لم نزل بانتظار أن تقول العدالة كلمتها في الجريمة الإنسانية البشعة التي ارتكبها جندي أمريكي، أرتكب الجريمة بباعث دنيء، وأنتهز فرصة ضعف المجني عليها وعدم وجود سلاح للدفاع عنها وعائلتها، وأستعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب الجريمة والتمثيل بجثث المجني عليهم ، لم نزل بانتظار ما تقوله المحاكم الأمريكية بحق هذا الوحش البشري (ستيفن كرين)، الذي أقدم على اغتصاب الفتاة القاصرة (عبير)، ومن ثم أقدم بدم بارد على قتل عائلتها.
ففي تمام الساعة الثانية ظهر يوم 12 آذار2006 اقتحمت ثلة من جنود جيش الاحتلال الأمريكي دار السيد قاسم الجنابي، في منطقة المحمودية، وبعد فترة قصيرة من عملية الاقتحام سمع الجيران صوت أطلاقات نارية، وبعد ساعة شاهدوا ظهور دخان يتصاعد من دار المذكور، ثم أنسحب جنود الاحتلال من المسكن، وأخبروا الناس الذين تجمعوا قرب دار المجني عليهم بأن مجموعة من جماعة القاعدة الإرهابية دخلت الدار وقتلت أصحابه جميعًا، ومنعت مجموعة جنود الاحتلال دخول أي مواطن عراقي الى الدار،
وتبين بالنتيجة أن عدد من الجنود اغتصبوا وقتلوا الشهيدة عبير قاسم حمزة رشيد الجنابي والتي يبلغ عمرها خمسة عشر سنة، والدها يعمل حارس في مخازن البطاطا الحكومية ويبلغ من العمر 36 سنة، يسكن مع زوجته وأربعة من أطفاله عبير1991 وهديل مواليد 1999 ومحمد 1998 وأحمد 1996.
وكانت السلطات الأمنية في مدينة quot;ناشفيلquot; بالولايات المتحدة الأمريكية، قد اعتقلت الجندي الأمريكي ستيفن غرين، الذي يبلغ من العمر 21 عاماً، ووجهت له تهمة قتل أربعة مدنيين عراقيين في منطقة المحمودية في شهر مارس/ آذار الماضي أثناء أداء خدمته العسكرية.
وجاء في بيان صدر عن الجيش الأمريكي من إن غرين الذي كان يخدم في الفرقة 101 المحمولة جواً في quot;فورت كامبلquot;، اعتقل مساء الجمعة، حيث وجهت له عدة تهم بقتل رجل عراقي وامرأتين وطفلة، إضافة إلى قيامه باغتصاب فتاة من بين القتيلتين.
الجريمة وقعت على الأراضي العراقية، والمجني عليهم جميعاً عراقيين، ومن المدنيين الذين لم يقاوموا الاحتلال الأمريكي، ومع وجود قوانين الاحتلال التي تتجاوز حتى على حقوق الإنسان وكرامة العراقيين، فأن للعراقيين قيم وأعراف، ولعل القضاة الأمريكيين مدنيين وعسكريين يدركون هذه الحقيقة، مثلما يدركون قيمة القسم الذي حلفوا به قبل أداء مهامهم، نقول لعل بينهم من يدرك خصوصية هذه القيم في المشرق وفي العراق بالذات، وكما ينبغي إن يعرف المجتمع الأمريكي أن الاحتلال والديمقراطية والحرية لايمكن إن تلغي قيم الشرف والكرامة.
وإذا كانت الجريمة قد ارتكبت في آذار من هذا العام، فلم تنجز التحقيقات معه لحد اليوم، حيث ظهر غرين قبل فترة قصيرة أمام محكمة فيدرالية في شارلوت بولاية نورث كارولينا، وينتظر أن ينقل إلى كنتاكي لمزيد من الإجراءات القضائية.
أن مرور ثمانية أشهر على الحادث كافية لانجاز التحقيقات الأولية لإحالة الوحش البشري ستيفن كرين الى ساحة القضاء لمحاكمته، والمماطلة في أرجاء التحقيقات تنم عن نية مبيتة لتسويف القضية، أو صدور الحكم المخفف وغير المتناسب مع حجم الجريمة الإنسانية البشعة المرتكبة بحق العراق كمجتمع، وبحق عائلة الضحية، وبحق المجني عليهم بالذات.
