تمر مصر الآن بمرحلة حرجة في تاريخها المعاصر.. تحتاج إلي قيادة حكيمة للإنتقال الي دولة مدنية مستقرة قادرة علي الازدهار والتحول الديمقراطي السلس لتتبوأ مصر مكانتها المستحقة في العالم والمنطقة..
مصر تملك كل الإمكانيات اللازمة لهذا التحول من قوة بشرية ومؤسسات دستورية..
كل ماتحتاجه هو الإدارة السليمة لهذه الإمكانيات..
والإصلاحات الدستورية المزمع عرضها علي مجلس الشعب من قبل الرئيس هي التي ستمثل العمود الفقري لهذه الإدارة السليمة..
فإن أكدت هذه الإصلاحات علي مدنية الدولة وحقوق المواطنة والتداول السلمي للسلطة من خلال نطام تعددي ديمقراطي حقيقي يفصل بين السلطات الثلاث.. التنفيذية والتشريعية والقضائية ويحترم حقوق الإنسان والمواطن ويحدد بوضوح مسئوليات كل سلطة.. ويمنع استغلال الدين في السياسة من خلال النص بوضوح في الدستور علي منع قيام الأحزاب علي أساس ديني أو طائفي.. في هذه الحالة ستمر هذه المرحلة الحرجة بسلام.. وستنطلق مصر بعدها شعبا ودولة نحو مستقبل أفضل..
المسئولية الأكبر في هذه المرحلة تقع علي عاتق الرئيس مبارك.. فالدستور الحالي والذي يريد الجميع إصلاحه يعطي الرئيس صلاحيات واسعة في اقتراح وتشكيل هذه الاقتراحات.. وكل قوي المجتمع المدني تؤمن بأهمية التغيير السلمي من خلال مؤسسات الدولة وليس من خلال الفوضي والعنف وغوغائية الشارع.. لصالح مصر ومستقبلها..
عندما تولي الرئيس مبارك المسئولية في مرحلة حرجة من تاريخ مصر بعد اغتيال الرئيس السادات.. تفهم الشعب المصري رؤية الرئيس مبارك في أهمية الاستقرار السياسي وأن هذا الاستقرار في ذلك الوقت كان له الأولوية علي أي إصلاحات ديمقراطية بل وأي إصلاحات اقتصادية.. ورغم تحول مصر الي اقتصاد السوق الحر كنظام اقتصادي في التسعينات.. فلم يتم تغيير بنود الدستور ليواكب تغيير السياسة الاقتصادية للدولة مما أدي الي تضارب وتعطيل للإصلاحات الإقتصادية بل ومدخلا لكثير من الفساد الذي ظهر في هذه المرحلة..
وعندما تبين للجميع أن أي إصلاحات اقتصادية حقيقية تحتاج الي شفافية سياسية لا يمكن توفيرها إلا من خلال نطام ديمقراطي مستقر يتيح تداول السلطة السلمي ويحمي مصر من أي تقلبات سياسية حادة تؤدي الي هروب رؤوس الأموال وانهيار الاستثمار في مصر.. بدأ التفكير في إجراء إصلاحات دستورية وسياسية حقيقية خاصة مع احتمالات غياب الرئيس المفاجيء لدواعي صحية..
تم تغيير المادة 76 من الدستور ليتم انتخاب الرئيس المباشر من بين عدة مرشحين بدلا من نظام الاستفتاء.. ورغم عدم رضاء الكثيرين علي هذا التعديل.. وأنا من بين هؤلاء.. فقد أعطي الشعب المصري تفويضا للرئيس مبارك ليكمل باقي الإصلاحات الدستورية من خلال إعادة انتخابه..
لقد تبين من خلال التطبيق الفعلي للتعديل الذي تم علي المادة 76.. أن سياسة الترقيع وترزية القوانين التي يجيدها للأسف بعض مستشاري الرئيس من الحرس القديم والذين بحكم العشرة والسن يحظون بثقة الرئيس وتأييده.. لن تؤدي إلا إلي غياب أي تحول ديمقراطي حقيقي يحمي مصر من أي تقلبات سياسية حادة مثل تلك التي نراها في المنطقة..
ولعل ما نراه أيضا في المنطقة من وضع خطر وفوضي في الشارع ناتجة أساسا من خلط الدين بالسياسة و ظهور أحزاب طائفية ومذهبية تلعب علي العواطف الدينية والمذهبية دون أن تقدم برامج سياسية واقتصادية حقيقية.. يجب أن يفتح عيوننا جميعا في مصر.. علي أهمية الدولة المدنية التي لا تفرق بين مواطنيها علي أساس ديني أو مذهبي أو عرقي ولا تعطي لفصيل أو حزب الفرصة للقول أنه الوحيد الذي يمثل الدين أو الطائفة أو الشعب..
ولهذا يجب أن تطال التعديلات الدستورية.. ليس فقط المواد الخاصة بنظام الحكم.. بل الأهم المادة الثانية من الدستور.. ليس بإلغائها.. إن كان هذا الإلغاء يخيف النظام من تداعيات حادة ويعتبره البعض ليس فقط في المعارضة وخاصة جماعة الإخوان ولكن أيضا من بين أركان النظام المحيطين أساسا بالرئيس ويتولون طبخ الاصلاحات الدستورية خطا أحمر دونه الدماء.. ولكن بجعل هذه المادة أكثر وضوحا وتفصيلا.. تمنع استغلالها من قوي رجعية تسعي الي تقويض الدولة المدنية في مصر.. ولعل ما حدث ويحدث في السنة الأخيرة أكبر دليل علي ذلك.. ماحدث في أزمة تصريحات وزير الثقافة و تظاهرات طلاب الأزهر العسكرية وما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين.. لأكبر دليل علي ذلك..
