خيرالله خيرالله :الكويت باقية، الكويت مستمرة في أداء رسالتها التي كان جابر الأحمد الصباح وفياً لها، لأن هناك روحاً أسمها روح الكويت. انها الروح التي مكنت البلد الصغير من تجاوز أزمات واخطار كبيرة من دون ان يتخلى يوماً عن المبادئ التي تحكم العلاقة بين الأمير والأسرة الحاكمة والشعب ومن دون أن يتخلى عن واجباته وقيمه العربية بعيداً عن المزايدات والمزايدين.
لم يكن جابر الأحمد، رحمه الله، مجرّد رئيس دولة عادي. كان طوال حياته ممثلاً لروح الكويت التي حافظ عليها في احلك الظروف واقساها، تلك الروح التي جسّدها الأمير الراحل مع ولي عهده الشيخ سعد العبدالله خير تجسيد، تلك الروح التي أعادت الكويت الى أهلها عندما حاول المجرم الذي أسمه صدّام حسين ازالتها من الوجود.
كلام كثير يمكن أن يقال عن ظروف عودة الكويت الى اهلها الطيبين، لكن الكلام الأهم يظل ذلك الذي له علاقة بروح الكويت التي جعلت الشعب يلتف حول الأمير في لحظة الغدر. لم يجد صدّام كويتياً على أستعداد لأرتكاب فعل الخيانة. ولذلك هزمته الكويت نفسياً ومعنوياً قبل أن يهزمه المجتمع الدولي الذي هبّ لنجدة شعب مظلوم في مواجهة الطاغية.
أنتصرت الكويت لأنها عرفت كيف تحافظ على المبادئ والقيم التي تحكم العلاقة بين أهلها، كلّ أهلها. وما فعله جابر الأحمد طول حياته كان العمل على تعزيز هذه العلاقة وترسيخها بغض النظر عن الموقع الذي وجد نفسه فيه أكان وزيراً للمال او ولياً للعهد أو أميراً طوال ما يقارب ثلاثة عقود.
في كل تلك السنوات ، حافظ جابر الأحمد على العهد وعمل على تطوير التجربة الكويتية على كل المستويات، وفي كل مرة واجهت الكويت خطراً،تبين أنه كان محقاً في أستثماره في الأنسان الكويتي الذي هب الى الوقوف صفاً واحداً في وجه العدو مهما كانت قوته وبغض النظر عن أطماعه وكمية الأحقاد التي كانت تكتنزها نفسه على الكويت والكويتيين.
في كل مرة، كانت الكويت تنتصر، كانت روح الكويت هي التي تنتصر لأن جابر الأحمد وسعد العبدالله وصباح الأحمد لم يؤمنوا سوى بالتسامح ولم يؤمنوا الاّ بالشعب الكويتي بعد أيمانهم بالله عزّ وجلّ، لم يخذلوا الشعب ولم يخذلوا الكويت يوماً. لذلك عادت الكويت الى أهلها وأستطاعت ان تواجه كل الأخطار التي تعرّضت لها من منطلق أن لا شيء يمكن ان يفرّق بين كويتي وآخر أياً يكن الموقع الذي يحتله هذا الكويتي أو ذاك.
لا حاجة الى الحديث طويلاً عما فعله جابر الأحمد من أجل الكويت والكويتيين، ذلك أن اعماله تتحدّث عن نفسها. انه يترك الكويت في أيد امينة مدركاً أن النهج الذي سار عليه خير حماية للبلد واهلها، نهج الديموقراطية والحياة البرلمانية والقوانين العصرية وحقوق المرأة التي تجعل كل كويتي يشعر أن الكويت له وانه مستعد للدفاع عنها بكل ما يملكه تماماً كما فعل الشهيد الشيخ فهد الأحمد الذي قاوم الغزاة وبذل دمه من أجل وطنه وتحول مثالاً يحتذى به مظهراً أن لا فارق بين كويتي وآخر عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن الوطن.
كانت مسيرة جابر الأحمد مسيرة عطاء حمت الكويت والكويتيين وجعلتهم يشعرون بالفخر بسبب أنتمائهم الى هذا الوطن الذي هو روح ورسالة أولاً قبل أن يكون مجرد أرض غنية بما تحتها. تلك هي تركة جابر الأحمد التي لا شك أن الكويتيين لن يكتفوا بالمحافظة عليها، بل سيسعون الى تطويرها، لا لشيء سوى لأنهم يدركون، بعد التجربة التي مرّوا فيها، معنى الوطن ومعنى المحافظة على الأوطان...