-1-
أعلن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى (المطيباتي الفصيح) فشله اليوم في حل الأزمة اللبنانية، وأعلن النتيجة ديبلوماسياً، قائلاً بأنه لم ينجح ولم يفشل. وعدم النجاح وعدم الفشل تعني سياسياً وواقعياً الفشل بعينه. مشكلة عمر موسى الكبرى، ومشكلة أي أمين سابق للجامعة العربية، أنه ممثل للأنظمة العربية، وناقل لوشوشات الزعماء. وبمقدار ما تكون الأنظمة العربية قوية وفاعلة ومؤثرة بمقدار ما يكون أمين الجامعة العربية كذلك.

وعمرو موسى شخصية سياسية قومية، أشاد بها quot;الفنانquot; الفحل شعبان عبد الرحيم بأغنيته المشهورة (بحب عمرو موسى وباكره اسرائيل). وعمرو موسى شخصية (مطيباتيّة) مهذبة، تحب العرب والعروبة بشكل أعمى، وهو على استعداد لتحمل الشيء الكثير في سبيل حل القضايا العربية العالقة. وهو يعلم ولا يقول، ويريد ولا يطول. ولكن الأمر ليس بيد عمرو موسى، ولا بيد الجامعة العربية.

-2-
الجامعة العربية، عبارة عن مقهى سياسي عربي كئيب، فاسد الهواء، متهالك الأثاث، تسكن الحشرات والزواحف جدرانه وشقوقه وأدراجه. يجتمع فيه العرب من وزراء وزعماء، لشرب القهوة العربية المُرّة، والقهوة التركية (مزبوط)، وتبادل النكات أو الشتائم أو سماع الاشاعات العربية.

فالجامعة العربية، لم تفلح منذ أن تأسست عام 1945 بفكرة انجليزية، كانت تسعى إلى لمِّ شمل العرب تحت سقف واحد ومجلس واحد، في حل أية مشكلة أو نزاع عربي على الإطلاق. والعرب حلّوا مشاكلهم مع بعضهم بعضاً إما بالحروب، وإما بقطع العلاقات الديبلوماسية مع بعضهم بعضاً، وإما بواسطة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإما بتدخل الدول الأجنبية في حل هذه الصراعات. ومعظم الخلافات العربية ndash; العربية، كانت خلافات شخصية مزاجية بين الزعماء والرؤساء. هذا لا يحب ذاك. وذاك لا يطيق هذا، ولا يستخف دمه، ولا يهضمه. والسبب في ذلك هو غياب الديمقراطية ودولة المؤسسات. فيُترك الحاكم على هواه، وعلى مزاجه. يحب من يشاء، ويكره من يشاء. يصادق من يشاء، ويعادي من يشاء. يسالم من يشاء ويحارب من يشاء. وفي غياب الديمقراطية والتعددية ودولة المؤسسات، يصبح الوطن مزرعة من المزارع كما هو الحال الآن، والشعب عبارة عن بهائم في حظيرة، لا نسمح لهم صوتاً غير أصوات الاجترار والرهز ودحم النكاح. ولا يمارسون غير الأكل والنكاح والتوالد. ولو ألقينا نظرة على الشعوب العربية لوجدناها تعيش على هذا النحو.

-3-
إذن، لقد فشلت الجامعة العربية اليوم في لبنان، ولبنان مؤهل بعد الأعياد، إلى تصعيد آخر جديد، كما أعلنت الأحزاب السورية ndash; الإيرانية، رغم تحذيرات عمرو موسى، بعدم التصعيد.

ولكن من هو عمرو موسى؟

وماذا يُشكّل هو وجامعته اليتيمة، ذات اليدين المقيدتين والرجلين المكرسحتين، من قوة وتأثير وفعالية أمام رغبة سوريا وإيران وحزب الله وحركة أمل وبقية الحلفاء في احراق لبنان، وقتله كما سبق وقتلوا زعماءه من السياسيين والصحافيين والإعلاميين؟

فلبنان منذ الاستقلال 1943 وهو كيان سياسي مرفوض بالنسبة لسوريا، لا تقيم معه علاقات ديبلوماسية ولا ترسّم حدوده. وما زال في الذاكرة السياسية السورية يعتبر جزءاً من سوريا، كما كان قبل 1920 عندما أعلن فصله عن سوريا، وقيام لبنان الكبير. والسوريون حكومات وشعباً لم ولن ينسوا بأن لبنان محافظة سورية. وما منع سوريا من القيام بحملات عسكرية لإعادة لبنان اليه، كما فعل صدام حسين في الكويت وقبله عبد الكريم قاسم، وهو أن قرار اقامة الدولة اللبنانية قرار غربي فرنسي، وحمايته هي حماية غربية وليست عربية، ولبنان محظوظ حظاً سعيداً بهذا. ولو رفع الغرب يده عن لبنان لدقيقة واحدة، لبادر الفك السوري إلى ابتلاعه في لحظة واحدة.

