كان آخر دليل على أنه ليس مقبولاً أن يبقى الرئيس أميل لحّود في موقعه أستبعاده عن مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا اليه رئيس مجلس النوّاب السيد نبيه بري. لو كان الرئيس لحود فوق الشبهات لكان من الطبيعي أن يكون المؤتمر الوطني في رعايته بدل أن يكون مؤتمراً من اجل ايجاد طريقة للتخلص منه. فما لا يمكن أن يتجاهله اللبنانيون أن اميل لحّود ظهر على شاشة quot;سي.أن .أنquot; بعد أغتيال الرئيس رفيق الحريري ليقول بالأنكليزية أنه انتخب quot;ديموقراطياًquot; من مجلس النوّاب الذي مدّد له من دون أكراه مشيراً بالأسم الى أن رفيق الحريري كان بين الذي وافقوا على التمديد. كلاّ أن رفيق الحريري لم يوافق على التمديد لكنه فعل ذلك بعدما مارس عليه الرئيس بشّار الأسد ضغوطاً ليس في أستطاعة أنسان حريصٍ على لبنان القبول بها. وبكلام أوضح، هدّد بشّار الأسد رفيق الحريري بأعز ما يملك ويؤمن به. أي بوطنه وعائلته. هدّده بتدمير بيروت ولبنان على رؤوس الذين لا يعتبرون أميل لحّود بشار الأسد ... وبشّار الأسد أميل لحّود. ربما لا مشكلة لدى بشّار الأسد بأن يكون وأميل لحّود شخصاً واحداً، فهذا شأنه، المشكلة لدى اللبنانيين الذين يرفضون الأعتراف بأن رئيسهم هو أميل لحّود الرجل الذي يقبل أن يقول كلاماً غير صحيح عن طريقة التمديد له معتقداً أن العالم لا يعرف الحقيقة ولا يعرف أنه قال غير مرة أنه سيظلّ خلف رفيق الحريري الى آخر يوم من حياته. يعتقد أميل لحّود بكل بساطة أن الناس في لبنان وخارجه سذّجً. ويعتقد أن في أستطاعته خداع اللبنانيين كلّ الوقت غير مدرك أن الحقيقة ستظهر يوماً وان هناك مثلاً فرنسياً يقول: من يسرق بيضة... يسرق ثوراً. وترجمة المثل في لبنان هي أن من يكذب في قضية التمديد، لا يمكن الاّ أن يكذب في قضية أغتيال رفيق الحريري... وفي كل القضايا الأخرى المرتبطة بالجريمة أو تلك التي تدور حولها.
لا يمكن لأميل لحود الاّ ان يكون على علاقة ما وبطريقة ما بأغتيال رفيق الحريري، الذي كان الرئيس اللبناني الممدّد له يكرهه الى أبعد حدود. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما فضّل شخص يمتلك ثروة مثل النائب السابق لرئيس الوزراء السيّد عصام فارس الأختفاء عن كل الشاشات اللبنانية وعن كلّ ما له علاقة بلبنان بمجرد أغتيال الحريري. ذلك لا يعني أن عصام فارس على علاقة بالجريمة، لكن الرجل أمتلك حدّاً أدنى من الأخلاق ليبتعد عن لبنان وعن كلّ ما هو مرتبط به، علماً بأنه كان قبل الجريمة، وربّما لا يزال حتى الآن، من أقرب الناس الى أميل لحّود.هذا ليس مهماً. ما هو مهم أن الرجل الذي تناول العشاء مع أميل لحّود عشية الجريمة أختارالأبتعاد والأختفاء بما يدل على أمتلاكه بعض الحياء لا أكثر!

ما يفترض أن يدركه أميل لحّود أن الرسالة التي كُتبت له باللغة الفرنسية أخيراً وصدرت يوم الأثنين الواقع فيه 27 شباط- فبراير 2006 في صحيفة quot;لوريان- لوجورquot; اللبنانية لا تمت الى الحقيقة بصلة. أنها رواية منحازة ومن جانب واحد للتاريخ لا تستهدف سوى تصفية حسابات مع شخصيات رفضت الأنزلاق الى ما أنزلق هو اليه في أستزلامه للخارج من أجل الوصول الى موقع رئاسة الجمهورية والبقاء فيه. أصرّ أميل لحّود على البقاء في الرئاسة حتى لو كان ثمن ذلك دم الشهيد رفيق الحريري الذي سعى الى أعادة لبنان الى خريطة المنطقة والعالم في حين كان همه محصوراً في عرقلة أي مشروع يمكن أن يصبّ في خدمة لبنان واللبنانيين. وكان ملفتاً أن يختار أميل لحّود التهجم في رسالته الفرنسية على الرئيس السابق الشيخ أمين الجميّل. ربما مأخذه على الجميّل أنه رفض أن يكون مثله مجرّد اداة في يد الأجهزة السورية. يمكن أن تكون هناك مآخذ كثيرة على أمين الجميّل وفترة رئاسته، لكن هناك أمرين لا يمكن تجاهلهما. الأوّل أنه رفض ان يكون عميلاً لأحد والآخر أنه تخلّى عن الرئاسة في اليوم الذي أنتهت فيه ولايته. وأدّى بذلك اكبر خدمة لموقع الرئاسة، وأكبر خدمة للمسيحيين الحريصين على مقام الرئاسة.

