في الوقت الذي أجتمع فيه قادة العرب بحثاً لترميم العلاقات وسعياً في الإصلاح السياسي والاقتصادي والعلاقاتي العربي، حمل الوفد العراقي لقمة الخرطوم إصلاحاً جديداً يحتاجه العرب لغدهم، ويحتاجه العراق لحاضره؛ مساعدةً ودعماً شفيفاً من جيران لا يكلفهم هذا إلا موقفاً ، سيكون لهم في التاريخ كأفضل ما قدمه العرب للعراق، وهو إصلاح لو تحقق لاستطعنا خلاله إنجاز الكثير عراقياً.. هذا الإصلاح هو إصلاح الخطاب الإعلامي العربي.
رسالة خارج اللغة
رسالة العراق كانت واضحة وصريحة وجلية المعاني، دونما لفٍ أو دوران، رسالة تدرك إن العرب أمة لغوية وطالما انشغلوا بعلوم اللغة لفهم تغيّراتها في ثابت القول المنصوص عليه كمقدس، وأسرفوا في الموقف المنطلق من التأويل، حتى كانت اللغة مشكلة عربية منذ الأزل، وتحول خلالها تأريخنا العربي إلى لغة دامعة على فعلٍ ناقصٍ لأنه لا يكتمل في الحاضر، ومستقبلنا كلّه استرجاعي-باللغة أيضا- لهذا المجد. وعاش العرب حاضراً خطابياً، تلخصه اجتماعاتهم القممية- والقاعدية-من أجل أن يباري بعضهم البعض بالخطاب الذي لا يفضي إلى فعل. وإذا كان في غياب السيد رئيس الجمهورية العراقية حسنة كبرى جعلت تمثيلنا في القمة العربية تمثيلاً خارجياً!، نادى خلاله وزيرنا الكردي بالعربي الفصيح، من أجل تمثيل دبلوماسي عربي في العراق أولاً، يفوق تمثيل الدول الأجنبية أو يوازيها على الأقل.. فأن حسنة عراقية أخرى هي الأهم؛ أن تكون رسالتنا إلى العرب مكتوبة من رئيس كردي ومقروءة من وزير كردي. هذه الحسنة صادمة لأمة اللغة والخطاب الشعاراتي العروبي، وهذه الرسالة، إن كان سيدرك كنهها القادة بامتعاض أقلّه؛تهامسٌ وتغامزٌ ودفعٌ بحشودِ فوضى صحفية عمت القاعة أثناء إلقاء كلمة العراق، فأنى بعد كلّ هذا للإعلام العربي فهماً لها وإدراكاّ لمغزاها العراقي، وكيف سيكون لهم-قادة وإعلاماً- تعاطفاً مع قضية يفعـّلها الإعلام العربي كقضية مركزية عروبية جديدة.
وهو درس جديد تعلّم منه العرب اليوم وسيحسبها التاريخ في حسنات السيد عمرو موسى كأول المدّ والأمل بالمزيد، لأنه ربما أنتبه إلى رسالة العراق تلك ليعلن عن quot;نمط جديد في آلية عمل القمة حيث تتم المناقشة خلال اجتماع مغلق وبشكل مفتوح دون خطاباتquot; هكذا قال، وما أجمله من قول لو يتحقق.
لكن حين يتخلى السياسي عن خطابه المكتوب، هل سيتخلى عن بلاغات الخطاب المنطوق وتأويلاته في هذا النقاش المفتوح؟.
و بمَ سيجيب الجيران العرب عن سؤال عراقي يرسمه عشرات الشهداء يومياً بالدم المسفوح في الشارع العراقي:هذا بعض ما يجمـّله إعلامكم المعطوب، فهل ثمة إصلاح فعلي للخطاب المفتوح على الدم والرعب قبل الخطاب الدبلوماسي المنمّق؟.
انغلاق القادة وانفتاح القاعدة
بين القادة والقاعدة، عينٌ ترى وتقرأ، هذه العين العربية ستقرأ في صحافتها، وتستمع وتشاهد في إعلامها، عن حديث السيد عمرو موسى، وسيسأل بعضهم البعض: هل أتاك حديث موسى، عن quot;الاجتماع المغلقquot; والحوارات السرية والخطابات؟.
