سارعت quot;حماسquot; الى التكيف مع فكرة الوصول الى السلطة، وهذا أمر جيد يصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني. الأكيد ان الحركة لا تريد الأعترف بأنها حققت ذلك بفضل أتفاق أوسلو، لكن الأكيد أيضاً أنها قد تكون على أستعداد للتعاطي مع الواقع ومع الأتفاقات التي نجمت عن أوسلو. في النهاية لا يمكن لquot;حماسquot; الاّ الأقرار بأن اتفاق أوسلو كان اتفاقاً بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة أسرائيل، وهذا يعني ، شاءت الحركة أم أبت، أن منظمة التحرير أستعادت الكثير مما فقدته في الماضي، عندما كانت السلطة الوطنية والمنظمة وquot;فتحquot;، الى حد ّما، جسماً واحداً. وبات على quot;حماسquot; العمل الآن على وضع يدها على المنظمة، في حال كانت مصرّة على توحيد القرار الفلسطيني.

في أنتظار وضع quot;حماسquot; يدها على المنظمة، وقد تتمكن من ذلك كما قد لا تتمكّن، لا بد من سوق بعض الملاحظات في شأن الطريقة التي تصرّفت بها في الأيام القليلة الماضية. في مقدم هذه الملاحظات أن الحركة ظهرت موحّدة على خلاف ما كان يعتقد بعضهم. قبل كل شيء، تبين أن هناك أنضباطاً شديداً خلف السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot;. وأظهر مشعل خلال الجولة التي قام بها وفد للحركة وشملت بلدان عربية عدّة بينها مصر وقطر أنه قائد حقيقي يستطيع التعاطي مع أصعب الأسئلة التي تطرح عليه. وكان ملفتاً أن خالد مشعل تخلّص بلباقة شديدة من سؤال تقليدي يتعلق بالأعتراف بأسرائيل عندما قال أن المطلوب أوّلا أعتراف أسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني وليس العكس، خصوصاً أن أسرائيل تحتل أرض الشعب الفلسطيني وتصادر حقوقه وتمارس الأرهاب والقتل. مثل هذا الكلام يعجب من دون شك الجماهير العربية من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط، لكنه يتجاهل أمراً في غاية الخطورة مرتبط بموازين القوى الأقليمية والدولية. ويفترض بالسيد مشعل التنبه الى ذلك. فالمسألة مرتبطة الى حدّ كبير بالموازين القائمة أكان ذلك داخل فلسطين أو في المجال الأقليمي أو على الصعيد الدولي. لو كانت الموازين مختلفة لما كانت مصر أضطرت الى توقيع معاهدة سلام مع أسرائيل في العام 1979 بعد الزيارة التي قام بها الرئيس أنور السادات للقدس في العام 1977 . ولو كانت الموازين مختلفة، لما كان ياسر عرفات وافق في العام 1993 على توقيع اتفاق أوسلو الذي مكّنquot;حماسquot; من خوض الأنتخابات وأمتلاك الأكثرية في المجلس التشريعي الفلسطيني في السنة 2006 . ما لا بدّ من تذكّره في كل الأوقات أن quot;أبوعمّارquot; تعرض في مرحلة ما لحملة أميركية شرسة استهدفت تجفيف موارد منظمة التحرير الفلسطينية. وأدى ذلك في ختام المطاف الى مزيد من المرونة توّجت بالتوصل الى أتفاق أوسلو الذي أعاد الزعيم التاريخي الى أرض فلسطين.

على من يصل الى بعض السلطة بفضل أوسلو، أن يأخذ في الأعتبار الظروف التي أوصلته الى حيث هو بما في ذلك توجيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة الى وفد من الحركة لزيارة موسكو. وبكلام أوضح، صارت quot;حماسquot; جزءاً لا يتجزأ من تركيبة السلطة الفلسطينية في أنتظار معرفة ما سيحلّ بمنظمة التحرير الفلسطينية وهل تستطيع الحركة تطويعها ووضعها تحت سيطرتها. وعندما تتحول quot;حماسquot; الى جزء من السلطة أو على الأصح عندما تصير مسؤولة عن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، أقل ما يتوجب عليها القيام به الخروج ببرنامج سياسي واضح بعيداً عن أي نوع من الغوغاء والغموض. ويشمل هذا البرنامج أتخاذ موقف واضح من العمليات الأنتحارية التي ألحقت اشدّ الضرربقضية الشعب الفلسطيني وخدمت اليمين الأسرائيلي في سعيه الى الى التذرع بعدم وجود شريك فلسطيني للتخلص من أي التزامات تترتب على أسرائيل بموجب أوسلو وألاتفاقات اللاحقة. ويمكن حتى القول أن أجراء الأنتخابات هو كل ما تبقى من أتفاق أوسلو بعدما أستغل أرييل شارون وقبله بنيامين نتانياهو كل الأخطاء الفلسطينية، خصوصاً العمليات الأنتحارية، للقضاء على أي مؤسسة تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية. وفي طبيعة الحال ، كانت quot;حماسquot; شئنا أم أبينا المستفيد الأول من السياسة الأسرائيلية التي أستهدفت ضرب البنى التحتية الفلسطينية والقضاء على ياسر عرفات بدءا منً وضعه في الأقامة الجبرية منذ أواخر العام 2001 ... وانتهاء بوفاته في ظروف غامضة في تشرين الثاني- نوفمبر من العام 2005 .

