في القرآن الكريم أمر الله المسلمين أن يتشاوروا في الأمر وأفرد للشورى سورة كاملة نقرأها بألسنتنا دون عقولنا.. ولم يأمرنا بأي نظام محدد لهذه الشوري أو للحكم إلا القواعد العامة التي تؤكد عليها كل دساتير الدول الديمقراطية الحديثة من عدل ومساواة وتداول للسلطة.. وترك هذا الأمر لعقولنا نجتهد فيه تبعا لظروف المكان والزمان وما فيه مصلحة لنا كمجتمعات وشعوب.. ورسول الله لم يورث الحكم لأي من صحابته ولا أي فرد من عائلته بعده وكان قادرا علي ذلك ولكنه لم يفعل لحكمه بالغة خالفها من يسمون أنفسهم أهل السنة وخالفها من يعتبرون أنفسهم شيعة أهل البيت.. وجميعهم لم يتأسوا بسنة رسول الله العملية المتواترة.. كما لم يتأسوا بالكثير من سننه العملية الأخري و المرويات المتواترة مثل خطبة الوداع التي قال فيها رسول الله لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوي اتساقا مع القرآن في أول آيات سورة البقرة.. التي نقرأها كثيرا دون أن نعمل بها ونعرف من هم المتقين الذين أكد الله أن الكتاب هو هدي لهم.. ورأينا بعد ذلك علي مدي التاريخ أن هناك تفريقا سياسيا بين العربي والعجمي و حتي بين العرب أنفسهم سواء كانوا مهاجرين أو أنصار... من يتولي الإمارة ومن يتولي الوزارة ومن لا يحق له تولي أي منصب..
أهل السنة يعتمدون علي الحديث الذي قال فيه رسول الله صلوات الله عليه وسلم quot;تركت فيكم أمرين أو شيئين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض quot; وفي حديث آخر يعتمده الشيعه أيضا رواه الترمذي والطبراني عن جابر بن عبد الله أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحبة يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب الناس، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم من إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
وقد صحح الألباني هذا الحديث، ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه... قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي..
سنة رسول الله الحقيقية التي تبعه فيها أهل بيته والكثير من المسلمين دون أن يسموا أنفسهم أهل سنة أو شيعة.. أنه كان أمينا وصادقا ويشاور صحابته في الأمر ولم يكن مستبدا طاغيا عنيفا وأنه لم يورث أحدا الحكم بل ترك الأمر شوري بين المسلمين.. فهل نحن فعلا أهل سنة.. هل اتبعنا كتاب الله فعلا وسنته كما يقول علماؤنا الأفاضل.. رسول الله صلوات الله عليه وسلم لم يكن فظا غليظ القلب وكان يدعوا الي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.. فهل نحن كذلك ؟.. وهل راعينا أهل بيت رسول الله كما قال لنا في حديث صححه أهل السنة ؟.. أم قاتلناهم وقتلناهم..
في الحديثين المعتمدين من أهل السنة والجماعة وشيعة أهل البيت.. ليس هناك نصا لتوريث الحكم لأي إنسان.. بل هناك نصا عاما باتباع كتاب الله وسنة رسول الله.. التي هي منهاجه وطريقته.... فهل فعلنا ؟
بل نسينا سنة رسول الله الحقيقية وسنة أهل بيته وكلام الله في القرآن في سورتي آل عمران والشوري الواضح السهل الذي لا يحتاج تأويلا وتفسيرا :
سورة آل عمران (الآية 159) في قوله تعالى: quot;فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ quot;
وسورة الشورى (الآية 38)، قال تعالى: quot;وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَquot;
هذا هو كلام الله.. وهذه هي سنة رسوله الحقيقية.. لم يورث حكما ولم يوصي لأحد بعده.. وكان عف اللسان ولم يكن فظا غليظ القلب وكان يدعو الي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يكن علينا مسيطرا بل كان مذكرا.. فما بالنا لا نتبع سنة رسول الله الحقيقية فنورث الحكم ونوصي به لفرد أو قلة من الناس ولا نراعي خيرا في أهل بيته وننشر العنف.. وندعو الي سبيل الله بفظاظه وغلاظه.. حتي وصل بنا الحال وكأن الإسلام في حالة عداء مع باقي العالم.. وكأن الدول الاسلامية والعربية هي الدول الوحيدة الباقيه علي سطح البسيطة التي تقاوم الديمقراطية ونظم الحكم المدنية..
وكما يقول د. بشار عواد معروف في مقال له وهو محق تماما :
quot;المجتمع الإسلامي يستطيع اليوم أن يضع القوانين والنظم والتعليمات الخاصة بالشورى بحسب ما يراه ملائما لعصره دفعا للاستبداد بالرأي، من غير اعتبار للتطبيقات العملية التي مارسها الخلفاء أو الأمراء أو الحكام عبر العصور؛ لأنها كانت ملائمة لعصورهم، وليست أمورا دينيةquot;
في الحقيقة الدولة المدنية التي يتم تداول السلطة فيها سلميا ودوريا عبر انتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب نظام الحكم الذي يريده والحاكم الذي يستطيع تطبيق هذا النظام.. ويتم انتخاب مجلس تشريعي يضع القوانين التي تحفظ مصالح الشعب وتستلهم مبادئها من مرجعية عليا هي مباديء الأديان السماوية كلها وعلي راسها الاسلام والقرآن من عدل ومساواة وسيادة للقانون علي الجميع دون تمييز... والفصل بين السلطات.. هي الدولة التي تمثل روح وجوهر الاسلام والقرآن وسنة نبي الاسلام العطرة.. وتطبيقنا لهذه الدولة هو الانتصار الحقيقي لنبي الاسلام بدلا من صراخ الشيخ القرضاوي علي قناة الجزيرة طلبا للتبرعات لنصرة رسولنا الكريم.. تطبيقنا لهذه الدولة هو الرد العملي لكل من يحاول الإساءة للإسلام ونبيه صلي الله عليه وسلم..
إن رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم لم يورث الحكم لشخص من بعده ولم يوصي لشخص أو نظام معين في الحكم.. وترك الأمر شوري للمسلمين يختارون الشخص الأفضل والنظام الأصلح حسب المكان والزمان.. ثم نجد بعض المسلمين قديما وحديثا ممن لم يتأسوا برسولنا الكريم مع كثرة حديثهم عن اتباعهم لسنته وترديدهم لأحاديث أحاد يورثون الحكم ويفرضون سطوتهم واستبدادهم علي خلق الله ويتقاتلون ويقتلون بعضهم البعض الي اليوم في سبيل السلطة ثم يدعون بعد ذلك أنهم يريدون إقامة الحكم الاسلامي..
لنا الله
التعليقات