يزيد عدد اجتماعات القمم العربية للملوك والرؤساء منذ القمة الأولى في إنشاص المصرية عام 1946 عن ثلاثين قمة، خلال الستين عاما الماضية التي هي عمر الجامعة العربية، رغم أنه جرى العرف على اعتبار القمة التي عقدت في القاهرة بدعوة من جمال عبد الناصر هي القمة الأولى، وكان الدافع المعلن لعقدها هو التهديد الإسرائيلي لمياه نهر الأردن، وتواصلت بعد ذلك تلك القمم التي كانت القضية الفلسطينية تقريبا هي الديكور السياسي والزخرفي لغالبيتها، ومن خلال رصد مسيرة تلك القمم يسترعي انتباه المدقق السياسي، تخبط العمل العربي المشترك، وعدم تحقيقه أية خطوة في مجال الوحدة، ويكفي التذكير بمحطات مهمة :
أولا: كانت قمة الخرطوم في التاسع والعشرين من أغسطس لعام 1967، أي بعد أقل من ثلاثة شهور من هزيمة حزيران عام 1967، قمة الشعارات الثورية التي تتخذ بدون دراسة، حيث هلل العرب وصفقوا من نجد إلى تطوان، ومن المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، لشعار (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف)، والمقصود مع إسرائيل.
ثانيا: كانت قمة بغداد في الإسبوع الأول من نوفمبر عام 1978، أي بعد أقل من شهرين من توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات والرئيس الإسرائيلي ميناحم بيجين، وشاركت فيها عشرة دول ومنظمة التحرير الفلسطينية فقط، وقررت تعليق عضوية مصر في الجامعة ومقاطعتها ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، وتعييين الشاذلي القليبي التونسي أول أمين عام غير مصري للجامعة، واستمرارا لسياسة الشعارات والهتافات أطلق على هذه القمة اسم (قمة الرفض).
ثالثا: قررت قمة عمان في الإسبوع الأخير من شهر نوفمبر عام 1980 رفض قرار مجلس الأمن رقم 242 كأساس للتسوية السياسية مع إسرائيل، وهو القرار الذي ينص على إنسحاب إسرائيل حتى حدود عام 1967 أي التي كانت قبل هزيمة حزيران، أي من كل قطاع غزة والضفة الغربية، وكانت مصر قد استعادت سيناء عبر اتفاقية صلح كامب ديفيد، وبذلك أسقط أنور السادات شعار جمال عبد الناصر (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، ليصبح في الحالة المصرية (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالمفاوضات)، وعزّز ذلك أن حرب أكتوبر رغم كل بطولات وتضحيات الجيش المصري، لم تحرر سيناء، بل حررتها كامب ديفيد في حين ظلت الجولان السورية محتلة حتى هذه اللحظة.
رابعا : وبعد أقل من عامين، اعترفت الدول العربية في قمة فاس في السادس من سبتمبر عام 1982 بدولة إسرائيل، وأصبح القرار رقم 242 المرفوض بحزم ثوري في قمة عمان عام 1980 مطلبا عربيا... دون أن نفهم خلفيات الرفض قبل عامين، أو الموافقة بعد عامين!!.
خامسا: بعد عشر سنوات تقريبا، اكتشفت القمم العربية خطأ طرد مصر من الجامعة العربية، فقررت إعادتها في قمة الدار البيضاء في نهاية شهر مايو عام 1989، وأكدت القمة بحق إسرائيل في الوجود ضمن حدود عام 1967، وعادت مصر للجامعة العربية، وعادت الجامعة لمقرها في القاهرة، وعادت رئاستها من عام 1991 إلى مصر حيث ترأسها عصمت عبد المجيد حتى عام 2001، ومن بعده عمرو موسى الذي جددت له القمة الأخيرة في السودان خمسة أعوام أخرى.