قطفت quot;حماسquot; ثمار العمليات الأنتحارية التي خدمت السياسة الأسرائيلية. وقطفت الحركة ثمارالوضع الداخلي في quot;فتحquot; التي لم تستطع التكيف مع مرحلة ما بعد رحيل ياسر عرفات. هذا واقع لا يمكن للحركة الاّ أن تاخذه في الأعتبار في حال كانت تريد التعاطي مع المستقبل وليس الأكتفاء بالأجوبة الذكية جدّاً التي تصدر عن خالد مشعل. لا شكّ أن مشعل أستطاع حتى الآن تجاوز تجربة المؤتمرات الصحافية، ولا بدّ من الأعتراف بأن أداءه تحسن كثيراً مقارنة مع ما ظهر عليه في البداية، مباشرة بعد أعلان نتائج الأنتخابات. بدا مشعل وقتذاك كأنه يقول الشيء ونقيضه في آن. أما الآن وفي غضون ايام، صار لديه منطق متكامل يرمي الكرة في الملعب الأسرائيلي، أقله من وجهة نظر الجمهور العربي. أن هذا التحوّل دليل ذكاء شديد، أوليست القدرة على التكيف أحد المقاييس الأساسية في تحديد درجة الذكاء لدى شخص أو حزب أو مؤسسة؟

لامفرّ من الأعتراف بأن منطق quot;حماسquot; كما عبر ويعبّر عنه خالد مشعل يستهوي الجمهور العربي. ولكن بعد ايام أو أسابيع، أي بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية، ستحتاج quot;حماسquot; الى منطق يستهوي العالم من جهة ويقطع الطريق على المشروع الأسرائيلي من جهة أخرى. هل في أستطاعة الحركة الأقدام على النقلة النوعية المطلوبة منها... ام تبقى أسيرة شعاراتها التي أستخدمت الى الآن في المواجهة مع quot;فتحquot;؟ أن الكلام الجميل المنمق شيء والواقع شيء آخر مختلف تماماً. هناك بأختصار مشروع أستعماري أسرائيلي واضح لا يواجه بالرهان على الوقت كما توحي quot;حماسquot; عبر عرضها هدنة طويلة بديلاً من المفاوضات المباشرة والأعتراف المتبادل. أن اسرائيل في ضوء ما عرضه أيهود أولمرت الذي لديه أمل كبير في خلافة أرييل شارون في موقع رئيس الوزراء، تبدو هي الأخرى تراهن على هدنة طويلة كي تخلق أمراً واقعاً جديداً على الأرض يتمثّل في ضم القدس ورسم الحدود النهائية للدولة اليهودية التي تشمل المستعمرات الثلاث الكبيرة المقامة في الضفة الغربية. وهذا يفرض على quot;حماسquot; أن تختار بين الواقع والأوهام، أي بين خدمة السياسة الأسرائيلية والوقوف في وجهها حقيقة وليس بالشعارات والعمليات الأنتحارية أو الصواريخ المضحكة- المبكية. الأكيد أن الوقت لا يعمل لمصلحة الشعب الفلسطيني على الرغم من العامل الديموغرافي. أنه يعمل لمصلحة أسرائيل وألأحتلال لا أكثر ولا أقلّ. هل في أستطاعة قيادة quot;حماسquot; فهم هذه المعادلة؟ هل تستطيع quot;حماسquot;أستيعاب النصائح التي ربّما وجهت اليها في الدوحة وفي عواصم عربية أخرى وربّما ستوجه لها في موسكو؟