ملاحظة : كنت في غاية المتعة الروحية وأنا اجول في بطون الكتب لأجلي الحقيقة التاريخية في ما يتعلق بمعركة بدر، وفيما أنا على إستعداد لإرسال الحلقة السابعة لموقعي الجميل والعزيز ( إيلاف ) قال لي أخ كريم : متى تكتب عن معنى الروح والبرزخ والجوهر والعرض!! ومن الواضح الجانب العَتبي في السؤال، فقلت له : حتى لو كتبت ما يصيب الحقيقة فمن يسمع ومن يقرا فنحن يا أخي والحمد لله فقراء، وكم كتبنا وكتبنا وكتبنا ما يصيب حد المحز، ولكن أنقلب النتاج على صاحبه يلاء مستطيرا، فيما جنى ثماره بطرق شيطانية مذهلة انتهازيون نفعيون لا يخافون الله، ولا ينغزهم ضمير،فقال : ولكنها متعة على كل حال.فكتبت، ولكن ساعود لـ ( بدر ) قريبا بإذن الله ، ومعذرة لإيلاف.

حكومة السيد جواد المالكي اشبه بنقطة داخل دائرتين ،على أننا نعرف رياضيا أن النقطة هي التي تخلق الدائرة، منها تنبثق الدائرة، فيما هنا العلاقة معكوسة، الدائرة هي التي تخلق النقطة، أي هاتان الدائرتان هما اللتان تتحكمان في إيقاع حكومة السيد المالكي ، أي أن حكومة السيد المالكي خاضعة بالضرورة لهاتين الدائرتين الكبيرتين.
الدائرة الأولى هي القوات المتعددة الجنسية، وفي الجوهر منها القوات الامريكية، والدائرة الثانية هي أنظمة الجوار، وفي الجوهر منها إيران وسوريا ، وحكومة السيد المالكي نقطة على تقاطع هاتين الدائرتين، فكم موقف السيد رئيس الوزراء محرجا وصعبا...
له الله!
أين موقع المليشيات من هذه الدوائر؟
تقول بعض الاوساط القريبة من السيد المالكي أن ا لمليشيات هي العقبة الكبرى في وجه الحكومة المالكية، ويبدو أن مكتب السيد رئيس الوزراء خاصة المستشارين السياسين ـ وهم من الخبراء المعروفين على المستوى الأقليمي والعالمي كما سمعت ــ مقتنعين بذلك، هكذا عرفت، ولكن في تصوري البسيط، أن المليشيات مهما كبر حجمها، ومهما كثر سلاحها، ومهما قويت سلطتها، لا تعدو ان تكون على هامش العلاقة المعقدة بين أمريكا وبعض دول الجوار، فمهما كانت أسباب نشأتها قريبة الى الطبيعة، أو مهما كانت أسباب نشاتها تمت بصلة للواقع، فإن العامل الخارجي هو الاهم، كما هي مليشيات لبنان، وأظن لو أن العلاقة بين أمريكا ودول الجوار إنتهت على سلام، سوف يضمر وجود هذه المليشيات ويضعف، وإلا من منا لا يعرف ان هذه المليشيات تتلقى الدعم الأكبر من دول الجوار هذه؟

الارهاب!
أين نضع قوى الإرهاب السرية؟
نفتش عنها في هذا التقاطع المخيف، التقاطع المصيري بين أمريكا ودول الجوار تلك، هنا البلاء، هنا المشكلة، هنا نقطة الداء والدواء معا.
لنوضح أكثر...
أمريكا تريد البقاء في العراق، لها مشروعها الكوني في هذا البلد، وبعض دول الجوار لا تريد ذلك، بل تعمل بكل ثقلها وبكل جبروتها وبكل طاقاتها على أحد أمرين ستراتيجيين، أما أن تهزم أمريكا وتضطرها للخروج من العراق ، أو تضغط على أمريكا لقبولها طرفا فاعلا في العراق، طرف يساهم في رسم خارطة العراق المستقبلية، طرف مشارك وليس طرف يُستمزَج ، يشارك القوة الأعظم مكاسبها ومصالحها في العراق.