إن المادة الثانية من الدستور بنصها الحالي تعطي الفرصة لفصيل واحد أن يفرض وصاية علي مصر شعبا ودولة وعقلا.. مما يضطر الدولة الي التعامل الأمني معه.. فيحصل علي تعاطف أكبر بين جموع الشعب دون أن يقدم حلولا عملية لمشاكل هذا الشعب.. هذه المادة تعطي لهذا الفصيل الفرصة لممارسة التقية السياسية وابتزاز النظام والدولة والشعب..
ونحن دائما نذكر ماليزيا كمثال جيد للدول الاسلامية التي تبنت اصلاحات ديمقراطية حقيقية.. دون أن نستفيد فعلا من التجربة الماليزية ونقرأ نصوصها الدستورية التي تحمي حقوق المواطن هناك بصرف النظر عن ديانته رغم أن نسبة كبيرة من الشعب الماليزي لا تدين بالاسلام ولا حتي بدين سماوي (الاسلام أو المسيحية أو اليهودية ) وتحترم عقيدتها ولم نري هناك حكما بصدر من محكمة عليا في مصر بسبب المادة الثانية من الدستور يتهم بعض المواطنين المصريين الذين يرفضون النفاق والكذب أنهم مرتدين.. حكم محكمة في القرن الواحد والعشرين مازال يتحدث عن المرتدين!!!.. ونفس هذه المادة هي التي أدت الي حكم تفريق نصر حامد أبو زيد عن زوجته في واقعة نالت كثيرا من مكانة مصر السياسية والثقافية..
فماذا يقول الدستور الماليزي في هذا الشأن.. :
bull; الإسلام هو دين الاتحاد؛ مع ضمان ممارسة الأديان الأخرى بسلام وتآلف في أي جزء من الاتحاد..
bull; ما لم يقدم الدستور توكيلا صريحا بذلك، فإنه لا يجوز التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو النسب أو مكان الولادة في أي قانون متعلق بشراء أو امتلاك أو التصرف في ملكية ما أو تأسيس أو القيام بتجارة أو مشروع أو مهنة أو عمل أو وظيفة.
هذه المادة لا تلغي أو تمنع ما يلي:
zwnj;أ- أي من الأحكام التي تنظم قانون الأحوال الشخصية،
zwnj;ب- أي حكم أو ممارسة تحصر منصباً أو وظيفة متعلقة بشؤون أية ديانة أو بأية مؤسسة تديرها مجموعة تعتنق ديانة معينة بأشخاص يعتنقون هذه الديانة
سيدي الرئيس.. التاريخ لا يرحم.. وتقع مسئولية هائلة علي عاتقكم في هذه المرحلة.. ستتحملها وحدك.. ولن يشارككم فيها.. مستشارين ممن يجيدون ترقيع مواد الدستور.. من ترزية القوانين.. حفاظا علي مصالحهم الآنية دون أي اهتمام بمستقبل مصر..
إن لم تحظي مصر بإصلاحات دستورية حقيقية تؤكد علي الدولة المدنية وعلي الشعار الذي أعرف أنك تؤمن به وقلته عدة مرات.. شعار ثورة 19 الخالد.. الدين لله والوطن للجميع.. فستتحمل مسئولية اختطاف مصر من قبل فصيل واحد لا يؤمن بالديمقراطية.. ستتحمل هذه المسئولية أمام الله والتاريخ..
إن لم تحظي مصر في هذه المرحلة الهامة من تاريخها بإصلاحات دستورية حقيقية تضمن التداول السلمي للسلطة وتحدد بوضوح واجبات السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وتفصل بينها وتحمي استقلال السلطة لقضائية وحيادها.. إن لم تحظي مصر بإصلاحات دستورية حقيقية تحمي حقوق المواطن السياسية والانسانية.. وتحمي حرية العقيدة وممارسة شعائرها وتمنع التمييز بين المواطنين علي أساس الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس.. وتحمي حقه في قضاء عادل وشفاف وعلني.. وتحمي حرية التعبير والتظاهر السلمي لإبداء الرأي والمطالبة بالحقوق..
دون هذه الإصلاحات الدستورية الحقيقية.. لن يمكن أن تعبر مصر هذا المنعطف التاريخي دون أزمات حادة وتصارع سياسي و طائفي... يكون ضحاياه من الأبرياء.. إن سيادة القانون علي الجميع بدون تمييز.. وبساطته ووضوحه.. هو الذي سيحمي مصر شعبا ودولة.. وسيضمن مستقبلها.. أما المواد الدستورية الغامضة.. والقوانين المبهمة.. وعدم الفصل بين السطات وتحديد واجباتها بوضوح.. فهو سيدخل مصر في مرحلة حرجة تبدو مؤشراتها واضحة..
المسئولية تقع عليك وعليك وحدك يا سيادة الرئيس.. فالدستور الحالي هو الذي أعطاك صلاحيات واسعة لابد أن تتيعها مسئولية.. وإن أردنا إصلاحات حقيقية وسلمية تمر عبر المؤسسات الدستورية الحالية حفاظا علي مصر وأمنها ومستقبلها.. فيجب أن تقود سيادتكم هذه الإصلاحات وتتحمل المسئولة..
إنها رسالة أتمني أن تقرأها.. رسالة من مواطن مصري بسيط.. يدعو من الله أن تمر هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر بسلام.. ويكتب التاريخ أنك كنت قائد هذا التحول الديمقراطي الحقيقي..
أما إن حظينا بتعديلات دستورية ناقصة ومعيبة.. فالتاريخ سيحملك مسئولية ما قد يحدث من نتئج وخيمة تؤثر علي مصر ومستقبلها..
التعليقات