم رؤية لمستقبل البلاد، وشكلّ، على كل علاّته، سابقة في الإتفاق على ألفبائية سورية جامعة، قابلة للنقاش والطعن من قبل جميع الأطراف. ورغم أن هذا الموقف غير كاف، من جهة خوضه في المسائل الحساسة والمفصلّية بالنسبة للكرد، كمسألة quot;القومية الثانيةquot; وquot;الحقوق المشاركيةquot; في المركز، بعيداً عن الإقصاء والإبعاد، إلاّ أنه ثمّة من يٌشكك في موقف الأخوان وجديتهم في طلب الديمقراطية والإقتصار على المشاركة في حكم سوريا، وليس حكمها بالمطلق وبناء النظام الإسلامي، كما تجتهد معظم حركات الإسلام السياسي في العالم ممثلة بالتنظيم العالمي للأخوان المسلمين، وأشتدّ هذا الظن، كما لايخفى، بعد موقف الأخوان المهادن من نائب الرئيس السوري السابق، وإتصالهم به بتلك السرعة الملفتة، وقبل كل الأطراف الأخرى...

الكرد السوريون يٌشكلون أقوى أطراف المعارضة السورية للنظام البعثي/الأمني/المافيوزي في دمشق. وهم منظمون بطبعهم ومعبئون ينتظرون ساعة التغيير. لقد أثبتوا ذلك في 12/03/2004 عندما خرجوا في إنتفاضة عفوية لم يشهدها كل تاريخهم في سوريا، وذلك بمئات الآلاف وفي كافة مناطقهم للتنديد بسياسة القتل الجماعي والغبن التاريخي التي ذاقوها من نظام الإنقلاب البعثي في سوريا، حيث فاجئوا العالم كله بمدى توقهم للحرية والديمقراطية والتغيير والتخلص من الديكتاتورية وأرثها الفاسد المفسد.
وكذلك وقفوا وقفة شجاعة وموحدة في الأول من حزيران 2005 حينما أبلغوا بنبأ قتل المخابرات السورية لعالم الدين المتنور وشهيد الأمة الكردية الدكتور معشوق الخزنوي، حيث شهدت مدنهم مظاهرات حاشدة لإستنكار جريمة النظام السوري بحق علم كبير من أعلامهم. وفي مدينة (كوباني) الكردية، تظاهر عشرة آلاف شخص للإحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لإنطلاقة الثورة الكردية المسلحة في شمال كردستان، حيث هناك ايضاً جوبهوا بالقمع والرصاص الحي والإعتقال، ولايكاد يمر يوم إلاّ وتصدر(محكمة أمن الدولة الإستثنائية) السيئة الصيت أحكاماً بالسجن سنوات وسنوات بحق شابات وشبان كرد، بتهم تافهة، عفى عليها الزمن، بإستثناء زمن quot;البعثquot; طبعاً...
الكرد منظمون بشكل جيد، لكن حالة القمع ومجابهة كل تحرك أو عصيان بالرصاص الحي جعلت من النار الكردية قابعة تحت الرماد، ففي النهاية العين لاتستطيع مقاومة المخرز. لكن الثابت أن هناك وعياً قومياً متقدماً في صفوف الكرد السوريون، والعامّة هم في مقدمة الحركة السياسية، التي من المفترض أنها نخبوية وتقود الفعل السياسي. وكان ذلك جلياً في إنتفاضة آذارعندما تحركت الجماهير الكردية في (قامشلو) و(ديريك) و(عامودا) و(الحسكة) و(تربه سبيي) و(درباسيه) و(سري كانيي) و(عفرين) بمعزل عن آوامر الحركة السياسية، حيث تدفقت البيانات التنديدية والتقويمية تباعاً من لدن الأحزاب الكردية بعد ذلك...
من المجحف وضع الأحزاب الكردية كلها في سلة واحدة، فهناك منها، من تتصف بوزن جيد ضمن الجماهيرالكردية في مناطق كردستان سوريا والداخل السوري، وهناك من لايزيد أعضائها عن بضع عشرات من الأقارب وأبناء الضيعة والعشيرة. والأرجح أن وزن هذه الأحزاب وحجمها التمثيلي سيتضح بعد حدوث إنفراجة سياسية ما ورحيل النظام الحالي. حيث الفرز الحقيقي من قبل الجماهير الكردية. ذلك أن حالة القمع الشاملة حالياً تجعل من الصعب معرفة أوزانها بشكل جيد: حيث الكل يتدثر بالقمع والمنع السلطوي، ويدعي في ظل ذلك تمثيل الشعب والتحدث بإسمه هنا وهناك بدون إستبيانات أو إنتخابات تٌظهر حجم تنظيمه في أرض الواقع، وقد حصل ذلك في العراق بعد التحرير وفي ظل الإنتخابات: حيث توارت حركات وأسماء مثل عدنان الباجه جي والشريف علي بن الحسين صاحب حركة الملكية الدستورية ونصير الجادرجي، وظهرّ قادة آخرون لفظتهم طبقات الشعب العراقي، من أبناء الطائفة السنية تحديداً...
