لم نكن نعتقد ولا نظن ولو في الأحلام من أنه سيأتي على الشعب العراقي حينا من الدهر تكون أوضاع التعامل الإنساني والسلوكي بين شيعته وسنته شبيهة بالأوضاع والصور المريضة التي نراها أو نسمع عنها في الوضع المتوتر الدائم في (الباكستان)!! وحيث يندلع الصراع الدموي لأتفه الأسباب، وحيث تهاجم دور العبادة وتحرق المصاحف!! ويكفر كل طرف الطرف الآخر، بشحن ودفع وتحريض من عمائم الفتنة وأئمة الضلالة؟.
ولم نكن نتوقع وأيام قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية الثالثة لحرب (حرية العراق) التي أطاحت بنظام البعث العراقي النافق، وأودعت قتلة الشعب العراقي وشعوب المنطقة في أقفاص المحاكمة التاريخية التي أفرغت من محتواها أيضا، أن يسوء الوضع لهذه الدرجة المريعة، وتنجح تيارات التخلف والظلام والتعصب في أن تفرض رؤاها في شارع عراقي مأزوم تاريخيا، ومعقد وراثيا، ومتخلف حتى الثمالة لم تعد تجدي معه كل أساليب وصيغ التحديث والتطوير ومحاولات الإنفلات والخروج من روايات التاريخ المشوهة وعقده المريضة!، وكل الدم العراقي المستباح والذي إنهمر كالسيل الجارف في شوارع ومدن وقصبات العراق يتساءل عن الجدوى الحقيقية لتلك الصراعات المريضة وعن دور الحكومة العراقية المفترض في حماية الناس والمساجد ودور العبادة الإسلامية والمسيحية ومنع إنزلاق الوضع نحو خيار (الحرب الأهلية) المدمر الذي أضحى للأسف اليوم واقعا حياتيا معاشا وحقيقة من حقائق العراق الطائفي الراهن، فوجود المليشيات المسلحة من جماعات الشيعة والسنة على حد سواء لا يعني إلا تهيئة الساحة وإعداد الديكورات الداخلية والخارجية لحرب أهلية طاحنة لن تبقي أو تذر ستدفع لتدخلات إقليمية وتساهم في فك حبل المشنقة حول الأنظمة الإستبدادية التي هددت (حرية العراق) وجودها في الصميم؟ وأعتقد أننا لسنا بحاجة لذكاء عظيم أو إستثنائي للإستنتاج بأن من يساعد ويشجع على نمو الأزمة الطائفية وإشتعالها في العراق هي أنظمة الشرق الإيراني والغرب السوري!!، فتلك الحقيقة بكل بساطة هي التي تفرض نفسها على الأحداث! كما أن إصطفاف القوى الراهنة والفرز القائم لا يتيح للمراقب إلا أن يقرر هذه الحقيقة بمعزل عن بقية الظروف والدلالات الأخرى.
لقد تعايش العراقيون شيعة وسنة قرونا طويلة وأجيال متعاقبة وتحت ظل أشد الظروف الأمنية والسياسية ولم يتدهور الموقف بينهما، وكان التعايش السلمي بل والأخوي نموذجا يحتذى به، وليس هنالك من بيت عراقي إلا فيما ندر يخلو من عم أو خال شيعي أو سني، فأئمة الشيعة هم نفسهم أئمة السنة، ومراقد أهل البيت الكرام عليهم السلام لم تختص بطائفة دون أخرى بل كانت ملكا مشاعا للمسلمين جميعا، والإختلاف الوحيد بين الجماعتين المسلمتين هو في طرق العبادة الفرعية وليس في الأصول، وتلك أمور موجودة بين كل الفرق والمذاهب الدينية ولا يمكن أن تؤدي لصدام دموي شرس ومجرم، كما أن تدنيس المساجد وتدميرها وحرقها لم تكن يوما من مفردات التعامل الطبيعية في العراق منذ العصر الأموي وحتى اليوم وإنما هي مظاهر مستوردة وغريبة كل الغرابة عن روح العراقيين المتسامحة والمتسامية على الخلافات الدينية والطائفية الضيقة.

السفير الأمريكي والنصيحة الصادقة..
وإذا كان البعض من ساسة العراق ولأسبابه الخاصة قد فسر التصريحات التي أدلى بها السفير الأمريكي (زلماي خليل زاده) بضرورة التخلي عن المحاصصة الطائفية المريضة عند تشكيل الوزارات الأمنية والعسكرية التي ينبغي أن يكون ولائها الأول والأخير للعراق فقط لا غير وأعتبروها عنصر من عناصر تفجير الأزمة!! فإن في ذلك الموقف سلوكيات مريضة ومشبوهة تناسى الحقائق الميدانية في العراق والقائلة بأنه لولا القوة الأمريكية ما تسنى للجماعات والأحزاب القائمة في العراق اليوم الدخول للعراق وتسلم المسؤوليات والمساهمة في نهبه!! فمن أسقط النظام العراقي؟ ومن أقام الحكومة؟ ومن أعاد اللاجئين والمهجرين؟ ومن يحمى العملية السياسية؟ ومن يدرب ويعد قوى الأمن والجيش والمخابرات؟ والأهم من هذا كله.. من يحمي حكومة المحاصصة الطائفية البغيضة أصلا؟ هل ينسى القوم بكل هذه الخفة هذه الحقائق البديهية؟ السيد السفير الأمريكي لم يقل إلا كلمة الحق التي تغضب أهل التطرف الصفوي ومن عملاء النظام الإيراني المأزوم والمتورط حتى النخاع في دماء العراقيين ومشاكلهم.. ولم تغضب إلا عملاء النظام البعثي السوري الآيل للسقوط والذي لا يجد خشبة نجاحه إلا في دفع العراق نحو سكة الحرب الأهلية المدمرة ليقول للعالمين بملأ الفم بعد ذلك : إنظروا.. ألم نقل لكم بأن المشروع الأمريكي للتغيير هو الكارثة؟ وبأن نجاة الأمة العربية لا يكون إلا تحت القيادة البعثية؟؟؟؟.
لم يكفر السفير الأمريكي بل كان لسان الشعب العراقي بقطاعاته الواسعة التي لا تستطيع الكلام خوفا من بنادق المؤمنين وقنابل الرساليين وفرق موت البعثيين والإيرانيين والتكفيريين؟ نعم لقد أعلنها السفير الأمريكي وكان في غاية الأدب واللياقة والكياسة وهو يطرح وجهة نظره ووجهة نظر حكومته التي لولاها ولولا دماء أبناءها من جيش التحرير الأمريكي ما سقطت الفاشية في العراق وما إنحسرت من العالم العربي؟.. إنها الحقيقة العارية التي يرفض شياطين الفتنة الطائفية في العراق الإقرار بمصداقيتها.. وعلى الولايات المتحدة تقع اليوم مسؤولية حرب التحرير الثانية لطرد العملاء ومثيري الفتنة من أرض العراق.. وهي مهمة مقدسة من مهام الحرية الأمريكية.....

[email protected]