المؤسف أن طرفين لبنانيين يتولّيان حالياً تغطية أميل لحّود تفادياً لسقوطه. الطرف الأوّل هو quot;حزب اللهquot; الذي لديه أجندة خاصة به لا علاقة لها بلبنان لا من قريب ولا من بعيد بأسثناء أنه quot;ساحةquot;. وأذا كان المرء يريد ان يكون منصفاً، سيجد أن الحزب، على الرغم من كل الصياح والصراخ والتهديد الذي يميّز خطابه السياسي المغلف بالدعوات الى الى الحوار من أجل المحافظة على الميليشيا التي يمثّلها ليس ألاّ، أنما هو حزب صادق مع نفسه. أنه يقول صراحة أن لديه أصراراً على الأحتفاظ بسلاحه بغض النظر عن الموقف الذي تتخذه الحكومة اللبنانية واللبنانيون. وبكل صراحة، أن للحزب أرتباطات ذات طابع أقليمي لا يستطيع تغطيتها الاّ بواسطة شخص أسمه أميل لحّود لاهم له سوى البقاء في الرئاسة وتحويل النظام المعمول به في لبنان الى نظام آخر شبيه بذلك المطبق في سوريا. ربما لا يزال الرجل يحلم بذلك وربما بدأ يفهم الواقع ويستوعبه. ذلك هو خيار أميل لحّود، ولا مشكلة لدى quot;حزب اللهquot; مع هذا الخيار ما دام لا يتعارض مع أجندته الموضوعة في طهران بغض النظر عما اذا كان لهذه الأجندة أي علاقة بلبنان بأستثناء أنه مجرد quot;ساحةquot; للصراعات الأقليمية. أن quot;حزب اللهquot; يجد في أميل لحّود وسيلة لتنفيذ مصالحه، وهذا يفسّر الى حد كبير ذلك التعلّق به الى درجة بات الرجل بمثابة زعيم وطني عروبي، حتى لا نقول أكثر، لا يقبل بأقل من تحرير فلسطين من النهر الى البحر ومن البحر الى النهر، علماً بأنه يعرف بالكاد شيئاً عن فلسطين وعن الشعب الفلسطيني بأستثناء ما يُطلب منه تردّيده عن قضية التوطين لتبرير أستمرار وجود السلاح الفلسطيني في لبنان داخل المخيّمات وخارجها. وهو يمعن بذلك في تحقير وطنه وتسخيره في خدمة الخارج.

يبدو موقف quot;حزب اللهquot; مفهوماً ومبرراً، خصوصاً من وجهة النظر العقائدية للحزب الذي لديه أرتباطاته المذهبية خارج لبنان وخارج مصالح البلد وبما يتجاوزها. وفي أستطاعة الحزب تبرير هذه الأرتباطات من زاوية أنه حزب شيعي، قبل أي شيء آخر، مرتبط الى أشعار آخر بما تقرره مرجعيته الممثلة بquot;مرشد الثورةquot; في أيران السيد علي خامنئي. في نهاية المطاف، ليس في أستطاعة الحزب الخروج عما يأمره به السيد خامنئي الذي لديه نظرة شمولية الى ما يدور في المنطقة والعالم يعتبر لبنان جزءاً منها.

