أن تكون عميلاً للأجنبي على حساب بلدك، وأهل بلدك، فلا فرق بين أن تكون عميلاً لواشنطن أو عميلاً لطهران، فالأمر سيان. فإيران وأمريكا كلاهما أجانب بالنسبة للبناني. هذه هي الحقيقة التي يحاول نصر الله، ألا يفهمها. ولو خيّرت (أنا) بين أن أكون عميلاً لأمريكا الدولة المتحضرة، وإيران الدولة المتخلفة، فلن أتردد لوهلة في اختيار أمريكا، طالما أن القضية عمالة في عمالة في التحليل الأخير.

حزب الله - كما يعترف قادته - هم ممثلون لإيران، أو بلغة أدق: عملاء لها، و(لخامنئي) المرشد الديني والسياسي الإيراني سياسياً وعقدياً. وحزب الله هو الذي يقبض من إيران، ليس السلاح فقط، وإنما حتى (قيمة) أقمشة عمائم قادته السوداء والبيضاء، وأحجبة نسائهم، وحفائظ أطفالهم، جهاراً نهاراً، وعلى رؤوس الأشهاد، أو كما يقولون : على عينك يا تاجر. وعندما يأتي هذا النصر الله، لينتقد، ببجاحة، حكومة فؤاد السنيوره، وأقطاب 14 آذار، لأنهم ndash; كما يقول ndash; عملاء للأجنبي، هنا يُعيد نصر الله المثل الذي يقول : رمتني بدائها وانسلت ِ !

كما أن حسن نصر الله، وحزبه، هم الذين أشعلوا حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان، تلك الحرب التي كلفت لبنان، المنهك أصلاً اقتصادياً وسياسيا وأمنياً، ليس الأخضر واليابس فحسب، وإنما الجذور أيضاً، ليأتي نصر الله، ويقول في (واقعيّة) نادرة منه، وربما أنها زلة لسان، تعليقاً على الحرب الأخيرة : لو كنا نعرف أن إسرائيل ستتصرف بهذه القسوة، لما (اختطفنا الجنديين الإسرائيليين)!.
اسم الله عليك، بعد إيه؟، بعد أن خرّبت مالطا!.

نحن نعرف، والعالم من أقصاه إلى أقصاه يعرف، أنكم حولتم لبنان، وأهل لبنان، وحاضر لبنان، ومستقبل لبنان، وطوائف لبنان، إلى (ساحة) يُصفي فيها الإيرانيون، وكذلك السوريون، حساباتهم مع الآخرين. كما أننا نعرف، والعالم من أقصاه إلى أقصاه يعرف، أن أيديولوجيتكم، وأيديولوجية حزبكم المعلنة، والتي تقوم وتتمحور وترتكز وتنطلق من (العمالة) لطهران، تتعارض تعارضاً جوهرياً مع مصلحة وطنكم؛ على الأقل في سلم الأولويات؛ ليس هذا فحسب، وإنما حوّلتم العمالة، لأول مرة في تاريخ الإسلام، إلى (مذهب فقهي)، من سلكه، وتقيّـد به، فاز بالنعيم والنجاة من النار حسب معاييركم !
فمن هو (العميل) للأجانب بالله عليك؟

ومهما حاول حزب الله، ومعه الأحزاب (الرديفة) : حركة أمل، وحزب عون، أو تلك الوجوه اللبنانية العميلة والهشة والمزورة، التي خسرت بمجرد أن خرج (السوري)، ذر الرماد في العيون، عن سبب تأزيمهم للموقف السياسي فلن يستطيعوا.. السبب، والمقصد، والغاية، هو تعطيل (المحكمة الدولية) بشأن اغتيال الحريري، بأية طريقة، ومهما كانت التضحيات، حتى وإن كان الثمن (عودة) لبنان إلى الحرب الأهلية، وضع نقطة في نهاية السطر.
ولو أن (السنيوره) وحكومته، قبلوا تعطيل المحكمة الدولية، أو على الأقل عرقلوا مسيرتها، لبقي نواب حزب الله وأمل في الحكومة، ولما استقالوا. الهدف - إذن- وبكل جلاء و وضوح، هو حماية (قفا) السوريين من أن تطالهم سياط اتهامات هذه المحكمة، التي يبدو أنها قادمة لا محالة.

ورفض المحكمة الدولية أصبحت هي (أولى) أولويات (إستراتيجيات) عهد بشار الأسد، التي تتمأسس عليها، ولخدمتها، كل توجهات الدبلوماسية السورية مؤخراً. ولعل ارتماء سوريا في أحضان طهران، وانقلابها على نهجها العروبي التاريخي، الذي يواكب أيديولوجية حزب البعث الحاكم، يشير بكل قوة إلى ما أقول، ويشير ndash; أيضاً ndash; إلى معرفةٍ سورية أكيدة بمآلات ونهايات التحقيقات الدولية بشأن اغتيال الحريري. ومن المحزن والمخزي والمثير للقرف لكل لبناني شريف و وطني أن تخطئ شلة (حسب الله) في الحساب فتدفع شلة ( نصر الله) الثمن؛ ليس ذلك فحسب، وإنما تضحي بكل مكتسباتها، وجماهيريتها على مستوى لبنان والمنطقة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من (ورطة) السوريين التي يبدو أن خنّاقها يضيق مع إطلالة كل يوم جديد. وهكذا هم (المتهورون) كبشار الأسد دائماً، يأخذ منهم (الغرور) مأخذه، فيظنون أنهم أكبر من أن ينكشفوا، فضلاً عن أن يُساءلوا، فضلاً عن أن يحاكموا؛ وأن بإمكان أجهزتهم التعمية على الجميع، والإفلات من المسؤولية، فيتخذون (القرار) الخطأ، أو القرار الورطة، وفي النهاية، أو في المحصلة، هاهو يبحثُ عن مخرج بأي ثمن من قراره الغبي والمتعجل مهما كانت التنازلات.

حسن نصر الله، بري، عون، والبقية الباقية من (زعران) سوريا وعملائها الصغار في لبنان يعملون الليل والنهار، وبكل ما أوتوا من قوة، لإنقاذ بشار من ورطته. هذا بالمختصر المفيد ما تشير إليه الأزمة السياسية في لبنان.