-4-
لقد سكت الفك السوري عن ابتلاع السردين اللبناني، طيلة السنوات الماضية، بسبب الخـوف من الغرب أولاً، وبسبب تهدئة أعصابه حيناً بإعطائه الحق في نهب لبنان وسرقته والعبث فيه فساداً وتنكيلاً طيلة سنوات الاحتلال السوري الثلاثين الماضية، ولكن دون التهام سياسي كامل على طريقة صدام حسين المغولي.

واليوم الفك السوري أُصيب بسعار رهيب، نتيجة احساسه بأنه فقد لبنان، وأن فرنسا وأمريكا، لن تسمحا له بالعودة إلى لبنان، كما كان في الماضي. وفي ظل هذه المعادلات السياسية الصعبة، يأتي عمرو موسى ndash; وبنية طيبة- لوقف الحريق اللبناني بسيارة مطافئ عثمانية!

الاشكالية اللبنانية الحالية ليس أمامها إلا الحرب الأهلية. وهذا هو هدف سوريا وإيران. فهاتان الدولتان تريدان أن ترى لبنان يحترق، حتى تُثبت للبنانيين بأن لبنان بدون المظلة السورية، هو كوم رماد ليس إلا. وعمرو موسى يدرك هذا تماماً، ولكن كان عليه أن يتحرك، كمن يؤدي واجب العزاء.

-5-
الخيبة الأخرى للطبِّ العرب التقليدي، كان في quot;المؤتمر القومي الإسلاميquot; الذي انعقد بالأمس في الدوحة، والذي انفضّ بدون حتى اصدار بيان، لأن المشتركين لم يتفقوا على صيغة بيان واحد. وذهبت الملايين التي صُرفت على اقامة هذا المؤتمر هباءً منثوراً، ولم يخرج المؤتمر إلا بفوز quot;عظيمquot; واحد، وهو تعيين منير شفيق منسقاً عاماً. ومنير شفيق كاتب عروبي، من صقور quot;المؤتمر القومي العربيquot; بقيادة خير الدين حسيب ومعن بشّور. كان مسيحياً ثم أسلم. وهو كاتب ضد الحداثة، وله أكثر من كتاب حول هذا الموضوع. وهو ضد العولمة ويُستضاف كثيراً في الفضائيات للهجوم على العولمة. وهو إلى جانب حماس، وحزب الله، ويكاد يكون أكثر إخوانية من الإخوان المسلمين أنفسهم. وهو حليف سياسي وفكري وثقافي لسوريا وإيران. ورغم هذا فهو من كبار كتاب الصحف السعودية التي تصدر في لندن، مثله مثل فهمي هويدي.
فسبحان مُقلّب القلوب.

-6-
دلّوني على مؤتمر عربي، أو قمة عربية، خرج منها العرب متفقين، مقررين، حازمين، مُنفذين؟

دلّوني على مؤتمر عربي سياسي واحد، خرج منه المؤتمرون وهم يحملون مقترحات، أو حلول واقعية هادئة، بعيداً عن الشعارات الرنانة، والخطب الطنانة.

للأسف، فإن معظم المؤتمرات العربية هي مهرجانات شعرية في واقع الأمر. صحيح أن محمود درويش، وسميح القاسم، وأحمد عبد المعطي حجازي، وأدونيس، وقبلهم نزار قباني لا يحضرونها، ولكن قصائدهم أو روح قصائدهم تكون حاضرة في هذه المؤتمرات، وعلى لسان الخطباء والمؤتمرين. وهؤلاء الشعراء وغيرهم من الشعراء العرب ذوي الحضور المنبري المُهيّج، والنجومية الشعرية الطاغية قبل ظهور نجوم منافسين، أكلوا الساحات الشعبية كنانسي عجرم، وإليسا، وهيفاء وهبي، وأمل حجازي وغيرهن، هم الذين خدّروا الشعور العربي، وعطلوا العقل العربي، بايهامهم مستمعيهم أن النصر قريب، وهو على الباب فانتظروه غداً، وأننا قوى مؤثرة في هذا العالم، وأننا نسود ولا نُساد، وأن فلسطين حق تاريخي ثابت، بدون عمل.

-7-
مثالان قريبان: مهمة عمرو موسى في لبنان، ونتائج quot;المؤتمر القومي الإسلاميquot; في الدوحة، دليل واضح على أن الطبَّ العربي السياسي التقليدي بالزعفران وحبّة البركة، طبٌ فاشلٌ وغير مجدٍ، في عصر الطبِّ الاليكتروني الآن.

فليس آخر الدواء الكيَّ كما قالت العرب قديماً، ولكن آخر الدواء إعمال العقل، والاعتراف بواقع الحال.

السلام عليكم.