وإذا كانت جريمة اغتصاب الفتاة العراقية (عبير)، نموذجاً للجرائم الخسيسة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق العراقيين والتي لاتظهر للعيان ويتم التستر عليها، فأن هذه الجريمة لاتدعو فقط للأستهجان والاستنكار، وانما تدعو للمتابعة لمعرفة قيمة الإنسان وقيمة الشعوب وكرامتها الإنسانية في العقلية القضائية الأمريكية.
وإذ تنفرد الجهات الأمريكية في التحقيق بهذه القضية، فأنها ستقع في أخطاء عديدة لعدم معرفتها بالخصوصية العراقية، وفي حجم الجريمة التي نختلف مع الأمريكيين في مفهومها، فإذا كانت الجريمة جنائية واعتيادية في القوانين الاتحادية الأمريكية، فأنها تمثل جريمة بالغة الخسة والانحطاط والخطورة في الفهم العراقي، ومثل هذه الجريمة ستبقى في الذاكرة العراقية وتعبر بشكل جلي، ما يحويه العقل الأمريكي من التباسات وانحطاط لبعض العناصر التي استقدمت الى العراق لتعمل مع قوات الاحتلال.
وإذا كانت الديانة الإسلامية التي تعتنقها الضحية وعائلتها، واذا كانت القوانين العراقية التي تحكم الضحية وعائلتها، وإذا كانت القيم والأعراف التي تحكم الضحية وعشيرتها، جميعها تحكم الجاني بالموت، فأن أي حكم بديل عن حكم الموت بحق الوحش الخطر على المجتمع الدولي سيكون بائساً ومتجاوزاً على حق الشعب العراقي.
واليوم وبعد مرور هذه الأشهر التي تخللتها جرائم بشعة عديدة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتجاوزات على كرامة العراقيين، وتحت ذريعة التحوطات والخشية تم قتل العديد من الأبرياء تجاوزاً أو عن طريق الخطأ، واذا كنا أشرنا سابقاً الى عمليات القتل الخطأ (القتل الغبي)، الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق العراقيين، فأن الحكم الرادع والعادل الذي يفصل في هذه القضايا، وأن لايعيد الحياة ولا يوازي حقوق الضحايا، ولكنه على الأقل يعيد الاعتبار الى حقوق الإنسان والمبادئ التي أستند عليها الدستور الاتحادي الأمريكي، و التي تحكم الولايات بشكل عام.
كما أن تعكز قوات الاحتلال على عدم مسائلتهم عن الجرائم المرتكبة بحق العراقيين، باعتبار أن العراقي لايستحق أن يكون بالمستوى الإنساني للجندي الأمريكي وفقاً للمفاهيم الدولية والأمريكية الجديدة، فأن هذا الأمر لايعطي الحق لهذه النماذج من الجنود التي لم تتعلم القيم ولا عرفت بخلق العراقيين أن تتعدى على كل تلك القيم والأعراف بزعم أنها محصنة ضد المسؤولية التي تقوم القوانين بتطبيقها على الجناة في كل زمان ومكان.
وعليه نقول لو أن عراقياً أغتصب أمريكية ومن ثم أقدم على قتلها وتصفية عائلتها ؟ فهل يمكن إن تتم المساومة والتسويف والمماطلة في قضيته، أم يصنف من قبيل الخطورة الدولية والتوحش البهيمي الذي يدفع باتجاه الحكم بإعدامه بأية وسيلة توفرها بعض الولايات ؟ وهل يمكن إن ينفرد العراق وحده في التحقيق بالقضية حصراً دون مشاركة دولة المجني عليها أو المنظمات الدولية المختصة ؟
بشاعة الجريمة وخستها تكمن أنها ارتكبت بحق عائلة فلاحية بسيطة لاتملك الأسلحة لتدافع عن نفسها، وإنها بقصد ارتكاب انتهاك للشرف العراقي، وانها بشعة استعمل فيها الجاني خلاصة تربيته وما تعلمه في الوسط المنحط الذي يعيش فيه، بالإضافة الى أن الرغبة الحيوانية الجامحة دفعت به ليس الى الاغتصاب فقط، وانما الى قتل جميع أفراد العائلة بسبب ذلك، وبمعاونة عدد من زملاءه.
