كثيرا ما يطالعنا عنوان (سياسة حافة الهاوية)، فنقرا أو نسمع أن إسرائيل ستتبع سياسة حافة الهاوية مع منظمة التحرير الفلسطينية أو مع حزب الله، ونقرا أن كندي الرئيس الأمريكي الأسبق كان قد اتبع (سياسة حافة الهاوية) مع الاتحاد السوفياتي في معالجة الأزمة الكوبية في حينها، وأن هذه الدولة الكبرى اضطرت إلى ممارسة (سياسة حافة الهاوية) مع عدوها، أو اتبعت سياسة حافة الهاوية لضمان مصالحها في صراعها مع هذه الدولة أو تلك...
هذا التعبير شائع في الأدب السياسي العام، في الجرائد والمجلات والكتب والبيانات، وبالتالي، قد يكشف ذلك عن كونه أحد قواعد أو أصول ــ ولا مشاحة في الاصطلاح ــ اللعبة السياسية.
ترى ماذا نفهم من عبارة أو عنوان أو قاعدة (سياسة حافة الهاوية)؟
ومتى تأخذ حظها من التطبيق والممارسة الفعلية؟
وهل هي قاعدة على نحو القواعد الطبيعية الضرورية أم هي قاعدة خاضعة لاجتهاد السياسي؟
يبدو أن جوهر سياسة حافة الهاوية تكمن في تصعيد من طرف واحد من معادلة الصراع، تصعيد ينذر بالخطر، يهدد بحرب أو فوضى من شانها حصر الآخر (المُستهدَف) في زاوية حرجة للغاية، تضطره إلى التعامل بمرونة أو التنازل أو اتخاذ موقف جديد من شانه يرضي الطرف المصعِّد !!
فهي لعبة في الأساس، لعبة ذكية، تقوم على تقدير نقطة الضعف أو نقاط الضعف لدى المقابل، ويبدو هي لعبة تأتي في المطاف الأخير، بعد أن تفشل كل محاولات الضغط من قبل الدولة المصعِّدة. ولكن بطبيعة الحال أن هذا التصعيد لا يمكن أن يأتي بدون حساب دقيق من قبل الطرف الفاعل، الطرف الذي تبنى عملية التصعيد، يضع في نظر الاعتبار أمكانية التكيف لكل المستحقات التي يمكن أن تترتب على هذه السياسة، فقد يجازف الطرف المقابل، ويدخل في صراع فعلي، ولا يعير أهمية لكل ألوان التصعيد التي كان من المنتظر أن تؤدي دورها بنجاح خوفا، أو تقديرا للنتائج الخطيرة التي لا يستطيع الطرف المقابل أن يتحملها.
سياسة حافة الهاوية تقوم على رأي مسبق، مؤداه أن الطرف المقابل قد يقدر النتائج الخطيرة، فيتعامل مع المشكل السياسي بلغة أخرى، تتسم بشي من العقلانية والموضوعية.
إتباع سياسة حافة الهاوية تعني دفع الأمور إلى الحد الذي ينذر بالانفجار، مما قد يغير في أنسقة التفكير السياسي في التعامل مع المشكلة أو القضية... ويمكن للدولة كبرى أن تمارس هذه اللعبة مع دولة كبرى، ومع دولة صغرى، كما يمكن لدولة صغرى أن تمارسها مع دولة كبرى، فيما إذا كان ذلك يزج هذه الدولة الكبرى.
أن لعبة الدفع باتجاه سياسة حافة الهاوية قد لا يجعل الطرف المُستهدَف في مواجهة مع نفسه وقدراته، بل قد يجعل هذا الطرف في مواجهة منطقة أقليمية بكاملها، أو يجعله في مواجهة العالم كله، فأن تحريك الأساطيل الأمريكية في محيطات العالم بأمر من إدارة كندي في أبان أزمة الكاريبي، جعل الاتحاد السوفيتي في مواجهة وضع عالمي محرج، جعله محل لوم وصيحات ونذر عالمية، لأن أمريكا عمدت إلى تأزيم العالم كله، جعلت العالم على حافة الهاوية، كانت هناك نذر حرب عالمية تأكل الأخضر واليابس، وإسرائيل إذا قررت دفع الأمور إلى حافة الهاوية بالتعامل مع حماس مثلا، قد تهدد باشتعال المنطقة، ولما كانت كل الدول العربية غير قادرة على مواجهة اسرائيل، ولان ذلك قد بل من المؤكد يقود إلى وقوف الغرب كله إلى جانب إسرائيل، فأن حماس قد تكون في مثل هذه الحالة في مواجهة وضع صعب، ليس مع نفسها، بل مع كل الدول العربية !! كذلك يمكن لحزب لله أن يمارس هذه اللعبة الخطرة بشكل وآخر.
إن الدفع بالأزمة إلى ذروتها قد يخلق مشاكل داخل الدولة المُستهدَفة، على صعيد الشعب، أو / و صعيد الجيش، أو /و صعيد القوات الأمنية، أو / و على صعيد القوى الإقتصادية... وذلك تقديرا لما يمكن أن يؤول إليه الوضع من نتائج خطيرة، تفوق المتوقع.
دفع الأزمة إلى الذروة، بتحريك الجيوش، و بتصعيد الهجوم الإعلامي، وقطع العلاقات، والتهديد بالحرب، وما إلى ذلك من مقتربات وممارسات، من طرف واحد... هذا الدفع والتصعيد من طرف واحد في سياق صراع أو خلاف سياسي، يمكن أن نسميه بشكل عام (سياسة حافة الهاوية)، لانها تضع الأمور على حافة الهاوية، ومجرد أن يستجيب الطرف الاخر، الطرف المُستهدَف بشكل وآخر، تكون سياسة حافة الهاوية قد أُتيت أكلها بنجاح.
لعبة سياسة حافة الهاوية ليس ميدانها الصراع بين الدول فقط، بل قد تكون بين الدول والشعوب، بين دولة ونقابة، بين حزب وحزب، بين قوى سياسية داخلية.
هي لعبة، ولكنها لعبة جادة، وإذا فلتت قد تحرق دولة، قد تحرق منطقة، قد تحرق العالم.