عيب الحركة السياسية الكردية في سوريا أنها مشتتة ومقسمة لعدد كبير من الأحزاب، أكثر من اللازم بكثير، بعكس الأحزاب الكردية في بقية أجزاء كردستان، حيث الكرد في كردستان تركيا مٌنظّمون بشكل جيد، ويملكون إمكانات هائلة من مؤسسات إقتصادية وإعلامية(فضائيات وصحف) بالأضافة لقوات مسلحة ومدربة ترد بقوة حين لجوء الجيش والمخابرات التركية للقمع والبطش ضد أبناء الشعب الكردي هناك. فهناك حيث (حزب العمال الكردستاني) الذي يحتكر العمل السياسي ويحارب الدولة الإنكارية وسياساتها عسكرياً منذ عام 1984م، مع وجود ملايين المؤيدين والأنصار، وتكشف ذلك إحتفالات أعياد النوروز ومئات الآلاف من الناس المتظاهرة في مدن كردستان، من الذين يرفعون أعلام الحزب وصور قائده عبدالله أوجلان، قائد الكونفيدرالية الديمقراطية لكردستان. وفي الشق السياسي حيث(حزب المجتمع الديمقراطي) الحزب الكردي المرخص من السلطات، والذي يٌسيطر على أغلب بلديات كردستان ونواحيها، وهو الحزب الذي يترأسه النائب الكردي السابق والسياسي المخضرم أحمد ترك ورفاقه ليلى زانا، سليم ساداك، خطيب دجلة، وأورهان دوغان، بالأضافة إلى محامية أوجلان آيسيل توكلوك، وهو القوة السياسية الكردية الضاربة التي تحسب أنقرة حسابها، مع كل يوم يمر، ويقترب فيه موعد الإنتخابات البرلمانية...
وفي كردستان العراق، حيث الحزبين الكبيرين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والأتحاد الوطني الكردستاني يٌسيطران على الحياة السياسية( مع وجود أحزاب أخرى وتعددية حزبية لابأس بها) وقد نجحا بالفعل في تمثيل الجماهير الكردستانية وضمان مطاليبها في الفيدرالية والمشاركية في المركز، ولعب الدورالمحوري في الحياة السياسية العراقية، ونستطيع القول هنا إن الكرد هم القوة الأكثر تنظيماً في العراق، وهم quot;بيضة القبانquot; في أي تحالفات أو محاور سياسية عراقية، حيث لايستقيم الحال بدونهم...
في إيران كذلك، ثمّة أحزب كردية قوية تعمل تحت الأرض، متحينة الفرصة المناسبة للتخلص من النظام الإيراني والعودة لتنظيم الأوضاع هناك: ونقول هنا، أن حزب (الحياة الحرة الكردستاني) و(الحزب الديمقراطي الكردستاني) يقودان الفعل السياسي والعسكري في مناطق كردستان الشرقية..
الكرد في سوريا أقوياء وحاضرون في المشهد السوري أكثر من غيرهم للتعبيرعن حقوقهم والمطالبة بها في كل وقت، كما أنهم يحظون بدعم كردي اقليمي كبير من فيدرالية كردستان العراق والأمكانات الكبيرة، وعلى أكثر من صعيد، المقدمة من أكراد تركيا. بقي فقط أن ترتقي الأحزاب السياسية الكردية لواقع الحال وحماسة وحضور جماهيرها، وتقدم خطاباً سياسياً موحداً وواضحاً تتفق فيه على الخطوط الرئيسية للمطالب الكردية العامة والمتفق عليها، ولاتتنازل لأي كان عن هذه المطالب بعد كل عقود القمع والإقصاء والتنكيل التي مارستها الحكومات والنظم السورية المختلفة بحقهم ومنذ الإستقلال: حيث كانت الرؤية الآتية من دمشق تدور في تلك الحلقة المفرغة التي تعتبر الكرد quot;ضيوفاً وأناساً مشكوك في ولائهم، وخطرين على الأمة العربية ووحدتهاquot;، وما إلى ذلك من نظريات عنصرية مريضة، دمرت البلاد وأفقرت العباد. هذا علماً أن الكرد، كجماعة أثنية وسياسية، لم يرتكبوا الآثام يوماً، ولم يدخلوا في صراعات داخلية ضد طوائف أخرى، ولم يفكروا قط بالإستحواذ على السلطة وإحتكارها وحرمان غيرهم منها، كما فكرغيرهم من الطوائف quot;الوطنية/العربيةquot; السورية، ومازالوا حتى الآن....

كاتب المقال صحافي كردي مقيم في ألمانيا
[email protected]