يحاول العديد من الكتاب والساسة العراقيين تقديم دعاة رفض الفيدراليات على أسس دينية أو مذهبية بكونهم ضد مبدأ الفيدرالية أصلا. صحيح أن قانون الأقاليم الجديد يستند لنصوص في الدستور الدائم؛ ولكن أصل المشكلة هو هذا الدستور المتناقض الذي يفتح سبل الحكم الإسلامي باسم حكم الشريعة، والذي يهضم حقوق المرأة ، ويعطي للأقاليم صلاحيات استثنائية لا نجد مثلها في أكثر الدول الديمقراطية الاتحادية عراقة ورسوخا.
نعم، هناك من يرفضون هذا المبدأ أصلا، ونعم هناك من أثاروا باستمرار موضوع تعديل الدستور لحذف البنود الخاصة بالفيدرالية مع إعلانهم منذ التسعينيات بقبولهم بالفيدرالية الكردستانية. غير أن هذا لا يعني تبرير وتشريع قيام فيدراليات تقوم على أساس مذهبي بحت، كما هو معنى ومحتوي وغرض quot;فيدرالية الجنوبquot; من تسع محافظات لمجرد كونها ذات أغلبية شيعية. وإذا كان القانون الجديد قد اتخذ بعد مشاورات بين كتل سياسية عديدة، فإن هذا لا يعني أن القانون سليم وصحيح، لأن ما يقوم على الخطأ خطأ. وليرنا هؤلاء الإخوان، وخصوصا دعاة فيدرالية الجنوب والذين هم أصل المشكلة، أية دولة اتحادية ديمقراطية في العالم تقوم على أسس مذهبية أو دينية أو حتى عرقية بحت؟
إلا أن ما يقل أهمية وخطورة، في الوضع العراقي الراهن ليست إثارة موضوع الفيدراليات الجديدة بهذا الإصرار والإلحاح والاستعجال بقدر مدى ملائمة إثارة القضية مع الوضع الأمني والاجتماعي والسياسي المتدهور كل يوم. أية مشكلة هي الأهم والأخطر اليوم؟ هل إقامة فيدراليات جديدة ستزيد الوضع الأمني خسائر كبرى جديدة أم تركيز كل الجهود لضرب الإرهاب القاعدي ndash; الصدامي وحل المليشيات الحزبية، التي يبدو تماما عجز حكومة المالكي عن مجرد التفكير في حلها؟؟ أية قضية هي اليوم محور هموم العراقيات والعراقيين، الذين يعيشون يوميا تحت كابوس الخوف والرعب اليوميين من عمليات التفجير، والخطف، وقطع الرؤوس، والتعذيب قبل القتل، والتطهير الطائفي الذي تمارسه القوى المسلحة من الطرفين وبالطرق الأكثر بشاعة ووحشية؟ هذه المخاطر لم تعد تمس النشيطين السياسيين أو أقاربهم وحدهم أو كبار الموظفين والخبراء وحدهم، بل كل مواطنة ومواطن يجرؤان على مجرد الخروج من البيت بينما الموت المجاني يهددهم في كل لحظة.
أية فيدراليات جديدة بينما صواريخ القتل والتطهير تضرب كل يوم، والتدخل الإيراني في المحافظات المقصودة، وفتن صنائع إيران وفي مقدمتهم مقتدى الصدر هي على قدم وساق كما يقال، بموازاة تدخل سوريا وبعض أوساط الخليج الذين يقدمون العون المالي والسياسي والدعائي السخي لقوى القاعديين التكفيريين الذين يعتبرون الشيعي والمسيحي واليهود وكل غير المسلم السني أعداء للإسلام يجب اجتثاثهم؟!
القضية الأكبر اليوم هي ضرب الإرهاب بكل أشكاله ومذاهبه، وفرض الأمن وسيادة القانون وإنهاء الفوضى العارمة التي تشهد ظاهرة quot;كل لنفسهquot; أو quot;كلمن إلهْquot; كما يقول العراقيون.
ليست الفيدراليات هي همّ اليوم والتي تعني وتمس الشعب مباشرة، بل هو الأمن أولا وثانيا وثالثا، وإذا أريد تعديل الدستور فليكن الغرض منه حذف البنود عن أحكام الشريعة والتضييق على المرأة.
إن من كبريات مخاطر قيام فيدراليات دينية مذهبية فتح الأبواب لتدخل خارجي إقليمي أوسع نطاقا أضعافا مما هو عليه اليوم، وصراع الفدراليات والتقسيم. وآخر دليل إعلان القاعديين في الرمادي عن كون المنطقة quot;جزء من الجمهورية الإسلامية العراقيةquot;، أي جمهورية طالبانية كما يحلمون.
في ظروف كظروف اليوم تتطلب المصالح العامة قيام حكومة قوية بل عسكرية غير حزبية مؤقتة لمدة عام مثلا، تكون قادرة، مع أقوى تنسيق وتعاون غير مشروط مع القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها، على تحقيق المهمة. ترى، هل هناك من حل غير حكومة عسكرية وطنية غير حزبية لإنجاز المهمة الصعبة؟؟quot;
الوقت يمر، والعراق يسير حثيثا نحو كوارث جديدة ومحن ومآس أكبر وأوسع نطاقا. ولكن قوى سياسية ودينية عديدة لم تعد تفكر بغير حساباتها الخاصة ولو خرب العراق وفني الشعب!
هاكم الفتن الدموية الجديدة لمقتدى الصدر. أي بلد غير العراق يشعل فيه أمثاله الفتن المسلحة باستمرار رغم وجودهم في الحكومة والبرلمان؟! إن مقتدى الصدر هو حليف علني للتكفيريين والصداميين ومع ذلك هو في الحكم ويا للعجب. تذكروا مظاهرات التكريتيين ورفعهم صور صدام بجنب صور مقتدى الصدر. تذكروا إعلانه عن تأييد فتنة الفلوجة وإعلان القاعديين والصداميين عن تأييد إرهابيي جيش المهدي خلال فتنة النجف. فهل اهتم quot;البيت الشيعيquot; والائتلافquot;quot; بمعنى ذلك مع الصراخ اليومي عن اجتثاث البعث، أم في كل مرة يسارعون لإنقاذه كما حصل في عام 2004، ويفتحون أمامه باب السلطة والبرلمان حتى أنه بدون دعم النواب الصدريين ما كان ممكنا تنصيب السيد رئيس الوزراء؟!
نعم ، لا حل قريب في نظرنا غير حكومة قوية غير حزبية تركز كل الجهود على ضرب الإرهابيين ووقف التدخل الإقليمي وحل المليشيات. لكن السؤال هو: هل هذا حل عملي لو ترك الأمر للقيادات السياسية العراقية وحدها وبلا ضغط أمريكي مكثف ؟؟ لا أعتقد!