أن وزارة العدل الأمريكية وقضاة المحاكم الاتحادية مدعوون للإسراع في إصدار القرار القضائي المشترك بحق الجناة بالاشتراك مع القضاء العراقي وبمشاورته، باعتبار أن الجريمة هزت المشاعر الإنسانية ولايمكن معالجتها وفقاً للمنظور الأمريكي للجريمة، فلن تهدأ النفوس ولن تتوقف القلوب عن الاضطراب والاحتراق مادام الجاني قابعاً تحت مظلة الإجراءات الأمريكية، ومادامت الأمم المتحدة والحكومة العراقية غافية أو منشغلة بترتيب الأوضاع الأمنية والتحصن ضد الإرهاب، ومادام الجميع منشغلاً باختراقات الأمن والطوائف والجماعات المسلحة وعمليات الاغتيال التي تجري بين العراقيين، ويبقى الجاني ستيفن كرين سليماً معافى تحت الحراسة الأمريكية، تحميه حقوق الإنسان، وتبقى (عبير) تحمل معها شرفها المثلوم وجراحها الندية وموتها المفجع لاتداريها أمم متحدة ولا حقوق الإنسان، ولا تتذكرها منظمات المجتمع الدولي فهي مجرد فتاة عراقية.
المطلوب إعلانه من قبل السلطات التحقيقية، الكشف عما أذا كانت عملية الاغتصاب بعد الوفاة أم قبلها، فأقدام هذا الجاني على ارتكاب الفاحشة مع جثة يجعله يميل الى فصائل متوحشة لايدانيه أي إنسان مهما بلغت درجة انحطاطه، لأن ارتكاب الفاحشة مع جثة ميت وملطخة جثته بالدماء، تدلل على المستوى السوقي والحيواني الذي يسطر على روح وعقل الجاني، وإذا كان سبب إقدامه على قتل العائلة بسبب دفاع المجني عليها عن نفسها، فأن ارتكاب الجاني فعله الإجرامي بباعث دنيء وبطريقة متوحشة، بالإضافة الى ارتكابه عدد من الجرائم لتغطيته عن جريمته الأولى، والغريب أن يعترف الجاني بالجريمة، ومع هذا فأن الإجراءات لم تزل تسير ببطء، بانتظار إن يتم مسحها من الذاكرة حتى يمكن إن تحتويها جريمة أخرى تغطي عليها ويبلعها الناس.
وقال الجيش الأمريكي في بيان له إن جنديا خامسا وجهت له تهمة التقصير في أداء واجبه لأنه لم يبلغ عن هذه الجرائم quot;لكنه غير متهم بالضلوع مباشرة في الاغتصاب والقتلquot;.
وذكر البيان أن الخمسة سيمثلون أمام محكمة عسكرية وأنهم متهمون بالتخطيط مع -الجندي السابق والمتهم الرئيس في الجريمة ستيفن دي غرين- في ارتكاب هذه الجرائم.
كما أن مصداقية القيادات العسكرية الأمريكية أمام العالم، في اتخاذ الإجراءات القانونية والسريعة بحق الجاني، باعتباره يمثل شرف دولة تزعم أنها تقدس الحرية وحقوق الإنسان، وأنها احتلت العراق لتخليصه من الدكتاتورية التي كانت لاتتوانى عن الأقدام في انتهاك شرف العراقيات، مثلما يقدم عليها الجندي الأمريكي، وسيان أن كان الانتهاك من عناصر الأمن في سلطة الطاغية أو من قبل عناصر الجيش المحتل.
وعلينا أن نتصور حجم الإجراءات والاهتمام البالغ بانجاز التحقيق وعرضه على الجهات المسئولة عن حقوق الإنسان، ومحاولة أشراك كل منظمات الأمم المتحدة في مثل هذه القضية لو كانت المجني عليها من الأمريكان.
- آخر تحديث :
التعليقات