quot;الفكرةquot;
منذ القدم، قال قائل قديم: ولو كان سهماً واحداً، لا تقيتُه ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ!ومع الفارق بين سهام الحب، وأختها سهام أو أسهم المال، إلا أنها تشترك في الحث على التحرك، والدعوة إلى التحفز والكر والفر! جاءت الأسهم بكل ثقلها، فنشّطت الهمم، وحرّضت النفوس، لتغيّر من خارطة المجتمع، وتخربط من نظمه وعلاقاته! والدارس لوضع الناس بعد التوغل في ثقافة الأسهم، والإنغماس في تداولات البيع والشراء، يدرك على الفور أن ثمة بوازع وبوارق زرعتها هذه التداولات تتخذ من المحيط الإجتماعي مسرحاً رحباً ومكاناً حراً لإنبثاقها. خذ مثلاً quot;ثقافة المصلحةquot; وهي ثقافة لا ضرر منها طالما أنها نشأت وفق ضوابط ونظم واضحة، إنها ثقافة نفعية قصمت بطرق غير مباشرة روابط القبيلة، وعلاقات الفئة، وتناغمات الأيديولوجيا، لتكون هذه quot;الرابطة الجديدةquot; همزة وصل بين كل أطراف quot;جماعة المصلحةquot;!ومن محاسن الأسهم، أنها شغلت الناس عن متابعة quot;فواحش القولquot; وردئ الفكر، ومتطرف السلوك، لتجد أن المجتمع- في وقته الحاضر- مُنطلقاً مثنى وثلاث، يهرع خلف الشاشات، خاشعاً في محراب الصالات، يراقب عمليات الصعود، وإرجافات الهبوط. والأسهم بما تعرضه من إغراء وإغواء، تداعب البشر من خلال محفزات الأساس quot;بالغنى المفاجيءquot; وquot;الإكتفاء الذاتيquot; quot;وإنتعاشquot; الأحلام الوردية التي لا تحققها دروب التجارة الأخرى! علماً بأن وهم quot;الغنى المفاجيءquot; وهم جميل وأصيل وقديم، فالدنيا ليست أكثر من لعب ولهو وquot;تكاثر في الأموالquot;. ومما يزيد هذا الحكم جمالاً وبهاءاً، إرتكازه على تنشيط خلايا التخيّل، وتفعيل شبكة الأحلام، بمعنى أنه حلم خجول، وفعل كسول، لا يحتاج إلى أي جهد عضلي، أو نشاط بدني!وتجارة الأسهم، بما تحمله من الخصائص- المذكورة أعلاه- تداعب وجدان وشعور كل فرد من خلال الإتباع واللهاث خلف الطرق التي يسلكها طالبي الثراء السريع. ومن المتعارف عليه عند أصحاب الدرس الإجتماعي أن عقلية التطبع في المجتمعات البشرية تتحرك بدافعين، وتتحفز بعنصرين هما: المنفعة والأمان/ ومتى ما وجد القطيع هذين العنصرين تحرك ونشط، واستبشر وركض! إنها لعبة الأسهم، وكفى بها محفزاً ومحركاً، تأتي لتحرك ما سكن من الأحلام، وتسكّن ما تحرّك من الأحباط، دخلها الصغير قبل الكبير، ومارستها النساء في القرية، قبل شقيقاتهن في المدينة.. وتحدث فيها العوام قبل الخاصة، وفتن بها البسطاء قبل أن يعرفها ويهتم بها الأذكياء والنجباء!
quot;المرأةquot;
حضرت المرأة لـquot;سوق الأسهم: وكان حضورها تتويجاً لمعركتها الخفية مع الرجل، هذه المعركة التي ظلت صامتة ومختفية، وإن كانت بعض ملامحها، قد ظهرت في الدراسة والعمل الوظيفي، غير أن الأسهم فتحت الباب على مصراعيه للمرأة لتقول quot;هاأناذاquot;!
ولو حاول المحلل أن يصتقصي عن هذا الدخول النسائي الثقيل quot;لسوق الأسهمquot;، فلن يعدم حلاً، ولن تُعجزه فهماً، لهذا الحضور، خاصة في البيئة المحلية، التي لا تزال فيه حركات المرأة وتحركاتها فيها شيءٌ من الصعوبة، وعليها كثير من العقوبة!
من جاءت شاشات الأسهم وصالاتها بمثابة طوق نجاة للمرأة، بما تمثله هذه quot;التداولاتquot; من سرية تامة، وعزلة واضحة، وشطارة ماهرة، وتجارة حاضرة، لتنطلق المرأة من خلال منزلها الصغير، وعبر جهازها الخاص، أو عبر صالات التداول quot;المعزولةquot; تنطلق quot;مشمرةquot; عن ساعديها، قارئة لتحولات السوق، وموازنة بين دوائر الطلب، وخطوط العرض، ضاربة بذلك أعلى أرقام النجاح، وأكبر درجات التفوق!
