ناحلا بجسد واهن يلم بكلتا يديه وفوق عظام صدره البارزة كل عذابات البشر والآمهم ، مكللا بغصن رطيب من أشجار زيتون فلسطين يدور مذهولا في حارات الفقراء ، ينثر المحبة ويزرع الصفاء والتسامح ، ويوصي بأن يحل السلام في الأرض وأن تمتلئ القلوب بالمسرة ، ويتوقف عند حشد من الخائفين والجياع يقول لهم : ليس الأصحاء هم المحتاجون الى الطبيب بل المرضى .

فيضج من حولك بشكوى إن الناس تقتل الناس دون ذنب ودون سبب ، وأن الشر ينتشر في الهواء فلا يترك الأطفال ولا الشيوخ ولا عابري السبيل ، وأنت لم تزل تقول لاتقاوموا الشر بمثله ، بل من لطمك على خدك الأيمن ، فأدر له الخد الأخر .
عن أي خد ياسيدي تتحدث أنهم يذبحون البشر مثل النعاج ، هل ندير لهم الجهة الأخرى من الرقبة لتسهل لهم عملية النحر ، وهل يليق قتل البشر مثل الخراف ، وما يزيد النفس حزنا ياسيدي أنهم يصلون ويكبرون باسم الله ويسبحون ولهم ملامح مثل ملامحنا .
أنهم يكرهون الإنسان تحت ذريعة المنكر وحقد الطائفية وكراهية الآخر ، وقد تشبعت قلوبهم غلظة وحقداً فباتوا لايعرفون غير القتل لغة ، وتفخيخ البهائم التي سبق وان طردتها من ملكوت الله لقتل اكبر عدد ممكن من خلق الله ، والذبح وسيلة وطريقة لشفاء مافي الصدور ، وحين يذبحون ينامون ملأ عيونهم ويأكلون ملأ بطونهم ويضحكون لما أنجزوه من عمل في ذبح الإنسان .

نتجمع حولك من كل الأديان ، نردد ما قاله الله (( إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ )) ، فبحق قربك ووجاهتك إن تتعرف لنا على ما يجري في شوارعنا وفوق أجساد شبابنا .
جياع وصائمين من تقتلهم أجساد البهائم المفخخة ياسيدي ، ولم تكن وجوههم عابسة فالفقراء دائما يبتسمون ، ولم يعطروا وجوههم فلم يلحقوا خبزتهم فالله يعطر ارواحهم ، وهم لايملكون سواها ، وتراكضوا غبشا لعملهم أملا بأجور تقيهم وأطفالهم جوع الدنيا .
بأسم الله يبدءون الذبح وبأسم الله يمسحون السكاكين الملوثة ، وباسم الله يصرخون عند بدء تفجير البهيمة لنفسه ، وقبلها باسم الله ربط أحدهم الحزام الناسف حول صدره وظهره وقرأ له أقوال مقدسة وآيات اكثر قداسة من الرب الجليل ، وأنت تقول ليس كل من يقول يارب .. يارب يدخل ملكوت السماء ، وسيقول الرب لهم ابتعدوا عني يافاعلي الآثم .

ياسيد السلام أنهم يعلنون الحرب على الفقراء باسم الدين ، ويعلنون الفتاوى التي تبيح القتل وسفك الدماء وتحث الناس على قتل بعضهم ، ويصرخون بصوت يشبه صوت الأفاعي أنهم ( طائفيون وحاقدون ) ، فتقول أن كل كلمة باطلة يتكلم بها الناس سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة ، فأنك بكلامك تبرر وبكلامك تدان .

وأنت تدور في حارات الفقراء وتعلن ان المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ، لاتستغرب من وجل الناس وخشيتهم إن تطل رؤوسهم عليك من بيوتهم ، فالرعب داخل قلوبهم ومع خبزهم ليلا ونهارا ، لاأحد ينشد للسلام اليوم ، فقد تحول المتناحرين لفرق تبطش بالبسطاء والفقراء والضعفاء والأبرياء لعلهم يغيضون بعض ، ومن يحترق هم من المساكين والبائسين والفقراء .

وتقول لنا أغفر لمن يخطئ ، ليس الخطأ اليوم ما نغفره للآخرين ، وإنما ياسيدي لم يعد بالإمكان إن كل ما يطلب بالصلاة بأيمان يناله الإنسان لأن الرب بات يشيح بوجهه عنا ، فقد انتشر الشر وساد العقول وسيطر على الأرواح ، حتى بات من يمارس الأجرام مفتيا ومتعبداً ورجل يتخذ الدين مطية ، وبات من يحث الخطى ليجد له مكانا رفيعا في زائلة من الدنيا يتقاتل ليكون له مركزا أو منصبا .

وانت لم تزل تقول لنا إن احبوا اعداءكم وباركوا لاعنيكم واحسنوا معاملة الذين يبغضونكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويضطهدونكم ، ولكنهم ياسيدي لايدعوننا نصلي لأجلهم ، فخناجركم مشحوذة فوق رقابنا تقتلنا على جريرة الأسم والهوية والمناطقية ، هب لنا فسحة من الزمن نستطيع معها إن نحبهم وان نعلن إننا نحسن معاملتهم ، فعند ركوعنا ستنفصل رؤوسنا عن الأجساد بفتوى شرعية .
وتقلب وجهك نحو السماء ثم ترتد الينا تقول لنا وماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ، ونحن معك نسأل عن الربح الذي سيجنون ومن قبلهم من اخذ أرباح الدنيا وأموالها ؟ وهم في غيهم يخسرون الله وأنفسهم ، ويحيلون حياة الإنسان الذي اصطفاه الله على كثير من المخلوقات وأكرمه وأحسن إليه الى جحيم وخوف وهلع وإرهاب .

نعم انه ميلادك ياسيد السلام ، فلا تنزع غصن الزيتون الذي يكلل جبهتك الناحلة ، ولاتمسح الدم المتيبس وماعلق برجليك من الحصى والأشواك ، الآم البشر تكاثرت وتنوعت وصار بعض بنوه افاعي وفريسيين ، وتحول القتل وشرب أنخاب الدم الى طقوس وأعراف ، وصار القتل دون سبب ودون وعي هواية يمارسها حتى ممن لادين له ولاضمير .

أحمل صليبك واحتفظ بأكليل الشوك ولك منا كل السلام في ميلاد السلام ، وحافظ على غصن الزيتون الذي تحمله بين ضلوعك فلم يعد لنا به حاجة ، فقد تحول القطيع الى ذئاب مفترسة تأكل بعضها ولاتعرف سبب هياجها ، ولم يعد غصن الزيتون علامة في مدننا وحاراتنا حيث يهرب الناس من بيوتهم حفاة وعراة .
نسمعك وانت تغادرنا حاملا الصليب تقول : اجعلوا الطريق مستقيمة إمام الرب .. أجعلوا الطريق مستقيمة إمام الله ، ثم يضيع الصوت تدريجيا في البرية .