كان لا بد من تمرير بعض الوقت قبل التعليق على ما صدر حديثاً عن الرئيس بشّار الأسد، لا لشيء سوى لأن كلام الرئيس السوري عن لبنان يجعل كل لبناني أو عربي أو أجنبي يعرف القليل عن البلد يصاب بالذهول في ضوء المغالطات التي وردت على لسان الرئيس بشّار. هذه المغالطات تغني عن عبقرية وعباقرة للرد على الخطاب الذي القي في أفتتاح مؤتمر المحامين العرب في دمشق. وبكلام آخر، أن كل الحجج التي أوردها الرئيس السوري في خطابه، وهي حجج لا قيمة لها الاّ في نظر الحضور الذي ضم أشباه أميين وبعض الحثالات اللبنانية من يتامى الأجهزة المشتركة، تدحض نفسها بنفسها. كل ما في الأمر أن بشّار الأسد عاجز عن الأجابة عن السؤال الذي سبق وطُرح عليه سابقاً: هل في أستطاعة النظام السوري التعاون مع التحقيق الدولي في قضية أغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

ساق الرئيس السوري حججاً كثيرة لتبرير عدم قدرة النظام على التعاون مع التحقيق. وكل الحجج التي ساقها من النوع الذي يبكي أكثر مما يضحك، خصوصاً أن ما هو على المحك مستقبل نظام تحوّل أداة ايرانية بسبب رغبته المستمرة في ممارسة عملية هروب الى أمام... هروب من الحقيقة أوّلا وأخيراً.

لا يذكّر مشهد أفتتاح مؤتمر أتحاد المحامين العرب الذي قاطعه اللبنانيون الشرفاء سوى تلك المؤتمرات التي كانت تعقد في بغداد وغير بغداد تضامناً مع نظام صدام حسين العائلي- البعثي، ذلك النظام الذي كان يعتقد أن الشعب العراقي كله معه والعالم كله معه، الى أن وقعت الكارثة التي كان في استطاعته تفاديها لو كان حريصاً بالفعل على العراق وشعب العراق وعروبة العراق ووحدة العراق... الى أن تبين أن حرص صدّام محصور بالنظام. لم يفهم صدّام الاّ بعدما صار خلف القضبان، وربما لم يفهم بعد، أن المهرّجين الذين يشاركون في مثل هذا النوع من المؤتمرات لا يمكن أن يكونوا غير مهرّجين وأن لديهم القدرة على التهريج في مؤتمرات أخرى من نوع مختلف متى دعت الحاجة الى ذلك.
ربما كانت المشكلة الأولى للنظام السوري تكمن في أن الرئيس الأسد يرفض الأستماع الى أولئك الذين يريدون الخير لسوريا ولبنان ولشعبي البلدين، لأنه لو كان يستمع لهؤلاء، لما كانت الأمور وصلت الى حدّ تجاهله الكلي للجريمة الكبرى التي أسّست للجرائم الأخرى والتي أرتكبت في حق لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين.أنها الجريمة المتمثلة في التجديد للرئيس أميل لحّود. فبدل ممارسة عملية نقد ذاتي نتيجة الأقدام على هذا العمل المشين والشنيع، أكتفى الرئيس السوري بالتركيز على القرار 1559 في خطابه أمام ما يسمّى مؤتمر أتحاد المحامين العرب. لا يريد الرئيس السوري الذي يتّكل على أن الحضور من أشباه الأميين الدخول في أي نقاش جدّي يتناول قضية في غاية الأهمية، قضية تدور حول سؤال لماذا الأصرار على التمديد ما دام سيؤدي الى صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن؟ ثمة من يقول أن لدى الأسد جواباً جاهزاً رداً على هذا السؤال وهو أن نص القرار كان جاهزاً قبل فترة وكان سيصدر في مطلق الأحوال. وقد تبين لاحقاً أن هذا الكلام غير دقيق وأن النظام السوري أجرى حسابات خاطئة شبيهة بتلك التي أجراها بعد ذلك بخمسة أشهر تقريباً عندما أعتقد أن أغتيال رفيق الحريري مسألة يمكن أن تمر وأنه يكفي تنظيف مسرح الجريمة وأعادة فتح الطريق كي ينسى اللبنانيون والعرب والعالم فظاعة الجريمة التي أرتكبت...تماماً كما حصل بعد أغتيال كمال جنبلاط أو بشير الجميل أو رينيه معوض أو المفتي حسن خالد وعشرات آخرين من سليم اللوزي الى رياض طه وغيرهما.