وقبل إزدهار سوق الأسهم كانت المرأة حاضرة بوصفها محفزاً للرجل، ومحرّضاً له للمغامرة، حتى قيل أن quot;وراء كل رجل عظيم امرأةquot;، أما الآن- ومع الطفرة الإقتصادية المتمثلة في سهولة دخول سوق الأسهم، وممارسة تداولاته، فقد تقدمت المرأة، لتكون هي المحفز والمحرك، والفاعل والمالك أيضاً، لتكون المعادلة (وراء كل شركة ناجحة امرأة شارية) ! وهي في هذه الحالة قد غدت مستقلة ومتصرفة، تاركة الرجل يصارع الأهوال، ويتخبط في جمع الأموال، قائلة له quot;وراء كل رجل عظيم طموح كبيرquot;!
إن المرونة التي تتم بها عمليات التداول، وصفقات البيع والشراء في الأسهم، والحلم الوردي المتمثل في quot;الغنى المفاجيءquot; قد استدرجت المرأة، وأغرتها- بعد أن كانت هي المغرية وفتنتها- ومن قبل كانت هي الفاتنة، لتنقلب الأمور، ويصبح المُغرِي، مُغرَى به، والفتان، مفتون، وفي ذلكم تأكيد على مفهوم أن المال زينة الحياة الدنيا، لا يكبح جماح هذه الزينة إلا الإستشعار والإطمئنان إلى أن {الباقيات الصالحات خير عند ربك}! إن إشتراك المرأة في حقل الأسهم، وصناديق الإستثمار، يُعتبر بوابة أمنية من بوابات quot;مساواة الرجل بالمرأةquot; التي لم تخطر على بال الأستاذ الكبير/ قاسم أمين حين طالب بتحرير المرأة، ورفع قدرها في سلّم المجتمع! كما أن هذه المحافظ والصناديق هي نوع من الإحساس بالأمان، والشعور بالإكتفاء الذاتي مالياً، لتصرخ المرأة حين تتنعس قائلة للرجل: (ظل محفظة، ولا ظل رجّال)! ولا يظلم ربك أحداً!
quot;التحولquot;
أحدثت طفرة الأسهم مفهوماً جديداً في إدارة الوقت لدى السعوديين، من خلال إستغلال وسائل الإعلام، والحرص على القراءة، بل والقصرية في هذه القراءة بحيث يتجه المواطن quot;العاديquot; إلى موقع الأسهم على الشبكة، أو التوجه مباشرة إلى الصفحة الإقتصادية في الجرائد والمجلات، يتجه ليروي عطشه المالي، وظمأه المعلوماتي، وليحدد كيف يتصرف وماذا يبيع، وماذا يشتري! ولا تستغرب- سيدي القارىء- أن تسمع أن هناك مواقع على الشبكة العنكبوتية، قد تم إغلاقها، لأنها ترّوج شائعات، ومعلومات مغلوطة لتستفيد منها هذه الجهة أو تلك المصلحة، وهذا الإغلاق quot;غريب على المجتمع، دخيل عليهquot; لأن الأغلاق دائماً ينسحب على المواقع الإباحية والسياسية، وليس المواقع الإقتصادية! وللأسهم في هذا السياق أماكن ومحال، فهي إما الصالات، وإما شاشة الحاسب في المنزل، مما يعني أنها تجارة فريدة، رغم أنها تشترك مع المجموعة، يتضح ذلك من خلال السرية التامة التي تمارس فيها هذه اللعبة!
ومما يؤلم في نسق الأسهم وسباقاته أنه، حطّم بعض المهن، وجعل أهلها ينسحبون منها، فمثلاً: لا تستبعد أن يبيع صاحب تاكسي سيارته الأجرة، ويشتري أسهماً، كما لا تستغرب أن يستقيل موظف طمعاً في الثراء السريع، وهو حلم مشروع، ولكن إذا لم ينجح المشروع فإن المصيبة ستكون مضاعفة! وأجمل ما في سباق الأسهم، أنه يعطي إيحاءات ومعانٍ على عافية الإقتصاد السعودي يظهر ذلك من خلال كمية التداول، وثقة المتداولين من خاصة وعامة المواطنين!
ومن تأثير سوق الأسهم الإيجابي أنه حفزّ بعض المواطنين والمواطنات على تطوير ذواتهم، والإرتقاء بمهاراتهم، إستعداداً لخوض مرابحة الأسهم وتجارتها، خاصة بعض أن أصبح الثراء السريع من تجارة الأسهم quot;حديث المجالسquot;!
