لم يعد الموضوع مجرد إعلان تحذيري !، ولا مجرد فاصلة عابرة في طريق تشكيل مستقبل عراقي جديد و ضمن إطار سباق التنافس السياسي أو بناء المواقع، وتحصين القلاع الطائفية والدينية والمناطقية، والذي دخل بعد تفجير أضرحة ومزارات ( سامراء ) الأخيرة محاورا خطرة وحساسة بل مرعبة باتت نتائجها تلقي بظلالها الثقيلة على مستقبل العملية الديمقراطية المنشودة في العراق والتي لا يراد لها محليا وحتى إقليميا أن تختمر وتتفاعل لتصل لغايتها المنشودة في ظل واقع عراقي صعب ومتداخل ومتوتر باتت كل الزوايا الحادة فيه على موعد مع نتائج مرعبة وغير مطلوبة ولا مرغوب بهاولكنها قد تجاوزت اليوم مرحلة النمو الجنيني الذي كان يحبو ليصل لحالة النمو التضخمي والسريع وأعني بذلك خيار ( الحرب الطائفية الأهلية ) المرعب والتي كانت الخلافات الناجمة عن الإنتخابات الأخيرة بمثابة الوقود الصلب الذي تحاول إستغلاله جماعات دينية وطائفية وسلفية تكفيرية عديدة ناشطة في عراق اليوم وبعضها ليس بعيد عن محاور السلطة القائمة لإشعال نيران حرب ونزاع أهلي قد نعرف كيف يبتدأ ولكننا قطعا لا نعرف كيف سينتهي، أو ما ستتمخض عنه صورة العراق والمنطقة فيما لو وقع المحظور وحدث ما كان يحذر منه الجميع منذ أكثر من ربع قرن بالتمام والكمال ومنذ أن أطلق ( صدام ) صرخاته الشهيرة في فبراير 1980 ضد إيران والتي أشعل بعدها حربا ضروس أرادها أن تكون ( ملحمة قومية بعثية مقدسة )!! فتحولت لدراما دموية سوداء وبائسة زرعت فيروسات الطائفية والتقسيم الإجتماعي والتخلف الإجتماعي الذي أفرز صورا بائسة لتخلف المجتمع العراقي عبرت عنه الظواهر الشاذة السائدة في الشارع العراقي منذ أن سقط النظام البعثي في التاسع من نيسان 2003 ... لقد بات واضحا اليوم بإن إستعار و تزايد عمليات الخطف والقتل والتفخيخ والإنتحار الإرهابي في العراق لم يعد يستهدف فرض خيار تسريع إنهاء حالة الإحتلال الأجنبي للبلد ومقدراته، بل دخل ضمنا ضمن خانة الإجهاز على العراق وبنيته الإجتماعية والسياسية والطائفية، وتخريب المعبد العراقي على رؤوس الجميع عبر التفنن في عمليات القتل الطائفي الممنهج وتوجه البهائم المتوحشة المفخخة صوب مناطق العبادة والمراقد الدينية وبيوت الله والمساجد والحسينيات وحتى المآتم وسرادقات العزاء والإجهاز على الأرواح البريئة تحت دواعي وأسباب مجرمة وغير مبررة ولا يمكن الدفاع عنها أو تبريرها تحت أي صيغة جاءت، فقتل أبناء العراق في بلد و سامراء المقدادية وكربلاء والنجف وبغداد ومدينة الثورة و أحياء فقراء العراق من السنة والشيعة لا يمكن أن يكون زاوية من زوايا و تكتيكات إنهاء الإحتلال الأميركي ؟ وتحويل أماني العراقيين بالعام الجديد لمصائب كارثية و لا يمكن أن ينسجم مع أي آيديولوجية دينية أو وطنية أو تحررية، كما أن حرمان العراقيين من الوقود والكهرباء والماء والخدمات الأخرى لن يساهم هو الآخر في التعجيل في إنهاء الإحتلال بل على العكس تماما سيعطي الجانب الأميركي كل المبررات المطلوبة لتصعيد ماكنة الحرب الدولية ضد الإرهاب والإنطلاق في رسم سيناريوهات عسكرية جديدة!.. كما أن خطف النساء والتصرف بجبن وسفالة وبعيدا عن أخلاق الفرسان أمر لا علاقة له بالكرامة وعناوين المقاومة الوطنية المزعومة.

وبصرف النظر عن مواقفنا من الأحزاب والجماعات التي تصدرت السباق الإنتخابي وأستطاعت بطريقة وأخرى فرض نفسها، فإن للديمقراطية خياراتها التي ينبغي أن تكون محترمة، وفي ضرورة أن يتحلى الطرف الآخر بأخلاقية الفرسان في إحترام خيارات الأغلبية ولو كانت خيارات صادمة ومؤلمة!، فلا طريق للخلاص غير طريق التوافق والحوار الديمقراطي، ولا حل لمشاكل العراق العويصة سوى بالإبتعاد عن لغة الدم والتصفيات الجسدية العشوائية المجرمة وعزل الفئات التكفيرية والمتوحشة وعبيد المخابرات الإقليمية التي تختلق الذرائع لتدمير صيغة التعايش العراقية المستمرة منذ قرون موغلة في القدم... وأعداء الحرية والتقدم والسلام في العراق لم يعد لديهم من خيار سوى العمل الحثيث من أجل فرض سيناريو الحرب الأهلية والطائفية المدمرة وجعله واقعا معاشا لتنمو الطفيليات الضارة وتنتعش الشوائب العشائرية والطائفية المريضة التي لا تتحمل حرارة الديمقراطية وأضوائها العاكسة الشديدة السخونة..!.. الحرب الطائفية في العراق باتت حديث الشارع وضمن أبرز توقعات أحداث 2006.. وبقدر نجاح النخب والأحزاب والتيارات السياسية العراقية في الجنوح بالسفينة العراقية المثقوبة بعيدا عن شواطئها الضحلة ستتبلور صورة المستقبل العراقي الذي لا نراه إلا طريقا طويلا للعذاب والدموع والآلام.. وفي ظل لعبة دولية تعدد فيها اللاعبون وطالت مساحات اللعب وزمانه، ليظل الشعب العراقي بكل طوائفه هو الضحية في زمن تسيد فيه الجهلة والقتلة!! فالسيولة السياسية في العراق وعجز النخب السياسية وتدهور الولاء الوطني كلها عوامل مضافة لتعميق الأزمة العراقية.. فمن يملك عصا الحل السحرية ؟ ومن هو نجم المرحلة القادمة ؟ وهل سيكون للسيف والمدفع واللغم أنباء أروع من نتاج العقل العراقي الحر ؟.. هذا ما ستثبته تطورات الأيام القادمة، فالفتن مقبلة و سوداء كقطع الليل المظلم والعقل العراقي المستنير في إجازة بعد أن تسيد الطائفيون والتكفيريون والأغبياء الموقف..! وكان الله في عون الضحايا والمساكين... فهم وحدهم من يتحمل أغلى الأثمان في الدفع، فجماعات ومراكز قوى طائفية تشحذ سكاكينها ورأس العراق الموحد على طاولة التشريح.. إنها لحظات الحقيقة التاريخية ؟ فهل يتحرك العقلاء مستصغر الشرر قبل الطوفان الذي لن يكتفي بتدمير العراق وحده، بل ستكون له تداعياته المفجعة.

[email protected]