وعلى وقع هذا الصراع كان هنا ك إرهاب، وكان هناك مليشيات، وكان هناك فساد إداري، وكان هناك فساد مالي، وعلى وقع هذا الصراع سوف يبقى العراق مسرحا للدم ، ومسرحا للقتال، بين السنة وا لشيعة، بين السنة و السنة، بين الشيعة والشيعة، بين العرب والأكرا د، بين العرب والعرب، بين الاكراد والاكراد، وهكذا.
لا أنكر أن هناك جذورا لما يجري على أرض العراق من صراع وأقتتال بين طوائفه وقومياته وأديانه، وصدام حسين كان سببا جوهريا في تسميد بذور هذه الجذور، ولكن الصراع بين إمريكا وسورية وإيران، وما تتطلع إليه السعودية وتركيا أيضا في العراق أد ى إلى تفجير المكبوت، إلى تفجير المخفي...
حكومة المالكي يبدو غير قادرة على حل هذه المعادلة الصعبة، وهي حقا صعبة، فهي لا تملك القدرة على تغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق فضلا عن بعض القناعات البسيطة، ولا هي قادرة على إفشال ستراتيجية دول الجوار هذه، ولا قادرة على حل الميليشات! ولا قادرة ان تكون نقطة وسط توافقية بين كل هذه الدوائر، بما يرضي الجميع، ويخلص شعبها من هذه المأساة المريعة.
جاءت حكومة المالكي وهدفها بطبيعة الحال إدارة الدولة، في سياق أهداف دستورية منصوص عليها، وذلك كأي حكومة بشكل عام، وفي الحقيقة كان على السيد الما لكي أن يدرك أن مهمة حكومته ليست إدارة الدولة في العراق بالدرجة الأولى، بل معالجة علاقته بأمريكا وعلاقته بدول الجوار وعلاقته بالمليشيات، لأن القوة الحقيقية ليست بيده، بل بيد هذه الدوائر، بيد أمريكا وبيد بعض دول الجوار وبيد المليشيات، أو بالأحرى، كان على السيد المالكي أن يدرك بأن إدارته للدولة إنما تكون من خلال معالجة علاقته بأمريكا ودول الجوار، لأنها القوى الحقيقية في العراق.
امريكا دول الجوار والمليشيات والقوى الإرهابية موجودة في كل وزارة في وزارات العراق، وفي كل مفصل من مفاصل القوة في العراق، وفي كل شبر على أرض العراق، والصراع قائم بين هذه الدوائر، صراع وجود، وليس صراع مصالح أنية بسيطة تأتي وتروح، بل صراع مصير، فيا للهول، ويا للكارثة، والحكومة المالكية حائرة بين هذه الدوائر، دونها بالقوة، ودونها بالممكنات، ودونها بالخبرا، ودونها بالمال... مع ملاحظة مهمة، أن أمريكا ودول الجوار هي الجوهر في المعادلة، أما المليشيات والقوى الإرهابية فهي مجرد طرف، هامش...
لا أقول أن المليشيات ليست مشكلة، ولا أقول أن قوى الإرهاب السري ليست مشكلة، ليس ذلك معقولا، ولكن لنفترض ان حكومة السيد المالكي استطاعت أن تقضي بل استطاعت أن تستأصل فريقا إرهابيا، استطاعت أن تجرد هذه الملشية أو تلك من سلا حها، فهل تنتهي المشكلة؟
لا...
والسبب بسيط للغاية، ذلك أن العلة الحقيقة ما زالت نشطة، فربما سوف تخلف هذه المليشيا أكثر من مليشيا، وربما سوف يخلف هذا الفريق الإرهابي أكثر من فريق، ذلك أن الصراع الوجودي المصيري بين أمريكا وكل من إيران وسوريا، وما تطمح له السعودية وتركيا... كل ذلك ما زال موجودا، قويا، حيا، نشطا، وبالتالي، قد نشهد أسما ء إرهابية جديدة، وأسماء مليشياوية جديدة...
كل ذلك لا يمنع أبدا من التعامل مع المليشيات والقوى الإرهابية بجدية وصرامة، ولكن ينبغي على حكومة المالكي ان تدرك أن معاجلة السطح لا تغني عن معالجة العمق، بل يجب أن تسير العمليتان بالتوازي على أقل تقدير...
كيف؟
ربما نلتقي في حلقة مقبلة إن شا ء الله.