قامت مؤخرا ظلامية الجزيرة ndash; وكعادتها ndash; بنشر شريط صوتي مسجل لأسامة بن لادن يعلن فيه استعداده لقبول هدنة مشروطة وطويلة المدى، إذا ما عرضت عليه الإدارة الأمريكية ذلك. تبعا لهذا، جاءت آراء quot;المحللينquot; من الغوغاء -كعادتها- لتأكد النهج السياسي الجديد للإرهابي و قدرته على وضع الكرة في الميدان الأمريكي. لكن الواقع يثبت أن القبول المخزي لبن لادن -في شريطه الأخير- إنما جاء نتيجة شعور بالإحباط والهزيمة.
في دراسة سابقة، كان تقديري لواقع المجموعات الأصولية الإرهابية أنها تجتاز مرحلة إنهاك في كل أفغانستان والعراق (**). مثل هذا الواقع سبق له وان فرض نفسه على الإمام الخميني عندما قبل بأخذ quot;جرعة السمquot; للقبول بوقف إطلاق النار مع صدام. وهذا ما يحصل الآن مع بن لادن. الحقيقة إذن إن هذا الأخير قد اسلم أمره هذه المرة بعد كل الدمار الذي أحدثه. وقد بدأ العمل في هذا الاتجاه منذ ندائه السابق على نفس الظلامية، بتاريـخ 29 أكتوبر 2004، بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عندما تنازل الإرهابي عن زيه العسكري وتهديداته العادية لليهود والنصارى. وإلا فما معنى القبول بالهدنة طويلة الأمد إذا كانت حالة بن لادن وأتباعه في تحسن بينما العكس يحصل لأمريكا، كما ادعى كذبا وبهتانا في خطابه؟ ألم يكن من باب أولى و أحرى، في هذه الحالة، أن يدعو أتباعه لزيادة وتيرة القتال؟ لماذا لم يدعوا الإرهابي في خطابه الأخير إلى خلق أكثر من أفغانستان وأكثر من عراق، كما كان الثائرغيغارا يدعو إلى خلق أكثر من فتنام؟
في مقال جديد لتوماس فريدمان بصحيفة quot; نيويورك تايمز quot; بعنوان quot; الحرب على الإرهاب ... وانحسار شعبية بن لادن،quot; راهن الكاتب على جرائم المنظمة ضد المسلمين ومعارضة المنظمات الإسلامية السياسية لها، وفي مقدمتها quot; الإخوان المسلمون،quot; التي اعتبرت أعمال القاعدة quot;تعود بالضرر على التنظيم وتلطخ وجه الإسلامquot; . لكن الحقيقة اكبر من ذلك.
لاشك أن بن لادن يدرك منذ مدة الكارثة الكبرى التي ألحقها بأفغانستان والتحول الكبير الذي حصل هناك كما في الجارة باكستان، حيث قامت قوى القبائل في المناطق الحدودية بالتصدي لعصابات طالبان والإرهابيين العرب المتسللين من أفغانستان، وحيث حصل تحول هام في الرأي العام، خلال الفترة الأخيرة، بدليل أن آخر استطلاعات الرأي تثبت رفض أكثر من 41% من الباكستانيين للقاعدة.
كما لا يمكن للإرهابي و ما تبقى من اتباعه تجاهل التحول الكبير في العراق، حيث تقدمت العملية السياسية كثيرا بعد الانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية. ولعل أهم مؤشر في الفترة الأخيرة يخص فقدان القاعدة الدعم المحلي في منطقة quot;المثلث السني،quot; حيث قامت المنظمة الإرهابية بقتل عدد من الزعامات المعتدلة بسبب مشاركتها في الانتخابات البرلمانية مثل الناشط السياسي مزهر الدليمي، مما أدى إلى مصادمات مباشرة بين أبناء تلك المناطق والقوى الإرهابية. كما أكد أحد شيوخ منطقة القائم في محافظة الآبار الشيخ / أسامة جدعان الدليمي، أن شيـوخ المنطقة بدؤوا عملية عسكرية لمحاربة الإرهابيين و quot;طرد الغرباء والدخلاء المتسللين من خلال حدود العراق مع سوريا والأردن والسعوديةquot; مؤكدا quot;سوف يكون قصاصهم عادلا وسوف يتلقون الضربات الموجعة التي لن ينسوها أبدا.quot;
و يبدو أن أول من اقتنع بهذا التحول المعاكس الإرهابي الآخر أبو مصعب الزرقاوي الذي اثر الهروب من منطقة الرمادي...
كاتب المقال منسق لجنة الدفاع عن ضحايا الفتاوى الإرهابية.
بريد إلكتروني [email protected] .
(**) عنوان الدراسة باللغة الإنجليزية:
quot;Defeating Terror by Undermining Islamism: why a war of ideas is urgently needed.quot;
التعليقات