متى ما فكرت- سيدي- بالكتابة، فعليك أن تحفظ لكل حدث جملة، ولكل مصيبة سياقاتها، ولكل حالة مفرداتها، وحاول أن تدخل هذه المفاهيم والمفردات والجمل في كتاباتك حتى تظهر أمام القراء بأنك quot;أبو الفهمquot; وأنك على درجة عليا من quot;الثقافة والوعيquot;! وهنا أنت لست مطالباً بأكثر من مراعاة واعتبار الآتي:

إذا جاءت سيرة الإصلاح فردد ببلاهة صفراء الجمل التالية: (الإصلاح ينبع من الداخل) أو (الإصلاح مطلوب ولكن هذا ليس وقته) أو (الإصلاح لا يأتي على ظهر دبابة) أو (يجب أن يكون الإصلاح منسجماً مع الثوابت ومتماشياً مع الضوابط الشرعية، وإلاّ يكون قفزة في الظلام)!

وإذا كان الحديث عن المطالب، فطالب بما يلي: (الشفافية) أو (الحوار مع الآخر) أو (نبذ التطرف) أو (محاربة الإرهاب) قل كل ذلك حتى ولو كنت لا تعرف معاني هذه المفاهيم، لأن القصد هو حشر ذي المفردات في سياق الكتابة حتى تكتب عند القوم كتَّاباً!

أما إذا حل موضوع السياسة فلا تتردد بتمرير كلمات كبيرة مثل (المحافظون الجدد) قل هذه الجملة حتى ولو كنت لا تعرف المحافظين القدماء، أو حتى الجدد، لأن أحداً لن يسألك عن هذه الكلمات...، كما لا تنسى أن تصف أمريكا بأنها quot;تتشدقquot; بالحرية، وأنها تكيل بـquot;مكيالينquot; وأشر إلى quot;الغطرسة الأمريكيةquot;، واحشر في مقالك قضية ضرب اليابان من قبل الجيش الأمريكي، لا مانع من أن تبدو يابانياً أكثر من اليابانين، ولا عجب في ذلك لأن من لم يهتم بأمر البشر فليس منهم!

أما إذا أتى الحديث على الوطن، فخذ نفساً عميقاً ثم أورد كلمات مثل (لنا خصوصتنا)، أو إننا (أصحاب هُوية)، أو (أصحاب رسالة) ويجب على العالم أن يصحح صورته عنا، لأنها صورة مغلوطة، وأننا بلد مستهدف يستهدفه الأعداء!

ولكن إذا كان الحديث عن العالم العربي ، فقل كل ما ذكرته عن الوطن، ثم أضف أن العالم كله quot;يطمع في خيراتناquot; أو (أن أمريكا تتآمر علينا) أو قل (إن العالم الغربي حاول السيطرة على العالم العربي خاصة بعد سيادة القطب الواحد وسقوط الإتحاد السوفيتي)!

وبعد.. كما تلاحظ عزيزي القارىء، خذ راحتك وأنت تكتب، فمثل هذه الأكاذيب، لها ملايين المصدقين، ولن يسألك أحد عن فحوى هذه الجمل، ومن الفاعل فيها؟ ومن المستهدف، وكيف، ومن الطامع؟ وبماذا يطمع؟ أو ما هي الخصوصية، وأين هي؟

وحتى يجد مقالك القبول والارتياح، أشر إلى بعض الوقائع والمدائن من خلال سطورك فصفْ- مثلاً- وعد بلفور بـquot;المشؤومquot; حتى لو كان الأمر الآن حقيقة فاعتبره أنت quot;وعداًquot; لأن quot;المخرج عاوز كداquot;!

كما لا تنسى أن تطالب بالمقاطعة، ووصف المخالفين لك بالحسدة والحاقدين! وحتى تكون جملك مفيدة منذ البداية، افتتح مقالك بقولك (لا شك أن الأمة الإسلامية مستهدفة) أو عبارة (لا يخفى على أحد ما يضمره أعداء الإسلام لنا) أو ابتدئ بمقولة لكاتب غربي، ثم عرّج مذكراً بمقولة من فمك أو دينك أو (وشهد شاهد من أهلها)!

هذه- صديقي القارىء- مبادىء علم الكتابة العربية، خذ ولا تخف، وسمِّ الله، وأكتب بيمينك، وصبْ لعنة الله عز وجل على القوم المخالفين!
[email protected]