سادسا: قمة التخبط العربي، كانت في قمة القاهرة التي عقدت في بداية الإسبوع الثاني من شهر نوفمبر لعام 1990، أي بعد قرابة شهرين ونصف تقريبا من احتلال الديكتاتور الطاغية صدام حسين لدولة الكويت، وكانت مواقف الدول العشرين التي حضرت القمة في منتهى التخبط أو المسخرة، فقد صدر قرار القمة بإدانة الاحتلال العراقي بأغلبية 12 صوتا فقط هي : السعودية والكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين والمغرب والصومال وجيبوتي ومصر ولبنان وسوريا، ورفضت القرار كل من العراق وفلسطين وليبيا، وامتنعت كل من الجزائر واليمن عن التصويت، وتحفظت عليه كل من السودان وموريتانيا والأردن، أما تونس فقد تغيبت عن القمة. هذه القمة من خلال هذه المواقف المتباينة أثبتت أكذوبة (أمة عربية واحدة)، فأية أمة واحدة التي تقوم إحدى دولها باحتلال دولة أخرى، وتساند هذا الاحتلال علنا ثلاثة دول منها منظمة التحرير الفلسطينية التي تسعى لدحر الاحتلال الإسرائيلي عن فلسطين وتساند احتلال دولة عربية لدولة عربية. والغريب والمدهش هو انحراف التفكير العربي إلى هذا الحد، فرغم مرور خمسة عشر عاما على تحرير الكويت وثلاثة أعوام على سقوط الطاغية صدام، واعتذار محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية للشعب والحكومة الكويتية عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية المساند للطاغية، وتكرير خالد مشعل للاعتذار قبل إسبوع أثناء زيارته للكويت، إلا أن ناطقا باسم حماس في غزة التف على هذا الاعتذار بطريقة مواربة، بعد أن هاجم أكثر من كاتب فلسطيني خالد مشعل على موقفه ذلك، أي أنهم ما زالوا يعيشون في الماضي المظلم للمجرم صدام.
سابعا: القمة العربية الأخيرة في الخرطوم التي يمكن وصفها بأنها تتويج لمسخرة القمم العربية، فقد حضرها فقط 12 ملكا ورئيسا عربيا، ومن أسباب هذا التهرب رغبة المضيف السوداني في قرار من القمة يرفض قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بإرسال قوات دولية إلى دارفور، ورفض الدول العربية لذلك كي لا تضع نفسها في مواجهة الإرادة الدولية، وكعادتهم في الالتفاف والمناورة، وعدوا بتمويل قوات الإتحاد الأفريقي في دارفور، وهم يعرفون أنه عند تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي ستصبح هذه القوات جزءا من القوة الدولية، مما يعني أن هذه الدول لن تكون مطالبة بهذا الدعم المالي.
إن البيان الختامي لقمة الخرطوم الأخيرة، عزّز بامتياز الخطاب العربي الإنشائي الذي يذكر بموضوعات الإنشاء التي كان يكتبها طلاب المرحلة الإعدادية في الخمسينات والستينات، أو كما يقولون في مصر (كلام في كلام)، وهذا ما يفسر وصول الدول الأوربية إلى أبواب الوحدة الشاملة، والأقطار العربية تسرع الخطى نحو الفرقة الشاملة. لقد جاء البيان الختامي أطول بيان من بيانات القمم، على غرار الفقرة الأولى فيه : (التزامنا الكامل بوحدة المصير والهدف للأمة العربية، واعتزازنا بقيمها وتقاليدها الراسخة في التحرر والاستقلال، ودفاعنا عن سيادتها الوطنية وأمنها القومي وتمسكنا بالتضامن العربي هدفا و وسيلة و غاية... ونشيد بالجهود الرامية إلى تطوير العمل العربي المشترك..... إلخ)، دون أن يتذكروا أن المواطن الأوربي يتنقل بدون جواز سفر في خمسة وعشرين دولة، والعمل العربي المشترك يطلب من المواطن العربي تأشيرة دخول مسبقة لأغلب الدول العربية، وهذه التأشيرة لأغلب الدول العربية أصعب من الصعود إلى القمر. الإيجابية الوحيدة في قمة الخرطوم الإنشائية أنها لم تنسى (دعم التقدم المحرز في عملية المصالحة الوطنية بجمهورية جزر القمر المتحدة)، وهذه الجملة ليست نكتة بل هي من صميم البيان الختامي للقمة، ومن المهم التذكير أن دولة (جمهورية القمر المتحدة) عضو دائم كامل العضوية في جامعة الدول العربية وقممها.... أما من هم سكان هذه الجزر، وهل هم من العرب العاربة أم المستعربة؟. اسألوا الأمين العام المجدد له لخمس سنوات قادمة أي حتى العام 2011!!. الغريب أن جمهورية إريتريا رفضت بعد استقلالها الانضمام لجامعة العرب، في حين دخلتها جمهورية جزر القمر التي لا تمت بصلة للجذور العربية ولا يتكلم سكانها اللغة العربية إلا في الصلوات عند المسلمين منهم، وذلك طمعا في أموال المساعدات العربية، فخاب ظنهم بدليل أن البيان الختامي لقمة الخرطوم، أشاد ب (النتائج الإيجابية لمؤتمر المانحين الخاص بدعم التنمية في جمهورية جزر القمر)، أي أن المانحين ليسوا كلهم من العرب، لعدم إشارة البيان إلى ذلك.... وربما هناك مغزى لإعتذار المملكة العربية السعودية عن استضافة القمة القادمة. بعد كل هذا الخطاب الإنشائي والبلاغي طوال ستين عاما، نسأل: هل تساوي القمم العربية تكلفتها المالية فقط؟؟.
ahmad64@hotmail.com
التعليقات