أما الطرف الآخر الذي يبدو مستميتاً في الدفاع عن بقاء أميل لحّود في الرئاسة، على الرغم من أن التمديد يمكن أن يوصف بكلّ شيء بأستثناء أنه قانوني، فهو النائب ميشال عون القائد السابق للجيش اللبناني الذي ترأس حكومة أنتقالية في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل في أيلول- سبتمبر من العام 1988 . وبدل أن يكون عون وفياً للعهد الذي قطعه ويسلّم قصر بعبدا الى رينيه معوّض، الرئيس الجديد الذي أنتخب بعد التوصّل الى أتفاق الطائف، تنكّر quot;الجنرالquot; للعهد الذي يفترض به أن يلتزمه وتمرّد على الشرعية اللبنانية ورفض مغادرة قصر الرئاسة الى أن طرد منه ولكن بعدما أمّن للسوريين دخوله بدل أن يكون القصر في حمى الجيش اللبناني. ذلك هو الطرف الآخر الذي يدافع عن أميل لحّود. أنه طرف لم يفعل شيئاً حتى الآن غير لعب دور الأداة للنظام السوري الذي فرض أميل لحّود رئيساً على اللبنانيين. هل يدري الأستاذ ميشال عون ما الذي يفعله أم أنه أصيب بالعمى السياسي نظراً الى أنه لا يؤمن سوى بمقولة quot;عون أوّلاًquot; التي تجعل منه مستعداً للتضحية بلبنان واللبنانيين كما سبق وفعل في الأعوام 1988 و1989 و1990 بسبب الرئاسة ولا شيء غير الرئاسة. منذ متى يستأهل الرئاسة في لبنان رجل يدعي أنه quot; قائدquot; لكنّه ترك جنوده يقاتلون ويستشهدون ولجأ الى السفارة الفرنسية بحجة أنه ذهب ضحية خدعة وأنه كان هناك من يريد التفاوض معه بعد وصوله الى السفارة. والحقيقة أنه ترك عائلته في قصر بعبدا ولجأ الى السفارة الفرنسية بعد اشتداد القصف السوري على القصر الرئاسي بدل أن يقاوم ويستشهد دفاعاً عن مبادئ يدّعي انه يؤمن بها. وقد تبين لاحقاً، لدى وصوله الى مقر السفارة الفرنسية في حال من الأفضل عدم ذكرها، أن لا مبادئ لديه ولا من يحزنون وأن كلّ ما في الأمر ان quot;الجنرالquot; اضطر الى الهرب للمحافظة على حياته. وكان يمتلك ما يكفي من التواضع، حتى لا نقول شيئاً آخر، كي يتّكل على عميل سوري هو المرحوم أيلي حبيقة يأتي له بأفراد عائلته الى حيث هو أو لينقلهم الى مكان آمن. تخلّى quot;الجنرالquot; حتى عن عائلته، وبات لا يستحي الآن ويتحدّث عن الشجاعة، علماً بأن لا علاقة له بها. لقد أدخل القوات السورية الى قصر بعبدا مثلما أدخلها الى وزارة الدفاع التي كانت مع القصر الرئاسي رمزاً من رموز ما بقي من الأستقلال اللبناني الذي سعى الرئيس أمين الجميّل وقتذاك الى المحافظة عليه قدر الأمكان.

مرة أخرى لا يرى quot;الجنرالquot; سوى شعار quot;عون أوّلاًquot;، بدل ان يكون شعاره شعار اكثرية اللبنانيين أي quot;لبنان أوّلاًquot;. مرة أخرى يتصرف الأستاذ عون كعسكري حين يفترض به أن يتصرف كسياسي. وهو في المناسبة، تصرّف كسياسي عندما كان مفترضاً به أن يكون عسكرياً.
في النهاية قد لا تكون المشكلة في quot;حزب اللهquot; الذي يعرف تماماً ما الذي يفعله ويعرف خصوصاً كيف يستفيد من التناقضات اللبنانية وكيف يتلاعب بميشال عون وبغيره وفاء لأجندة خارجية مرتبط بها. كذلك، ربما لا يمكن لوم الأستاذ عون نفسه الذي لا يعرف أن مواطنيه سيكتشفونه عاجلاً ام آجلاً بسبب خطابه السياسي الساذج والسخيف المليء بالمغالطات الذي يصب في خدمة النظام الأمني السوري- اللبناني، أو على الأصح ما بقي منه وفي خدمة من يوجّه هذا النظام من طهران.
ربما يجب لوم المجتمع الدولي الذي لم يحسن تقديم الضمانات التي التي تجعل أميل لحّود يقتنع بأن عليه أن يفلّ. أن الرجل قد لا يكون قادراً على الرحيل لسبب في غاية البساطة أنه يدرك جيّداً ما الذي ينتظره في حال عصيان تعليمات معلّميه في دمشق وغير دمشق. قد يكون هذا الأفتراض أقرب الى الحقيقة بكثير مقارنة مع ما ورد في رسالة أميل لحّود. عن هكذا رئاسة شرشحت الموقع وشرشحت اللبنانيين، يدافع بطل الأستقلال الجديد الذي يدّعي أن في أستطاعته أعادة البريق الى رئاسة الجمهورية اللبنانية. أنه لا يدري أن هذا البريق لا يعيده سوى رئيس يمتلك حدّاً أدنى من الصدق الذي أفتقده اللبنانيون في عهد أميل لحّود، الصدق أوّلا قبل quot;عون أوّلاًquot;، أضافة بالطبع الى النضج السياسي الذي يسمح له بأن يعرف شيئاً عما يدور في لبنان والمنطقة والعالم!