حبذا لو في أستطاعة الأسد- الأبن الأستماع جيّداً الى ما قاله النائب السابق للرئيس السوري السيد عبدالحليم خدّام عن لبنان وطريقة التعاطي مع اللبنانيين، بدل سلوك طريق الأستسهال وأخراج جوقة النواب السوريين، الذين يستأهلون ان يكونوا تلاميذ في مدرسة أبتدائية، لتخوين الرجل لا لشيء سوى لأنه قال الحقيقة. قال خدّام، الذي يمكن لأي لبناني أن تكون هناك مآخذ كثيرة عليه، الحقيقة في موضوعين يتعلّق أوّلهما بالفساد في سوريا والآخر بأغتيال رفيق الحريري الذي سعى دائماً الى خدمة سوريا.
ربما فات أوان مثل هذا الكلام الذي يستهدف الحؤول دون كارثة في سوريا ولبنان، ذلك أن الشيء الأكيد الواضح في الخطاب، أضافة الى الجهل التام بما يدور في لبنان والشعور الحقيقي الكامن لدى المواطن اللبناني حيال النظام السوري وليس حيال سوريا وشعبها بالطبع، هو أن الرئيس الأسد أتخذ قراراً يقضي بأرتكاب مزيد من الأخطاء.

من يريد الخير لسوريا والسوريين، لا يلقي مثل هذا الخطاب الذي لا يمت الى الواقع بصلة. من يريد الخير لسوريا والسوريين لا يبلغ العالم أنه قرر الدخول في حلف مع النظام الأيراني وأدخال لبنان في هذا الحلف بصفة كونه رهينة سورية- أيرانية. من يريد الخير لسوريا والسوريين يسعى الى معرفة شيء ما حتى لو كان قليلاً عن حقيقة الوضع في لبنان وعن رأي أكثرية اللبنانيين بما حصل ويحصل، يسعى الى ذلك، بعيداً عن الأوهام والكلام عن السيادة الوطنية التي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تكون فوق قرارات مجلس الأمن المتخذة بموجب البند السابع من الميثاق. ومن يريد الخير لسوريا ولبنان لا يراهن على أن ألنظام الأيراني سيعيده الى لبنان بفضل ما يمتلكه من أدوات في هذا البلد. لا يمكن للأداة أن تصير مشروعاً وطنياً، خصوصاً أذا كانت أمتداداً لمشروع ذي طابع مذهبي لا يخدم في نهاية المطاف على الصعيد الأقليمي سوى المشروع الصهيوني.

في النهاية، لا بد من العودة الى الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشّار في قاعة مساحتها مساحة مزارع شبعا على حدّ تعبيره. هذا الخطاب، أن دلّ على شيء فأنه يدل على رغبة في معالجة الخطأ بخطأ آخر والجريمة بجريمة أخرى على غرار ما حصل بعد جريمة التمديد. كل ما يمكن قوله أن هذه المعالجة ليست سياسة... السياسة الوحيدة تكون بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية التي ستحدد في النهاية الثمن الذي سيتوجب على النظام السوري دفعه نتيجة الأحداث التي شهدها لبنان بدءاً بالتمديد وصولاً الى أغتيال الزميل جبران تويني. هل من مجال للعودة الى السياسة أم أن النظام السوري لا يعرف من السياسة غير التهديد والوعيد والعيش في الأوهام!