ولعل إستقرار سوق الأسهم يعكس اشتغال ثقافة المصلحة بين المجتمع، كما يعكس بوجه من الوجوه الأمان، الذي ينحدر من هذا الإرتفاع نحو البيع والشراء. ومن الأشياء المؤلمة في سوق الأسهم، ما آل إليه مصير العمل quot;اليدويquot; فقد ترك الحرفي حرفته، والمهني مهنته، وإتجه إلى صالات الأسهم، ناقلاً فكرة المهني وحرفته اليدوية معه، لذا، متى ما سألت أحد هؤلاء الحرفيين المالكيين في الصالات قائلاً له: ماذا تفعل هنا؟! أجابك على الفور: (لا شيء إنني quot;أطقطقquot; هنا) ولا يخفى على أهل التفكيك ماذا تعني مفردة quot;أطقطقquot;، القادمة من ضجة الورش، وأصوات النجارة، وأماكن اللحام، كما انها الترجمة الحرفية لكلمة ضارب يضارب مضاربة، كفانا الله وإياكم شر الضرب والضارب!
quot;التوقعquot;
من أكثر موبقات ثقافة الأسهم أنها ثقافة تعتمد على التوقع والحدس، وتتكئ على التخيّل والنصيب، وتتحرك في إطار الحظ وحسن الطالع، فهي شبيه بلعبة quot;البلوتquot; أو هي مماثلة لـquot;تفسيرات الأحلامquot;، بمعنى أنها لا تحتاج إلى جهد عضلي، أو إجهاد فكري، ليلعب الحظ فيها الدور الأكبر، ويحقق فيها حسن الطالع الربح الأوفر!
من هنا لا ترتجي من ثراء الأسهم عطاءاً مدروساً، أو نجاحاً محققاً، إنما هي مثل أحلام الجياع، بالوصول إلى مخابز العيش، بعضها يتحقق، وبعضها يموت وهو في الطريق إلى المخبز، والبعض الآخر يُتخم من quot;الأكل ورائحة الخبزquot; ليصبح هاموراً من هوامير المجتمع!
إن الأسهم وفق هذا السياق هي إستشارات نفسية، تشبه الأحلام التي ترد على الإنسان المستيقظ، وهذه الإستشارات مضرة بحد ذاتها، بل هي مطلوبة في حالة من حالات اليأس، ولكن المعضلة عندما تكون هذه الأحلام مبنية على الرمال المتحركة، أو هي مقامة في الأدوية التي تتعرض للسيول quot;أو السيولة الجارفةquot;، عندها ينسحق رأس المال الصغير، ويتلف الحلم، وينتحر الحالم! فوق ذلك يمكن القول أن الأسهم quot;بوصفها الراهنquot; هي إحدى الوسائل الناجعة، لفك إختناقات الناس الفكرية، بل هي شفاء لمعضلة التطرف، من خلال تنشيط الإنسان ليسعى وراء مصلحته، ويحقق ذاته، ويبني مستقبله، وفق ممارسة مالية تقترب من سلوك ومسلك العالم الغربي المالي، الأمر الذي يساعد على تطبيع العلاقة بين الشرق والغرب!
كما أن الإهتمام بالأسهم يساهم في معالجة بعض quot;الفهم المغلوط في السياسات العالميةquot; لأن الأسهم في العالم كله مرتبطة بالسياسة والإستقرار السياسي، من هنا يسعى المستثمر بكل ما أوتي من قوة لفهم هذه السياسة، الأمر الذي يجعله يبتعد بنفسه عن مفاهيم متكلسة، وأفكار رديئة مثل فكرة quot;المؤامرةquot; وquot;الإستهدافquot; والطمع بخيرات المسلمين، quot;والحروب الصليبيةquot; لأن كل هذه المفاهيم لا قيمة لها في ميزان العرض والطلب، quot;والبيع والشراءquot;! بقي في النفس فكرة سمعها quot;الحبر الأصفرquot; من أحد رجال الأعمال، وهؤلاء الرجال- دائماً- ما تكون نظرتهم مبنية على التوجس، ومعتمدة على الدقة وإستشراف المستقبل، إنه قال: إن سوق الأسهم دليل عافية وإستقرار، وثباته وإنتعاشه يزيد من زخم القوة والإرتكاز ولكن إذا حدث إي ارتعاش أو اضطراب في هذا السوق فإن الأثر سيكون بمقدار الإنتعاش، والإزدهار.
ولا عجب في ذلك فسنن الحياة تخبرنا أن الهبوط دائماً تكون قوته مرتبطة بقوة الصعود.. رزقنا الله وأياكم الرزق الحلال في ظل أمن وارف الظلال!
التعليقات