ولكن هل هذه الحوارات تبحث في الشأن العراقي أيضاً؟. ولم تنغلق القمة عن الإعلام وينفتح الإعلام على القاعدة وإرهابها؟.
هل نوقش هذا الأمر كما أراده العراق؟.. فالعراق في مشهده السياسي المعلن لا يحتمل أي مواراة أو مواربة أو سرية، وهذا عهده على حكومته المنتخبة، لأن لوضع يختلف في العراق سياسياً عن كل الدول العربية، وما وصل العراق إليه من انفتاح سياسي ومصارحات يعد منجزاً كبيراً، وهو منجزٌ هائلٌ رغم الدم اليومي في العراق، لسبب بسيط جداً فضحايا الديكتاتوريات العربية يسقطون في سجونها يومياً بالعشرات أيضاً، والجامع بين هذه الضحية وتلك الضحية هو السياسة العربية، وليست العراقية فالحكومة المنتخبة تسير في خطواتها الداخلية المرسومة بالسلامة الوطنية وتنبه العرب إلى واجباتهم تجاه هذا البلد، وإذا نبهت اليوم في رسالتها إلى القمة إلى شيء فإنها تنبه عن غاية كبرى، وأمر مفارق لا يقبل اللبس، فتنبيه العراق في رسالته إلى موضوعة الإعلام جاء تنبيهاً راصداً لسياسة هذا الأعلام منذ أن عرفه العرب كسلطة ديكتاتورية ثانية توازي الفعل الاستبدادي وتنطق بهواه، وتعبر على أنهر من الدم الوطنية(في بلدانهم) لتوهم الآخر بهَمٍ عربي أهم، و أولى بالإشارة وفرض حالة الطوارئ.
هذا الإعلام الهرمي المنغلق في القمة، والمفتوح على قاعدة الموت، هو إعلام هرمي حقاً له من الهرم جهتين في المعنى:الأولى؛جهة لحضارة قبر هائل يضغط في جنباته الإنسان العربي بين غضب القمة ونهاياتها الغامضة، وبين دموية القاعدة.. والثانية؛ في الهرم والشيخوخة المبكرة للأمل العربي بإعلامه.
فلم الانغلاق والسرية بعد هذا المعلن هرمياً، أليس من حق الجميع معرفة ما دار ويدور؟.
ولم سينغلق الإعلام العربي على كلّ هذا ولا ينفتح إلا في الشأن العراقي؟.
الجواب معروف، والسبب محدد، فوجود عدو يتربص بالأمة شراً أمرٌ يفرض على قادتها التكتم!!.
ولكن من هو هذا العدو إذا كانت إسرائيل في كلّ مطبخ عربي، وأمريكا في كلّ مطبخ سياسي؟
حق عراقي
حق للعرب عدوهم المفترض، لكن حدود هذا الحق تنتهي عند مصلحة الشعب العراقي المغلوب على أمره عربياً، أكثر من أي غلبة أخرى، فالأمور سياسياً على المستوى الداخلي في طريق الانفراج الذي لابد منه، والدستور ومجلس النواب القادم هما الأمل، ولمن يسخر من هذه المشيئة العراقية، سنقول له إن انغلاق القادة في اجتماعهم القممي كان حقاً لهم أيضاً، مثلما نعتقد إن من الحق الدستوري لكلّ مواطن عراقي معرفة ما يدور في أي اجتماع يحضره ممثل عن الدولة، وعليه كمواطن عراقي أجد ضرورة في أن يضع السيد هوشيار زيباري ملاحظات أجندة حضوره الأخير بين يدي ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب، وما انتهى أليه تشاورهم مع القادة العرب في أمور جوهرية أعلنتها الرسالة العراقية للقمة العربية. خاصة موضوعها الأهم؛ في إيجاد دعم عربي للشعب العراقي بإنصافه من إعلام عربي غادر، يقف موقف العداء ويساند الإرهاب في العلن والخفاء.
وأجد إن الرسالة حملت أسئلة لابد لها من إجابة، فما هي الإجابات المفتوحة للجميع؟، ولئن كان اجتماع القادة مغلقاً فلا مغلق في مجلس النواب العراقي.
التعليقات