لعلّ أخطر ما في العمل الأرهابي الذي أستهدف سجن أريحا، ذلك التواطؤ البريطاني والأميركي مع ألحكومة الأسرائيلية. وهو تواطؤ يمكن أعتباره أوروبياً نظراً الى أن بريطانيا بما كان لديها من مراقبين في السجن كانت تمثّل ألأتحاد الأوروبي في أتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية. هل بات في الأمكان القول أن الأتحاد الأوروبي وجّه بمشاركة أميركية أنذاراً الى السلطة الوطنية والى quot;حماسquot; تحديداً فحواه أن عدم أحترام الأتفاقات الموقعة في الماضي ليس طريقاً في أتجاه واحد، بل أنّه سيف ذو حدّين؟ أكثر من ذلك، يمكن أن يكون الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أختارا أفهام quot;حماسquot; التي تحاول تشكيل حكومة فلسطينية أن الأتفاقات الموقعة تعتبر في مصلحة الجانب الفلسطيني وهي توفر له حدّاً أدنى من الحماية في مواجهة الأحتلال الأسرائيلي.
كانت أسرائيل مصرّة في الماضي على أعتقال الأمين العام لquot;الجبهة الشعبيةquot; السيد أحمد سعدات والمسؤول عن المشتريات العسكرية في quot;فتحquot; السيد فؤاد الشوبكي وغيرهما من المناضلين الفلسطينيين المحتجزين في سجن أريحا في ظلّ حراسة أميركية- اوروبية. وأستطاعت أخيراً تنفيذ ما كانت تصبو اليه. وكان أصرارها على أحتجاز سعدات عائداً الى أنه متّهم بأالوقوف وراء أغتيال وزير أسرائيلي رداً على أغتيال أسرائيل quot;أبوعلي مصطفىquot; الذي خلفه سعدات في موقع الأمين العام لquot;الجبهةquot;. أما الشوبكي، فقد كان متّهماً بلعب دور أساسي في ترتيب شراء quot;فتحquot; أسلحة مصدرها أيران، على الأرجح. وقد صودرت الأسلحة من السفينة quot;كارين-أquot; التي أعترضتها أسرائيل في البحر الأحمر بناء على معلومات وفّرتها لها الأدارة الأميركية التي كانت على علم بكل شاردة أو واردة في شأن كلّ ما له علاقة بالأسلحة المرسلة الى quot;فتحquot;. وحاول الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن ينكر في البداية أي علاقة له بصفقة الأسلحة قبل أن يواجهه الأميركيون بأدق المعلومات المتعلّقة بها بما في ذلك التحويلات المالية التي أرتبطت بالصفقة. وتولى مواجهة quot;أبو عمّارquot; بالمعلومات الجنرال المتقاعد أنتوني زيني القائد السابق للقيادة الوسطى الأميركية الذي حاول في بداية الأنتفاضة الثانية، أي في العامين 2001 و2002 تهدئة الأوضاع بين الفلسطينيين والأسرائيليين كمبعوث لكولن باول وزير الخارجية الأميركي وقتذاك. وكانت قضية سفينة الأسلحة التي تورّط فيها quot;أبوعمّارquot; من بين العوامل التي زادت في غضب الرئيس بوش الأبن عليه وأغلاق أبواب البيت الأبيض في وجهه نهائياً.
نجح ياسر عرفات، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست عليه، في التوصّل الى حلّ وسط يعفي سعدات والشوبكي، وآخرين من quot;كتائب الأقصىquot; لجأوا الى مقرّه في رام الله، من دخول سجن أسرائيلي. وقبلت بريطانيا مع الولايات المتّحدة ضمان سجن هؤلاء في أريحا في أنتظار التوصّل الى تسوية نهائية للقضية في أطار اتفاق شامل بين السلطة الوطنية والحكومة الأسرائيلية.
لم تبد الحكومة الأسرائيلية في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ وصول أرييل شارون الى السلطة في العام 2001 ، أي رغبة في التوصل الى أتفاق شامل، كان همّها محصوراً في تنفيذ خطة واضحة تقضي برسم حدود أسرائيل من جانب واحد. وهذا ما يتابعه حالياً ايهود أولمرت الذي حلّ مكان شارون في رئاسة الحكومة والذي يتوقع أن يفوز حزبه quot;كاديماquot; في الأنتخابات المقبلة على أساس برنامج يتلخّص بعبارة واحدة هي: رسم الحدود النهائية لأسرائيل.
جاء فوز quot;حماسquot; في أنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ليدعم موقف المطالبين برسم الحدود من جانب واحد. ولم يعد الجانب الأسرائيلي في حاجة الى التهرب من المفاوضات متذرّعاً بأن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. لقد تبرّعت quot;حماسquot; بالأعلان عن أنها لا ترغب في التفاوض مع الجانب الأسرائيلي، أضافة الى أنها على غير أستعداد لأحترام كلّ الأتفاقات التي توصّلت اليها السلطة الوطنية الفلسطينية في السنوات الأخيرة. هل أفضل من هذه الفرصة لتؤكّد أسرائيل المختصة في ممارسة الأرهاب انها ترى في الأتفاقات الموقّعة مع السلطة الوطنية قيوداً فرضتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا؟
أمّا اقتحام سجن أريحا فهو يؤكد أمرين أولّهما الى أي حدّ تبدو أسرائيل مستعدة للذهاب في أنتهاك كل القوانين والأتفاقات الثنائية والدولية بما في ذلك تلك ذات الطابع الأنساني. أمّا الأمر الآخر فهو أن العالم يبدو مستعداً للتغاضي عما ترتكبه من أعمال أرهابية في ضوء اللغة الخشبية التي تستخدمها quot;حماسquot; في التعاطي مع الأرث الذي بنته quot;فتحquot; طوال سنوات طويلة من النضال الفلسطيني أوصل الى أقامة سلطة وطنية ووضع فلسطين على الخريطة السياسية للعالم من خلال سفارات وبعثات ديبلوماسية في كلّ أنحاء العالم.
أن العمل الأرهابي الأسرائيلي الأخير أنذار جدّي موجّه الى quot;حماسquot;. والأكيد أن الرد عليه لا يكون بخطف أوروبيين في الأراضي الفلسطينية أو عبلر أحراق المركز الثقافي البريطاني في غزة... فهذه أعمال تلقى ترحيباً أسرائيلياً منقطع النظير. الرد يكون بالسعي الى فهم الواقع ومعطياته على حقيقتها. وعلى رأس ما يجب فهمه أن الأتفاقات التي وقّعتها السلطة الوطنية أنما وقعت في ظلّ موازين معيّنة للقوى لا يمكن تجاهلها في أي شكل. وأن هذه الأتفاقات تحمي الفلسطينيين من الأحتلال وأرهابه... وأن التملّص منها لا يخدم سوى الهدف الأسرائيلي الذي يتمثّل حالياً في بناء quot;الجدار الأمنيquot;. هل تتنبه quot;حماسquot; الى ذلك، أم تبقى أسيرة شعاراتها؟
التعليقات