مشكلتنا في العالم العربي تحديدا إننا نتعامل مع كل حدث يمر بنا أو نستقبل اللطمات التي توجه إلى اقفيتنا وهي كثيرة والحمد لله بعاطفتنا وحماسنا بينما نغيب في اغلب الأحيان عقولنا في وقت يفترض أن تكون هي المتسيدة فيه، نفعل ذلك في حياتنا اليومية فنجد اثنين يتشابكان حتى تظن انك لن ترى احدهما حيا بعد المشاجرة ثم إذا بك تفاجأ بالاثنين يتصافحان ويتبادلان الأسف لمجرد أن ثالثا قال كلمتين للتهدئة، ونفعله في العمل حين نشمر عن سواعدنا في بداية الدوام ثم نتراخى ساعة بعد الأخرى حتى ينتهي اليوم دون إنجاز نصف أو ربع ما كان يفترض بنا إنجازه، كما نفعله في السياسة حيث نشجع ونستنكر ونؤيد ونحن جلوس على المقاهي الثقافية منها والشعبية على حد سواء دون أن نفكر في وسيلة للتغيير وإذا حدث المستحيل وتحركنا فأقصى ما نفعله هو الهتاف بالروح بالدم نفديك يا كذا دون أن يكون لدى أي منا أدنى استعداد لبذل ولو نقطة دم واحدة من اجل الشخص أو القضية التي نهتف من اجلها.
وإذا كان كل ما يحدث لنا ونتعامل معه بهذه الطريقة التي تعد بابا سحريا للخسارة في كل قضايانا يدخل في إطار المقولة السحرية المصرية quot;أهي عيشة والسلامquot; إلا انه يمس في بعض الأحيان مقدسات دينية أو فكرية بحيث تكون الخسارة فيها افدح بكثير من أن نبحث لها عن كلمات لتسهيل بلعها أو نشتري دمية الغيظ التي تسبه الشخص الذي نكرهه لنظل نضرب فيها حتى ينطفئ غضبنا، واعني هنا تحديدا قضية الدانمرك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإصرار بعض الفعاليات هناك على الإساءة له وإهانته رغم الهبّة الإسلامية التي حدثت عقب الإساءة الأولى.
ما الذي يعنيه ما فعله الدانمركيون مجددا؟ وما هي الإشارة التي يمكن التقاطها من إصرارهم على إهانة رمز المسلمين؟ وهل السكوت الرهيب من مسلمي العالم على الإهانة الثانية استسلام للواقع المرير الذي يؤكد إننا أصبحنا مثل طين الأرض موجودين فقط ليدوس علينا الآخرون أم انه تكبير مخ حتى نفوق على الدانمركيين المتعصبين فرصة الشماتة فينا إذا غضبنا واصطدمنا بحكوماتنا وقوات الشرطة المستعدة دائما لقمع أي مواطن عربي يتظاهر ولو كان من اجل فريقه الكروي؟
الواقع أن هناك أكثر من إشارة يمكن أن يلتقطها المرء مما حدث أولها وأبرزها أن الإصرار الدانمركي على إهانة رمز المسلمين ومن ثم المسلمين أنفسهم يؤكد لهؤلاء الذين غضبوا في المرة الأولى أن سلاح المقاطعة الاقتصادية _وهو بالمناسبة لهواة الهجوم على كل ما هو ديني احتجاج غاية في التحضر بما باعتباره وسيلة غربية في الأصل) غير فعال ولم يؤلمهم ربما لأن هناك كثيرون بيننا خرجوا ينددون بضيق أفق المقاطعين أو لأن نفس المسلمين لم يكن طويلا فعادوا سريعا إلى أحضان الجبن والزبد الدانمركيتين أو ربما لأن هناك من تحمل الخسائر بدلا من الدانمركيين.
وهناك رسالة ثانية لا يمكن أن تفوت على متأمل وهي ما يمثله هذا الإصرار من استهانة بالمسلمين وعقيدتهم بعد أن رأوا بأم أعينهم حجم التخاذل الرسمي من الحكومات الإسلامية ومؤسسات العالم الإسلامي تجاه التبجح الأول لدرجة أن رئيس احد أهم المؤسسات الإسلامية العربية خرج علينا يوم الإهانة الأولى ليقول أن ما فعله الدانمركيون لا يصح لأن الرسول في ذمة الله حاليا ولا يجوز سب رجل ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه!! أي أن الرجل المتفقه في الدين لا يرى في رسوله سوى رجل ميت لا يجوز سبه.
وبعيدا عن مسألة الأديان والتعصب لها وهو مرفوض بكل المقاييس مني ومن كل ذي عقل فان مسألة الاستهتار بالرسول عليه الصلاة والسلام مثلا مثل الاستهانة بأي من الرسل الآخرين وحتى الرموز الدينية أراها تؤجج مشاعر الحقد والكراهية بين الأديان والحضارات دون أن تخدم هدفا واحدا كما انه لا يمكن أن نسمع سبابنا صباحا ثم يطلب منا في المساء أن نصدق كلمات الإطراء فينا مساء دون أن يكون من حقنا الاعتراض أو التصرف بما يصون لنا كرامتنا لان ذلك من سمات الشعوب quot;البيئةquot; أما الشعوب الشيك فلا تغضب من شتيمتها رغم أن الغرب واليهود هم أكثر شعوب العالم غضبا لكرامتهم وحتى أفكارهم الشاذة أحيانا.
وإذا كان هناك من يلوم المسلمين على الغضب لرسولهم فعليه أن يبرر لنا لماذا غضب الفاتيكان من فيلم آلام المسيح؟! ولماذا قاتل كل رجال الدين المسيحي في اغلب دول العالم لمنع تداول رواية شيفرة دافنشي والفيلم المأخوذ عن الرواية؟! ولماذا يحارب كل من يتطرق للمحارق النازية ويشكك في حدوثها رغم أن ذلك من تفاصيل حرية الرأي التي يطالبنا مثقفينا الاكارم باستيعابها؟!
- آخر تحديث :
التعليقات