عندما تسمع هذا الرجل يتكلم، أو عندما تراه يذرف الدمع سخياً على ضحايا الحرب الأخيرة، لا بد لك، حتى لوكنت من معارضيه، إلا أن تقول بأن هذا الرجل quot;آدميquot;.وquot;الآدميةquot; رغم كونها مصطلحاً شعبياً، تبقى معبرة لأنها تتضمن صفات الصدق والشفافية ونظافة الكف والنزاهة. ولا يستعملها المواطن عادة في توصيف رجال السياسة إلا في الحالات النادرة، لأن رجل السياسة في نظره، يتميز غالباً بالمراوغة والكذب، إضافة إلى الفساد والتغيير والتلون تبعاً للمصالح الذاتية الخاصة.
وبالنسبة للصدقية التي اكتسبها السنيورة على المستوى الشعبي، والتي تجعله في خانة raquo;الأوادمlaquo;، إنما هي نتيجة تضافر عوامل، منها المتعلق بتاريخه المتميز بالجدية وبالمثابرة في العمل، ومنها الآخر العائد إلى التهذيب والهدوء والرصانة والثقة بالنفس، وهي صفات يوحي بها للمشاهد أو السامع، خلال رده على حملات التجني التي ما انفكت تستهدفه. مع العلم أن الثقة بالنفس لا تخلق من العدم، كما أن الهدوء والرصانة لا تميز سوى ذوي الضمائر المرتاحة والمتصالحين مع ذواتهم أولا. زد على ذلك ابتعاد الرجل عن استعمال اللغة الخشبية المعتمدة في عالم السياسة، وتركيزه على الخطاب الواضح والثابت والصريح. هذا فيما يروج في الساحة السياسية المقابلة خطاب عالي اللهجة، يرتكز على الصراخ والهجوم والتهويل والهوبرة من أجل إبلاغ الناس بواسطة الصراخ، ما باتوا عاجزين عن ابتلاعه عن طريق الاقتناع والمنطق.
وكون الرجل بعيداً عن الشخصنة المقيتة، وعن الميل إلى تكريس الذات، وهو نهج يميز مسار وتاريخ كل الطامحين للإطاحة به وبحكومته، رأيناه يبدي مهمة إراحة الناس وحل مشكلاتهم على أي أمر آخر، ولو كلفه ذلك التغاضي عن الإهانة حتى لو كانت هذه الإهانة بحجم ومن عيار quot;عبد مأمور...quot;، عند إعرابه عن استعداده لزيارة دمشق، في حال قدر لزيارته أن تساهم في حلحلة ولو جزء من القضايا العالقة.
إن شعار raquo;لبنان أولاًlaquo; الذي رفعه سعد الحريري في ساحة الحرية، شكل مرتكزاً وقاعدة، أسست عليه الحكومة نظرتها المستقبلية للعيش المشترك ولقيام الدولة المتحررة من كل تأثير خارجي. وهو في الواقع شعار لايختلف عليه مواطنان لبنانيان، على أقله في الظاهر، لأنه في الحقيقة يعبر عن قناعة تكونت لدى مختلف شرائح المجتمع وأطيافه، نتيجة تداعيات الحروب المتكررة، والتي أصابت مآسيها الجميع، والتي حولت على مدى عقود الداخل اللبناني إلى ساحة تصفية حسابات للنزاعات الإقليمية والدولية.
إلا أنه وعلى الرغم من تواجد وتنامي هكذا قناعة على المستوى الشعبي، نرى أن بذور الفتنة ما زالت قائمة، وتغذيها كما بات معروفا من القاصي والداني جهات إقليمية معروفة أيضاً، يبقى أن المساعي الهادفة إلى هذا النمط من التخريب، تتمظهر بشكل مغاير للسابق المعهود، والذي قد يكون أدهى وأخبث، لأنه في ظل انتفاء الأرضية المؤاتية والعوامل المساعدة لإشعال فتنة طائفية، وفي عدم إمكانية فرز اللبنانيين حول مسألة تحرير مزارع شبعا في ظل الوجود العسكري الأممي في الجنوب، كان لا بد من اختراع مسبب من نوع آخر لخلق الشرخ والفتنة من جديد. فكانت الحملة المبرمجة والمنظمة للإطاحة بالحكومة، والتي شكلت سبباً كافياً ووافياً لخلق هذا التنافر والشرخ المطلوبين. يبقى أن طلب تغيير الحكومة مطلب حق في الأنظمة الديمقراطية، إلا أنه يراد به الباطل مثلما هو حاصل الآن على الساحة اللبنانية.
والباطل هو الوصول بالبلاد إلى حالة الفراغ الدستوري عن طريق تعطيل قيام أية حكومة في المستقبل. عندها يتحقق الهدف المنشود والذي يتمثل بإظهار عجز اللبنانيين وعدم قدرتهم على حكم أنفسهم، ونتيجة المعادلة هي كالعادة في طرح البديل.
من هذا المنطلق قد يشكل السنيورة العائق الفاعل والمعطل لإتمام هذا المشروع، الأمر الذي يفسر هذا الكم من حملات التجريح والتشهير الذي ما انفكت تطاوله منذ نهاية العدوان الإسرائيلي الأخير. أما وقد اعترف أحد خصومه أخيراً بأن البلد quot;لن يرتاح في وجود السنيورةquot; يبقى أن فارقاً مهماً يعمل لمصلحة quot;الرجل الآدميquot;، وهو أنه ليس أمير حرب كالآخرين، ولم يخض الحروب الأهلية، ويداه ليستا ملطختين بدماء أبناء وطنه.

كاتبة المقال باحثة سياسية لبنانية
[email protected]